fbpx

بين مطرقة قيصر وسندان الأسد

0 491

كثرت النقاشات بين الأطراف السورية حول تبعات وانعكاسات قانون سيزر/قيصر بمجرد دخوله حيّز التنفيذ في السابع عشر من يونيو/حزيران الجاري. 

ولأن لائحة العقوبات المباشرة والرئيسة باتت معروفة لدى غالبية المتابعين، فقد تمحورت أبرز النقاط المثيرة للجدل حول طبيعة وماهية العقوبات غير المباشرة ومدى تأثيرها وانعكاسها لا سيما على حلفاء نظام الأسد، روسيا وإيران وميليشياتهما، أو على المواطنين المدنيين المقيمين في الداخل السوري. 

سبق أن فرض كلّ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات مختلفة استهدفت شخصيات وشركات سورية وأجنبية مرتبطة بقطاعي الجيش والمحروقات بالإضافة إلى عمليات غسيل الأموال، كـ محمد حمشو والقاطرجي وسامر فوز وغيرهم. إلا أن عقوبات قانون قيصر تعتبر الأقسى على نظام الأسد والاقتصاد السوري على الإطلاق.

إذ تشمل العقوبات الأخيرة شخصيات وشركات باعت أو زودت النظام بمواد وبضائع أو قدمت خدمات أو تقنيات ترتبط بكل من الطيران الحربي والنفط  ومشتقاته والغاز ومواد الهندسة والبناء. 

وتشير المادة (102) من قانون قيصر إلى تلك القطاعات بصورة أكثر دقة، حيث نصت على “سماح القانون بمعاقبة أي حكومة أو كيان خاص يُعتبر داعماً للنظام والجماعات والكيانات المرتبطة به، أو مساهماً في إعادة إعمار سوريا، إضافة إلى كل من يساعد حكومتي روسيا وإيران في سوريا. ويمكن للرئيس الأمريكي أن يعاقب أي فرد أو شركة دولية تستثمر في قطاعات الطاقة أو الطيران أو البناء أو الهندسة في سوريا، أو أي شخص يُقرض مالاً للنظام”.

ويتّضح أن الجزء المتعلّق بمواد “الهندسة والبناء” تستهدف بصورة مباشرة ملف إعادة الإعمار الذي كثر التلويح به مؤخراً من قبل النظام والأطراف الحليفة له، والذي بات يشكّل أحد أهم القضايا المحورية لدى الولايات المتحدة وحلفائها الذين يرفضون مناقشته بصورة قطعية قبل الوصول إلى الحل السياسي المرتكز على مقررات مؤتمر جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي ذو الرقم: 2254.

وتتوقع الخارجية الأمريكية أن القانون سيطوي ملف إعادة الإعمار في سوريا بصورة كاملة باستثناء المشاريع الفردية والمحلية غير المستهدفة في بنود قانون قيصر. 

وبصرف النظر عن عدم اعترافهما ببنود القانون أو التزامهما بها، يُستبعد أصلاً تقديم التمويل من قبل الإيرانيين أو الروس لعملية إعادة الأعمار لأسباب مختلفة، عسكرية واقتصادية وسياسية، تحول دون مقدرتهما على تمويل الإعمار.

أما على المستوى المحلّي، فبالرغم من أن القانون لا يستهدف المساعدات الإنسانية أو الغذاء أو الإنتاج المحلي – خارج إطار المحروقات – يُلاحظ أن غالبية الشركات والأفراد اختاروا تعليق أنشطتهم أو الامتناع عن تنفيذ مشاريع بناء أو إعادة تأهيل وتشغيل المعامل وشركات الإنتاج المستثناة، نتيجة المخاوف التي تعتري الشركات الأجنبية المتعاونة معها من أن تطالها العقوبات بشكل أو بآخر. وطالت المخاوف حتى مكاتب وشركات تصنيع وتوريد الأجهزة والمعدات والمكنات المنزلية المسموح بها.

وعلى العموم فإن الوضع الحالي، وبمعزل عن فرض العقوبات، غير مهيّأ أصلاً لتنفيذ خطّة الإعمار أو تنشيط الحالة الاقتصادية وإصلاح البنى التحتية في البلد. فخزانة النظام شبه فارغة، ونحو 80% من الشعب السوري يعاني الفقر نتيجة تدهور الليرة السورية وغلاء المعيشة مقابل الدخل الشهري الذي لا يتجاوز لدى غالبيتهم الـ 40 دولار، بالإضافة إلى فقدان العملة الصعبة التي يُعتمد عليها كلياً في عمليات شراء المواد الأولية ولا يمكن بشكل من الأشكال استبدالها بالليرة السورية مهما بلغت كمّياتها. 

وبرغم عدم التأثير المباشر للعقوبات على توفّر وحركة العملة الصعبة في الداخل السوري، إلا أن خوف الناس من تطوّرات كارثية إضافية على الوضع الاقتصادي المتردي دفع العديدين منهم، لا سيما أصحاب رؤوس الأموال والمقربين من النظام وكبار ضباطه ورجال أعماله، دفعهم تلقائياً إلى شراء الدولار بأسعار مرتفعة ما ساهم في انهيار الليرة السورية.

يضاف إلى ذلك أن البنوك الأجنبية توقفت عن تحويل أي نقود إلى فروعها أو البنوك الأخرى العاملة في سوريا، حتى لو كانت تلك الأموال موجهة إلى منظمات وجهات دولية حكومية أو مستقلة لا علاقة لها بنظام الأسد. 

أما بالنسبة للقطاع الخاص فيشكو من الضعف والهشاشة منذ ما قبل 2011، وصار بعدها أشدّ ترهلاً بأضعاف مضاعفة، ناهيك عن الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة المتهالكة، وتحوّل أجهزة الأمن والجيش إلى ميليشيات وعصابات امتهنت أعمال التعفيش والسلب والنهب والابتزاز والتشليح والتهريب.

تلك الأوضاع مجتمعة إذا لم تترجَم إلى حراك شعبي فعال، فلن تشكّل عامل ضغط على النظام مطلقاً، بل سيستغلها الأخير ويعمل على زيادة مستوى التداعيات وتكريس آثارها بصورة مباشرة على المواطنين للالتفاف على العقوبات والإفلات ولو مؤقتاً من صفعاتها، بحيث يحوّل أهداف العقوبات وآثارها المباشرة نحو المكوّن المدني لشيطنة القانون وتصديره بالصورة التي يريد إلى أطراف المجتمع الدولي، محاولاً إيهامه بأن العقوبات هدفها المواطن السوري ولقمة عيشه ومقومات حياته الأساسية، مستفيداً من أن بنود قيصر لم تشترط إسقاط النظام مقابل رفع العقوبات.

 وسواء اشترطت سقوطه أم لا، فالأسد لم يقبل ببقية بنود القانون أساساً، كونها ستجرّده من مؤسسته العسكرية التي يسيطر على أفرادها عبر إقحامهم المستمر في معارك مناطق المعارضة، لذلك لن يسمح بإيقاف اعتداءاته وآلة حربه. وستجرده أيضاً من مؤسسته الأمنية التي يتحكم بعناصرها طالما هناك معتقلون يقبعون داخل أقبيتها، وبالتالي لن يقبل بإطلاق سراح المعتقلين، ليس بدافع تحدّي العقوبات وإنما لاختفاء عشرات الآلاف منهم في عمليات التصفية دون معرفة أماكن دفنهم ومقابرهم الجماعية، ما سيفتح الباب واسعاً أمام المساءلة والمحاسبة بمجرد إذعانه وقبوله بالشروط.

والحال، إذا بقيت حزم العقوبات اللاحقة مقتصرة على الجوانب الاقتصادية طويلة الأمد دون اقترانها بخطوات عملية رادعة لنظام الأسد وأجهزته، فأغلب الظن أن المدنيين سيُسحقون بين مطرقة قيصر وسندان الأسد.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني