بقايا تنظيم داعش الإرهابي شمال شرق سوريا قنابل موقوتة
بعد الإعلان عن القضاء على تنظيم داعش الإرهابي نهاية شهر آذار 2019 من قبل قوات سورية الديمقراطية (قسد) وقوات التحالف الدولي. نهاية حملة الباغوز التي بدأت ضد التنظيم في آخر جيب له في 9 شباط 2019 وبها تم إنهاء دولة الخلافة، التي استمرت ما يقارب خمس سنوات. فرضت من خلالها قوانينها المتشددة، وأحكامها القاسية، ومارست القتل والعنف، ونشرت الخوف والرعب على امتداد سيطرتها.
إلا أن الإعلان عن القضاء على دولة الخلافة لم ينه المشكلة بل ظهرت مشكلات وتحديات كبرى تواجه المنطقة برمتها.
مقاتلو التنظيم المعتقلين
تم خروج ما يقارب 27 ألف شخص بينهم عوائل التنظيم المتشدد ومقاتليه. حيث تم نقل العوائل إلى مخيم الهول بالقرب من مدينة الحسكة أما المقاتلين ومن يشتبه بانتسابهم للتنظيم فتم نقلهم واحتجازهم في 24 مركز يتولى إدارتها والإشراف عليها قوات سورية الديمقراطية. منتشرة في أرجاء مناطق شمال شرق سوريا تضم حوالي 10 آلاف مقاتل بينهم 2000 أجنبي رفضت حكوماتهم استعادتهم 800 منهم من الجنسيات الأوروبية.
وكنتيجة طبيعية لجمع أعضاء التنظيم ومقاتليه في سجون ومعتقلات دون محاكمة، وإيجاد حل لوجودهم، وخلق برامج لإعادة تأهيلهم، تكونت بؤرة لإعادة إنعاش الفكر الداعشي وتأجيج الحقد ضد معتقليهم ومن قضوا على دولتهم.
فقد شهدت هذه السجون أكثر من مرة محاولات للهروب والانتقام، وحركات تمرد وعصيان.
فقد حاول سبعة من عناصر التنظيم الهرب. تم إلقاء القبض على أربعة منهم وهرب ثلاثة وهم يتوعدون بالانتقام، ومحاولة تحرير نسائهم من مخيم الهول.
وفي منتصف آذار الماضي نفذ المعتقلون حركة تمرد وعصيان داخل سجن الحسكة استنفرت لأجله قوات سورية الديمقراطية وحلقت مروحيات التحالف وأغلقت الطرق المؤدية إليه ما خلق حالة رعب لدى السكان استمرت ليومين قتل خلالها شخص وأصيب خمسة آخرون وتم إنهاء الاعتصام بعد الوعود بتنفيذ مطالبهم وهي:
تسليم إدارة السجن للتحالف الدولي بدل قسد، وتغيير الحراس الذين يسخرون من المعتقلين، وتحسين الأوضاع الصحية والمعيشية داخل السجن. ثم ما لبث أن تم اعتصام وحالات شغب وخلع لأبواب المهاجع والممرات نهاية شهر آذار سيطر خلالها المعتقلون على الطابق الثاني من السجن مطالبين بتنفيذ الوعود السابقة.
وتم إنهاؤه بعد مفاوضات جرت بين ممثلين من قسد وقوات التحالف وممثلين من تنظيم داعش.
وفي أيار نفذ المعتقلون عصياناً آخر للمطالبة بتسريع محاكماتهم وتحسين أوضاعهم المعيشية داخل السجن.
حركات التمرد والعصيان مستمرة ولن تنتهي مع استمرار تجميع هذا العدد من أعضاء ومقاتلي التنظيم في ظل تأخر محاكماتهم ورفض دولهم استلام مواطنيها وتغذية الفكر الداعشي فيما بينهم.
عوائل التنظيم وأطفاله
تعتبر مشكلة وجود عوائل التنظيم والأرامل والأطفال في مخيم الهول من أكبر التحديات والمشكلات التي تهدد المنطقة، التي ظهرت بعد سقوط دولة الخلافة شمال شرق سورية. والتي تؤرق السكان المحليين وكذا قاطني المخيم الموجودين معهم. حيث تم نقل عوائل التنظيم المتشدد إلى المخيم وهم ينتمون لـ 47 جنسية إضافة إلى العراقيين والسوريين ويقدر عددهم بـ 73500 شخصاً من 20991 عائلة بحسب إدارة المخيم. انخفض إلى نحو 71803 بعد استلام مجموعة من الدول لرعاياها وإطلاق سراح بعضهم بعد تدخل العشائر. حيث يشكل العراقيون 30857 شخصاً من 8745 عائلة والسوريون 30480 شخصاً من 8950 عائلة والأجانب 10466 شخصاً من 3296 عائلة أما الدول التي استرجعت رعاياها فهي كازاخستان 670 شخصاً أوزبكستان 307 أشخاص كوسوفو 731 شخصاً بالإضافة لـ 35 طفلاً من جنسيات أوربية مختلفة. أما من تم إخراجهم بمبادرات عشائرية 612 شخصاً من الرقة، و196 شخصاً من دير الزور و146 شخصاً من منبج.
وقد تم عزل القطاعات التي تضم عوائل التنظيم، ومنع الدخول والخروج من المخيم من قبل قوات سورية الديمقراطية. لكن ذلك خلق كياناً تمارس فيها حاملات الفكر الداعشي السلطة على النساء الأخريات حيث يدرن المخيم داخلياً بشكل سري، وهناك ما يسمى (بالحسبة) التي تعمل على معاقبة النساء اللواتي يخلعن خمارهن أو يرتكبن مخالفة شرعية، ويتعهدن بإعادة إقامة دولة الخلافة وقد شهد المخيم حالات شغب وعصيان، ومحاولات للهروب وافتعال الحرائق عمداً، كما تم طعن إحدى عناصر الأسايش، وقتل إندونيسية بعد خلعها الحجاب وحالات اعتداء على صحفيين وصحفيات وعاملات ضمن المنظمات الإنسانية.
لذا يعتبر جمع هذا العدد من عوائل التنظيم الداعشي، وعدم وضع برامج تربوية ونفسية لإعادة تأهيلهم ودمجهم بالحياة، بؤرة من الإرهاب والتطرف في المنطقة ستنفجر في أي لحظة سانحة لاستئناف عمليات التجنيد ونشر الفكر الداعشي والأخذ بالثأر.
الخلايا النائمة ضمن المناطق السكنية
إضافة لما سبق لا ننسى الخلايا النائمة من عناصر التنظيم الذين تمكنوا من الهرب قبل الاعتقال والذين يديرون شبكات مرتبطة بهم وبجهات مستفيدة من بقائهم في المنطقة وهؤلاء يشكلون خطراً يهدد الأهالي في أي لحظة. فقد شهدت المنطقة تفجيرات عدة بسيارات ودراجات نارية مفخخة كما حدث في 11/10/2019 عندما انفجرت سيارة مفخخة في القامشلي راح ضحيتها أربعة أشخاص وأصيب تسعة آخرين. وتفجير آخر في حي الأربوية قرب مدرسة الصناعة قتل فيها أحد عناصر الشرطة وأصيب اثنين بجروح خطيرة وما حدث في مدينة تربه سبيه (القحطانية) راح ضحيتها خمسة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال.
حوادث وتفجيرات كثيرة بين فترة وأخرى وتوتر دائم وحالة ترقب من أي خطر وشيك تعيشها المنطقة، في ظل احتضانها لهذا العدد من بقايا التنظيم، الذي سيبقى ويستمر ويزداد خطورة، إن لم تتم محاكمة الجناة ومعاقبتهم وإعادة تأهيل العوائل والأطفال ودمجهم بالمجتمع.
مهمة كبيرة تقع على عاتق المجتمع الدولي الذي لابد له من دفع عجلة المنطقة نحو الأمن والأمان.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”