fbpx

تلازم المسؤولية والمحاسبة

0 139

نشأ مصطلح المسؤولية مع تنامي وتطور الفكر الإنساني، وأخذ أبعاده ومفاهيمه بحسب تراتبية ونمط كل مجتمع، فهو قيمة أخلاقية، وإنسانية، وقانونية تتبع كل فرد بحسب الحيز الذي يشغله في المجتمع، فتختلف درجات مسؤوليته بحسب هذه المكانة أو هذا الحيز، فمسؤوليته في إطار الأسرة تختلف عن مسؤوليته في العمل، وهنا بحسب السلم الوظيفي الذي يشغله.

ويقابل هذه المسؤولية مسؤولية المجتمع تجاه الفرد، فلكل من المجتمع والفرد دوره في المسؤولية تجاه بعضهما بعضاً ولا يمكن فصل مسؤولية أحدهما عن الآخر، العلاقة تبادلية تكاملية من حقوق وواجبات.

مسؤولية الفرد بالقيام بعمله وواجباته ودوره في المجتمع، وبالمقابل مسؤولية المجتمع الالتزام بحقوق الفرد وحمايتها، فلا يمكن تصور مجتمع يطالب فرداً بأداء واجبه دون أن يكون قد أمن له حقوقه.

وبقيام المسؤولية يتبعها قيام المحاسبة التي تتناسب مع حجم المسؤولية والدور المنوط بالفرد أو المجتمع وبقدر تلازم المحاسبة مع المسؤولية نرى تقدم المجتمعات ونموها وازدهارها مما يوفره تكاملها وتكاتفها تماسكاً واستعداداً لمواجهة كل المشاكل وتخطيها بأقل الخسائر.

إذاً، المسؤولية تتبع الدور، بحجمه تزداد أو تنقص ولذلك نصنف المسؤولية بحسب كل دور أو وظيفة لذا كنا أمام أنواع متعددة من المسؤوليات الأخلاقية، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية. نكتفي بذكر المسؤوليتين الأخلاقية والسياسية:

• المسؤولية الأخلاقية وهي التزام الفرد بالأخلاق العامة والتحلي بالقيم الإنسانية والسعي لتلازم هذه القيم مع السلوك العملي الذي يقوم به. والنشر والتوعية في البيئة التي يعيش فيها من أسرة ومؤسسة.

• وأيضاً الأخلاق التي يجب على المجتمع التحلي بها وتطبيقها بين أفراده وهي قيم العدالة والمساواة والحرية. وتعزيز روح المشاركة والتشاركية لقيادة المجتمع بترسيخ مبادئ المواطنة بين أفراد المجتمع واحترام حقوق وحريات الافراد وتعزيز وغرس القيم الإنسانية.

• المسؤولية السياسية: هنا عقدة المسؤوليات لأنها تقوم على أساس العقد الاجتماعي بين السلطة والمجتمع (الدستور) فهو الناظم للعلاقة بين السلطة والمجتمع وبين أفراد المجتمع أنفسهم فلكل دوره ومسؤوليته الناجمة عن هذا الدور تعاظمت أم صغرت.

• وما يهمنا في تلك المسؤولية مسؤولية الحاكم التي تختلف باختلاف الدول والمجتمعات وبالتالي اختلاف الدساتير ولذا من الأجدر بنا تسليط الضوء على مسؤولية رئيس الجمهورية بموجب الدستور السوري 2012.

مسؤولية رئيس الجمهورية: حدد الدستور السوري مسؤولية الرئيس بالمادة /117/ “رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، ويكون طلب اتهامه بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية، وذلك بناء على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل وتجري محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا.”

طبعاً هذا النص مخالف لمبدأ العدالة والمنطق لأسباب عدة:

– الخيانة العظمى وفق المنطق القانوني (هي عدم الالتزام بالقسم الدستوري الذي نصت علية المادة /7/ من الدستور)

– وفقا للدستور يتمتع رئيس الجمهورية بكل الصلاحيات والسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية بالإضافة لسلطات استثنائية تخوله التحكم والسير بالبلاد كما يرتئي مادة /114/ فهل يعقل من يتمتع بكل تلك الصلاحيات والمسؤوليات أن يعفى من المساءلة أو المحاسبة؟

إذاً وفق الدستور، الخيانة العظمى تتحقق في مخالفة القسم الدستوري (أقسم بالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته، وأحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته وأدافع عن سلامة أرضه، وأن أعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية)

عند مطابقة مفردات القسم الدستوري وما يحمله من مسؤوليات وطنية وقومية جسيمة، مع الواقع نكون أمام المساءلة عن الخيانة العظمى.

يتم خرق الدستور بكل قرار أو مرسوم أو توجيهات وتوصيات، فهنالك حالة من الفوضى والتخبط في إدارة البلاد، ولم تكن مصلحة الشعب يوماً بالحسبان.

انتهكت حقوق الشعب الأساسية من حق الحياة، وحق الحرية، وحق الفكر، وحق الرأي، وحق الحركة و..

وأية سيادة والغرباء استوطنوا البلاد، وسماؤها تخترق كل يوم وأية وحدة عربية بالوقوف مع الأعداء بمواجهة الدول الشقيقة.

وأما عن العدالة الاجتماعية فحدث ولا حرج، يكفي تجمع ثروة البلاد بأيدي قلة مقربة من السلطة تحتكر اقتصاد البلاد. عدا عن ترسيخ الفساد حتى أصبح هو الحالة العامة والطبيعية بالبلاد، وتعزيز الأنا لاستباحة القانون والأخلاق..

أمام كل تلك المخالفات القانونية والدستورية والسياسية والأخلاقية والإنسانية لابد من المساءلة والمحاسبة.

نحن أمام تحول كبير إما أن نخرج من هذا المستنقع الذي وضعتنا به السلطة الحاكمة وإما أن ننزلق إلى عمق أكثر وساخة وعفناً.

الدور الكبير لكل سوري يعي تلك الحقائق ومسؤوليته بالسعي لتعزيز دوره بالمجتمع وأهمية العمل التشاركي والإيمان بالتكاملية، كل منا يكمل الآخر بشكل أو بآخر.

والدور المهم للمجتمع المدني ومسؤولياته بحماية المجتمع والسعي للنهوض به بنشر الثقافة والتمكين القانونيين، والتعريف بقيمة تبني العمل الجماعي والمؤسساتي ونشر فكر المواطنة وأهمية سيادة القانون لبناء الدولة، والتقييم والشفافية لكل مرحلة من مراحل العمل.

وحمل القضية السورية إلى كل المنابر والمنصات العالمية والاستفادة من التضامن الإنساني من المنظمات الدولية مع الشعب السوري.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني