fbpx

تفكيك نظام الأسد من ضرورات السلم في المنطقة

0 873

النظام السوري بات نوعاً من أنواع المعلبات الفاسدة التي انتهت صلاحيتها ويتوجب التخلص منها في زمن الوجبات السريعة. فالعالم اليوم، هو مجموعة من القرى المتلاصقة التي تتفاوت قدراتها بين الإنتاج والتسويق، ولا مكان فيه للعديد من الأنظمة الفوضوية، التي بات وجودها يهدد الاستقرار، الذي هو غاية المجتمعات المعاصرة.

وسط هذه المعادلة، يصبح تفكيك نظام الأسد مسألة ملحّة وضرورية، وواحدة من ضرورات السلم في عموم المنطقة والعالم، باعتباره نظاماً ينتمي إلى الحقبة السابقة، التي ظهرت بوضوح أثناء الحرب الباردة. فهذا النظام، لم يستجب لمتطلبات السياسات الدولية، ولم يراعي مصالح المنطقة والعالم، خصوصاً منذ نهاية الألفية السابقة، واستمر عمل هذا النظام خارج سياق الدبلوماسية المألوف عالمياً، فلا هو اشتراكي ولا قومي ولا دكتاتوري ولا طائفي أو مذهبي فحسب، ولا هو ثوري، ولا هو مجرد مافيا معقدة التركيب، وإنما هو خلاصة كل هذا المشهد المتردي.

عبث إقليمي:

الدور الذي كان يلعبه نظام الأسد الأب وصولاً للابن، هو أكبر من دور دولة تنتمي شعوبها لشرق المتوسط، فقد تجاوز حدوده القطرية نحو دور إقليمي لم يكن منوطاً به، خصوصاً إبّان الحرب الباردة، فأيدي نظام الأسد في لبنان أوغلته في حرب أهلية لم يكن اللبنانيون ولا الفصائل الفلسطينية سيصلون إليها لولا التدخل المباشر المعروف من أيادي هذا النظام ما بعد حادثة عين الرمانة* الشهيرة، وصولاً لإحداث أول انقسام عربي عندما شكل نظام الأسد ما عرف في حينه بجبهة الصمود والتصدي، مستخدماً عنوان القضية الفلسطينية لتصفية حسابات سياسية وإثارة خصومات معقدة مع العديد من الدول العربية الخليجية منها على وجه الخصوص، ثم انتقل إلى خارج الجغرافيا العربية، متناولاً المساس بملفات الأمن، كما حدث في تدخلاته في الشأن التركي إبان حقبة الجنرالات، وهو ما أدخله في حقبة من العقوبات الدولية، نتيجة سياساته تلك، وهي العقوبات التي استغلها في إفقار الشعب السوري، عبر طبقة تجارية جديدة شكلها من ضباط المخابرات وأعوان النظام، استعملت سلاح التهريب لجلد المواطن السوري حتى بلقمة العيش.

دور الابن:

لم يراعي الأسد الابن طبيعة المتغيرات الدولية، فكان العبث الذي أقدم عليه يفوق سلفه، فبعد الخروج من لبنان، قام بتحويل سوريا كممر للسلاح نحو لبنان، وهو السلاح الذي أتاح لحزب الله أن يمسك بالمشهد اللبناني تحت ذريعة خديعة كبرى اسمها المقاومة، ثم تجاوز عبث النظام نحو العراق، وقيامه بفتح الطريق أمام آلاف الجهاديين العرب وغيرهم ممن ساهموا فيما بعد بالتعاون المصلحي مع إيران بدخول العراق في حرب مذهبية بشعة، ثم تلا ذلك إطلاقه لسراح الجهاديين وإدخالهم إلى لبنان، وهي ما عرفت عام 2007 بقضية منظمة فتح الإسلام، وصولاً إلى دوره الدموي في المشهد السوري، والتعاون المكشوف الذي ربط بين نظام الأسد وتنظيم داعش وأشباهه، والدلائل على ذلك كثيرة.

لماذا مطلب تفكيك النظام:

نظام الأسد ينتمي إلى جيل الدكتاتوريات القديمة، التي نشأت في أعقاب الحرب الكونية الثانية، لكن الفارق أن هذا النظام ليس موجوداً عند ذيل الكون مثل كوريا الشمالية، التي يحتمل العالم عزلها كلما اقتضت الضرورة، إنما هو نظام ينتمي إلى منطقة حيوية، لم تعد الظروف الدولية تسمح لهذه المنطقة أن تستمر بإنتاج مزيد من التطرف، فهناك فرق كبير بين وجود التطرف في بيئة أفغانية أو في الصومال، أو حتى الصحراء الإفريقية وبين وجوده في منطقة حيوية، لا تزال أهميتها تزداد، خصوصاً مع الاكتشافات النفطية والغاز في شرق المتوسط، ما يعني أن حيوية هذه المنطقة لا تزال في ازدياد، ناهيك عن الجغرافيا السياسية التي تمثلها المنطقة، وحساسية هذه الجغرافيا كفاصل بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وهو ما يعني أن نظاماً لم يقبل الانسجام مع أبسط متطلبات السياسة سابقاً، لا يمكنه الاستمرار بأجل جديد وعمر جديد خصوصاً وأن إمكانية التغيير نحو الأفضل للشعب السوري وللمنطقة سيكون متاحاً في القريب القادم.

يبقى أن نقول إن ضخامة الجرائم المرتكبة من قبل النظام، لا يمكن لها أن تسمح ببقائه، وإن كانت مسألة تفكيك النظام ستأخذ بعض الوقت، فمردّ ذلك القلق من ذاكرة التجربة في تفكيك نظام الدولة في العراق، وبالتالي فإن النظام شاء أم أبى، هو في طريق الزوال، وسيهدم نفسه قبيل تشكيل سوريا الجديدة.

————————————-

* عقب
حادثة عين الرمانة أقدم المدعو أحمد جبريل رئيس منظمة الجبهة الشعبية القيادة
العامة المحسوب على سوريا بقصف المناطق المدنية في بيروت الشرقية في الوقت الذي
كانت في الفصائل الفلسطينية تعقد اجتماعها لمنع انفجار الوضع في لبنان.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني