fbpx

تحدّيات المرحلة الانتقاليّة في سورية: التحدّيات على المستوى الخارجيّ

0 470

بات من المتداول أنّنا قد نكون على أعتاب مرحلةٍ انتقاليةٍ خلال الأشهر القادمة، مع التحفّظ على موعد بدئها، فهو رهنٌ بنتيجة المفاوضات التي تجري بين القوى الدولية في سورية، على تسويةٍ ربّما تكون شرق أوسطية، وربّما تكون تسويةً في الملف السوري بشكلٍ منفرد، وهي التسوية الأكثر ترجيحاً. وهنا الحديث عن الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، وتركيا وإيران، مع فعاليةٍ محدودةٍ للقوى الأخرى العربية والأوروبية.

 

ويمكن لنا أن نُصوّر مستوى فعالية هذه القوى في سورية، بشكلٍ تقريبيٍ وليس معيارياً، وفق الشكل التالي:

النقطة الأخرى التي تبقى غير واضحةٍ أيضاً، هي شكل هذه العملية، والتي نُرجّح أنها ستكون عملية إعادة إنتاج للنظام بعد استبعاد الأسد وعائلته وبعض القيادات العليا في نظامه، بالتشارك مع أطرافٍ من المعارضة العربية والكردية، والاحتفاظ بالمؤسّسات المدنية وإعادة هيكلة المؤسّسات الأمنية والعسكرية.

بغض النظر، عن شكل المرحلة الانتقالية التي سيتمّ التوافق عليها دولياً، وموعد إطلاقها، فإنّ قدرتنا نحن السوريّون على إحداث تأثير في هاتين النقطتين، هي قدرة بالغة الضعف، وعوضاً عن هدر جهودٍ محليةٍ في محاولة تعطيل ذلك، أو حرف مساره، علينا التحضير بعنايةٍ فائقة، لإدارة هذه المرحلة، والخروج منها بتأسيس راسخ لمستقبل ديموقراطي حر، بعد سنواتٍ من عملٍ مُضْنٍ يفترض بنا إنجازه.

فسقوط الأسد بمفرده، أو حتى بكلّ نظامه، لا يعني مطلقاً أنّنا أنجزنا المهمّة التي اندلعت الثورة لأجلها، بل امتلكنا أول أدوات مشروع التغيير، وهو إفساح المجال للعملية التغيرية ذاتها أن تبدأ. والتي لن يكون أيّ طرفٍ سوريٍّ، بمفرده، قادراً على إدارتها أو التفرد بها، في ظلّ مِروَحة واسعة من المخاطر التي تتهدّد هذه المرحلة. وبمعنى آخر، فإنّ إطلاق مرحلة انتقالية، لا يعني أبداً إطلاق مرحلةٍ من التراخي في العمل السياسي والمجتمعي، بل على العكس من ذلك تماماً.

هذه المرحلة القادمة، تتضمّن كثيراً من عوامل الخطورة، التي يجب التحذير منها قبل ولوجها، فالتعامل بنفس الأدوات السابقة التي كنّا نشتغل بها، سواءً أكان الحديث عن المعارضة ومؤسّساتها، أم النخب السورية بكل أطيافها، في حال استمرت في نهجها (الإقصائي، وغير الممنهج، والفوضوي، والتَبَعِي)، فإنّنا نقضي على فرصتنا الحقيقية في إحداث أسس انتقالٍ ديموقراطي، وبالتالي نؤسِّس لنظام تسلطيٍّ جديدٍ في دولة فاشلة. 

وخصوصاً، أننا – بالتأكيد – بعيدون كثيراً عن الديموقراطية – اليوم – بعد عقدٍ ضائعٍ من تاريخنا، وبعد عقدٍ من الدماء والانقسامات الهُوِيَتِية، والخراب على الصعد كافّة. فيما نحن محاطون بكثيرٍ من المخاطر التي تشكّل عبئاً كبيراً على من يتحمّل مسؤولية المرحلة الانتقالية، سواءً أكانت مخاطر متعلِّقةً بالبعد الخارجي، أو بإشكال الهُويّة السورية التي باتت مُخَرَّبَةً أو شبه مفقودة، وبإشكاليّاتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وبِنيَويِةٍ وأمنية، تحتاج إلى تضافر جهودنا جميعاً في مواجهتها.

وأولى هذه المخاطر، في سلسلة المقالات هذه، وهو الأسهل في قراءته وتحليله، ما يتّصل بالبعد الخارجي للمسألة السوريّة، فسورية تشهد في لحظة الانتقال تلك:

– وجود أربع قوى خارجيةٍ محتلّةٍ لأراضٍ سورية، ما يحُدُّ من سيادة السلطة داخلياً وخارجياً.

– وجود ميليشياتٍ أجنبيةٍ إرهابيّة، لن يمكن التخلّص منها دون التكاتف بين القوى السورية الحكومية والشعبية، وتعاونٌ مع القوى الدولية من جهةٍ أخرى، وخصوصاً أنّ هذه الميليشيات ستظلّ تهديداً أمنياً وسياسياً للمرحلة الانتقالية، طالما هي موجودةٌ في الداخل السوري.

– وجود خطر الإرهاب العالمي عابر الحدود، داخل سورية: داعش والنصرة، وفي محيطها: خصوصاً في العراق، وهو خطرٌ يجعل من سورية منطقة عبور واستقرار لهذه الجماعات، ما يعيق أيّ مشروع دمقرطةٍ وسلامٍ مفترض.

– وجود دولٍ هشّةٍ أو فاشلةٍ في جوارنا (لبنان والعراق)، تتجّه إلى مزيدٍ من التأزم الداخلي، الذي سيؤثر حتماً في محيطه الإقليمي، وسيشكّل ضغطاً حقيقياً على سورية. عدا عن أنّنا بالأساس قد أمسينا دولةً فاشلة، نشكّل خطراً على جوارنا.

– استمرار تعقيد القضية الفلسطينية على حدودنا، دون وجود تصوّرٍ لحلٍّ حقيقيٍّ في المدى القريب، وتداخل هذه القضية إنسانياً وسياسياً واجتماعياً مع القضية السورية.

– وجود قوى ونخبٍ سوريةٍ، تعمل ضد المصلحة السورية العليا، نتيجة ارتباطاتٍ مصلحيةٍ بقوى خارجية، وليس من السهولة فصلها عن المموّل الخارجي، الذي يفرض أجندة مصالحه عبرها.

وبالعودة إلى القوى المؤثرة في المشهد السوري، نلحظ أنّ إيران تحتل مرتبةً ثالثةً بين تلك القوى، لكن هذه المرتبة هي مرتبةٌ مؤقّتة، لا يمكن التنبؤ بمسارها في المدى القريب، حيث تشتغل إسرائيل على إضعاف الوجود الإيراني في سورية، ولا نميل إلى بعض التسريبات التي ترى في إيران شريكاً في إدارة المرحلة الانتقالية، أو أنّ هناك توافقاً إيرانياً/روسياً على إزاحة الأسد. إلّا أنّنا ما زلنا نرى أنّ العمليات الإسرائيلية/الأمريكية، تهدف إلى مجرد “إضعاف الوجود الإيراني”، إذ ينقسم هذا الوجود إلى قسمين، الأول وجودٌ ظاهرٌ عسكرياً وميليشياوياً، تشتغل إسرائيل على تحجميه/إضعافه، وهو ما يفسّر تصاعد الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في الآونة الأخيرة، وبشكل شبه يومي.

أمّا الوجود الإيراني الأكثر تعقيداً وخطورةً، فهو الوجود في بِنيَة الدولة السورية (سلطة، أرض، شعب)، فإيران قد اشتغلت طيلة العقود الماضية، وليس فقط في عقد الثورة، على تأصيل وجودها في بِنيَة المؤسّسات السورية المدنية والعسكرية، وعلى استملاك عقاراتٍ وأراضٍ سوريةٍ لا يستهان بها، وعلى إحداث تغييرٍ ديموغرافي بالغ الخطورة، سواء بعمليات تجنيسٍ لعشرات الآلاف من أفراد الميليشيات التي أتت بها، أو لناحية الاشتغال على تغييرٍ هُوِيتيٍّ تبشيريٍ مستمر.

ولن يمكن اجتثاث هذا الوجود، إلا من خلال تنسيقٍ عالٍ بين حكومةٍ سوريةٍ ونخبٍ ومنظمات مجتمعٍ مدني، وعلاقات دولية تقدّم عوناً استخباراتياً وعسكرياً في ذلك.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني