fbpx

‎بدل محاكمته على جرائمه الموثّقة.. الأسد يُكافأ بالتطبيع مع نظامه

0 245

‎الهرولة نحو تطبيع العلاقات مع نظام الإبادة الأسدي لم تكن اجتهاداً عربياً خالصاً، فالسعودية التي أرسلت وزير خارجيتها “فيصل بن فرحان” كانت أخذت الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، وهذا اتضح من حديث السيد جويل ريبورن، أمام جلسة خاصة عن سورية عقدها الكونغرس الأمريكي.

‎قال ريبورن: “إدارة بايدن في البيت الأبيض أعطت الضوء الأخضر للدول العربية لعملية التطبيع مع نظام سفّاح سورية (بشار الأسد)”.

‎هذه التصريحات وأمام أكبر مؤسسة لصنع القرار في الولايات المتحدة، تكشف عن ازدواجية تمارسها إدارة بايدن، فهي من جهة لا تمارس تأثيرها في منع الكونجرس من إصدار قوانين تحاسب نظام الإبادة الأسدي على جرائمه، كما حدث عند تبني الكونجرس لقانون الكبتاجون، ولكنها ومن جهة أخرى، تمتنع عن تفعيل هذه القوانين. وهذا بدوره لا يتوافق مع المبادئ والقيم الأمريكية الإنسانية وحتى الدستورية منها، والتي تدعو إلى دعم الديمقراطيات وحريات الشعوب، ومجابهة أنظمة الدكتاتوريات والاستبداد، لا بل أنه يضرب في صميم هذه القيم والمبادئ. إذ بدلاً من معاقبة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فإن نهج إدارة الرئيس بايدن يعكف على مكافأة هؤلاء المجرمين، وتفتح أمامهم سبل الحياة من جديد للتحكم بشعوبهم، وممارسة قذاراتهم في القتل والتدمير، وتصنيع وترويج المخدرات وكأن هذه الإدارة تتعمد إمساك الحبل من الوسط، وهذه السياسة تميّز الحزب الديموقراطي بامتياز، والذي ينتمي إليه الرئيس بايدن.

إن الأمر قد يبدوتساهلاً أمريكياً، ولكنّ هذا التساهل، يثير ريبة الأمريكيين والشعوب العربية حيال حجم الجريمة المرتكبة على المستوى الجماعي، فهناك غرابة عجيبة يرتكبها المجتمع الدولي، فكيف تتمّ إحالة فلاديمير بوتين إلى محكمة الجنايات الدولية، ولا تتمّ إحالة بشار الأسد إلى هذه المحكمة، علماً أنه ارتكب فظائع تفوق ما ارتكبه بوتين؟

‎الأفضل ألا نطلق على ما تفعله إدارة بايدن حيال الأسد بأنه تساهلٌ، بل يجب تسميته كما هو، أي تسميته بأنه ترتيب أوراق البحث عن مصلحة أمريكية في المنطقة ولكن هذا الترتيب سواء عن قصد أو غير قصد يؤدي إلى استفادة نظام الإبادة الجماعية في دمشق، أوربما هناك خطط للتخفيف عن هذا النظام لأسباب نجهلها. 

سواء هذا أو ذاك، فإن في تغاضي إدارة بايدن عن التضييق على نظام أسد، وعدم وضع أولوياتها في المنطقة لتنفيذ القوانين الصادرة بحقه، واتخاذ الخطوات العملية التي تؤدي لمحاسبته وجلبه للعدالة، ترتكب هذه الإدارة خطأً جليلًا وصميمياً في خططها لتحقيق مصالحها الحيوية، حيث جزءً كبير في تحقيق هذه المصالح يستند أو يرتبط بشكل أو بآخر بالقيم والأسس التي تأسست عليها الولايات المتحدة، والتي يستند عليها الدستور الأمريكي في دعم الديمقراطيات والحريات والدفاع عنها، وأنه من الصعب الفصل بينهما. إن إدارة الظهر التي تمارسها إدارة الرئيس بايدن، لحتمية وضرورة الربط والتزاوج بين القيم والمبادئ الأمريكية العظيمة وتحقيق المصالح الأمريكية، سيؤدي لنسف هذه المصالح، وعدم ضمان استمراريتها على المدى البعيد، إلا إذا كان الهدف هو تحقيق مصالح آنية ولكن حتى هذا يجب ألا يكون على حساب القيم والمبادئ والأسس الأميركية لأنه سيضر بسمعة ومصداقية وجدية الولايات المتحدة ودورها في أن تكون منارة للحريات والأحرار في العالم والانسانية، يحقق مستقبلاً أفضل في حفظ الأمن والاستقرار العالميين.  

 إنه من واجب كل أمريكي، أن يطلع على ما تفعله هذه الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض، وعلى عاتق المهتمين منهم وخاصه السوريين الأمريكيين أن يعملوا على حملة ضاغطة على هذه الإدارة، لكشفها وفضحها وإظهار انتهاكها للقيم والمبادئ الوطنية الأمريكية والذي هوأصلاً انقلابًا على قيم الدستور الأمريكي والأعراف الدولية والإنسانية. 

وهل هناك من يحمي نظام الإبادة الأسدي في الإدارة الأمريكية الديمقراطية؟ لقد حدث وحرّك الرئيس الأسبق باراك أوباما أسطوله العسكري نحو شواطئ سورية بعد استخدام النظام السلاح الكيماوي ضد المدنيين السوريين، ولكنه اكتفى بتسليم بعض الأسلحة الكيماوية، مع تعهدٍ بعدم اللجوء إليها في حربه على شعبه، ومع ذلك بقي النظام يصنّع هذه الأسلحة ويستخدمها، ويفلت من العقاب.

‎إن الذهاب إلى التطبيع عربياً هو إقرار بمساواة القاتل مع القتيل، ومساواة الجلاد مع الضحية، وهو قفز حقيقي فوق جرائم ضد الإنسانية، لا يراد محاسبة مرتكبيها، فما الذي يمكن قوله في هذا الباب؟ ألا يتساءل المراقبون المتتبعون للشأن السوري، أن هناك من يرغب بإشهار رغبته بإعادة نظام الأسد الإبادي؟ أليس ذلك يتفق بأن هؤلاء الراكضين للتطبيع لا يناسبهم أن تنجح الثورة السورية في ديارها؟ أليس الأمر يتعلق ببنى أنظمة حكمهم التي تعادي الديمقراطية جذرياً؟ سيما وأنهم أنظمة تحميها عائلات أو عسكر لم يصلوا جميعاً إلى السلطة في بلادهم بطريقة ديمقراطية شرعية وشفّافة.

‎من يقرأ هذا المسار الطويل للصراع في سورية، سيكتشف هذه الحقائق، فمطبعو اليوم هم من أجّج هذا الصراع، وذلك لإجهاض هذا التغيير الكبير في بنية السياسة السورية، التي قد تشكّل مرتكزاً لانتشار فكرة التحرر السياسي من أنظمة الطغيان العربية. إنهم مع قوى عالمية لا يريدون انتصار الديمقراطية في بلد مثل سورية، وهذا يجعلنا نطرح أسئلة متعددة تحتاج إجابات شافية.

‎السؤال الأول: مادامت قرارات الأمم المتحدة لم تنتصر لثورة الشعب السوري السلمية منذ بدايتها، ألا يعتبر ذلك تخاذلاً دولياً حيال منع إبادة شعب عريق مثل الشعب السوري؟ وهذا يقودنا نحو السؤال الثاني: والذي يجعلنا نتساءل لماذا فرضت القوى الدولية عدم الحسم العسكري مع نظام أسد الإبادي، وفرضت رؤيتها بحلٍ سياسي لا مقومات واقعية له، لأن هذه الرؤية لم تحدد مساراً إلزامياً بالانتقال السياسي في سورية وفق قرارٍ ولد ميتاً (القرار 2254)

‎وبقي أن نسأل هل كانت الأنظمة الحاكمة العربية (مثل السعودية) قادرة على التطبيع دون ضوء أخضر أمريكي، استهله وزير خارجية الولايات المتحدة “بلينكن” باتصالات مع وزير خارجية المملكة السعودية “فيصل بن فرحان” قبل وبعد زيارة الأخير لدمشق.

‎وهل عملية التطبيع مع نظام دمشق يمكنها أن تتم دون توافقات بعيداً عن الأضواء مع حليفي النظام (روسيا وإيران)؟.

‎إذاً هناك توافقات على حلٍ سياسي يمكن أن نطلق عليه صفة (حل الحد الأدنى) ، وهوحدٌ يساوي بين الضحية والجلاد، ويتغاضى عن جرائم كبرى ستبقى تلاحق الشرف الأمريكي نتيجة التسامح معها.

(حلّ الحد الأدنى) لن يحلّ جوهر الصراع العميق في سورية، فهولن يغيّر عميقاً في بنية الدولة السورية الأمنية، ولن يحقق العدالة لضحايا النظام الأسدي، ولن يسدل الستار عن جرائمه والتي ارتكب فيها فظاعات لا يمكن إغماض العيون عنها، وهذا كأنه أمرٌ مخطط له، أي أن تبقى النار تحت رماد ما يسمونه حلاً سياسياً.

‎فليس هناك من حل في سورية إلا استخدام القوة، أو التهديد بها، لفرض الحل السياسي ومحاسبة أسد وجلبه للعدالة، فهل حلّت الإنسانية مشكله النازية وهتلر سياسيًا! ؟. إن القاعدة العامة والأعراف الأخلاقية والدولية والقانونية هي اجتثاث المجرمون وجلبهم للعدالة أو القضاء عليهم. الجريمة تقابل بالعقاب وليس بالحلول. إن الحلول في حالة الجرائم هي استسلام المجرم.

 إن مقولة الحل السياسي هي مقولة للتداول الإعلامي والدبلوماسي أو التمويهي. وترديد أو محاولة تسويق أنه ليس هناك حل عسكري للقضية السورية وإنما حل سياسي، والذي أول ما استخدمه إدارة أوباما، هو خاطئ مطلقًا، لأنه يحتاج لقلبه عكساً، أي أنه ليس هناك حل سياسي للقضية السورية وإنما حل عسكري. 

إنه من الغريب والعجيب إن تقلب المفاهيم الأخلاقية والإنسانية والموازين والأعراف والقوانين الدولية في الحالة السورية في الدعوى لإيجاد حل سياسي يفلت منه مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية من العقاب ويدعون للجلوس على طاولة التفاوض مع ضحاياهم، بدلاً من الوقوف خلف قضبان العدالة أوربط أعناقهم بحبال المشانق، بينما تطبق هذه المفاهيم والأعراف والقوانين في حالة جرائم ومجازر أخرى ارتكبها مجرمون النازية ك هتلر، وموسوليني، وجزّار الصرب الأكبر، رادوفان كارادزيتش، وزميله في بلجراد، الرئيس العنصري، سلوبودان ميلوسيفيتش”عندما حوكموا على جرائمهم. ولا ننسى الاقتصاص من زعماء النازية، في محاكمات نورمبرج”، وحديثاً ما قررته محكمة العدل الدولية ضد فلاديمير بوتين. 

هل يسأل السوريين الأحرار الكثير من المجتمع الدولي للاقتصاص من جزارهم في سوريا وعصابته؟ إن استثناء الحالة السورية من القاعدة العامة مرفوض وهو بحد ذاته جريمة قذرة ليس بحق الضحايا الابرياء من السوريين وإنما بحق الإنسانية جميعها. 

إن الحل السياسي الحقيقي له أسلوب واحد لا غير، وهو اجتثاث هذا النظام الفظيع من جذوره، ومحاكمة كل رموزه وقادته، وفضح كل من تستّر على جرائمه عالمياً، وهذا يتطلب من قوى التغيير السورية في كل أماكن وجودها أن تنهض ببناء حملة ضغط لفضح أي تساهل في ذلك ومنع الالتفاف على القيم الإنسانية الكبرى، لتبقى هذه القيم حارساً جبّاراً لحقوق الإنسان في العالم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني