fbpx

الهزيمة في ذكراها الرابعة والخمسين.. وبدء هزيمتها

0 469

لا تزال هزيمة حزيران تشكلّ واقع حياتنا العربية، على صعد السياسة والتنمية وتطور المجتمعات، بسبب أن حوامل الهزيمة، لا تزال هي حوامل واقعنا العربي إلى اليوم، ونقصد بذلك البنى السياسية والاجتماعية، التي لم تتغير علاقاتها بنفسها وبحركة التطور العام.
لا تزال التنمية الشاملة في البلدان العربية بعيدة المنال، وهذا يعود إلى طبيعة تكوين الطبقات الحاكمة العربية، والصيرورة التاريخية التي أنتجتها، فهي بنى طبقية، لم تكن ذات مشروع ثوري على صعد الإنتاج الكلي في مستويات الاقتصاد والسياسة والبنى المجتمعية.
فرغم توفر ثروات كبيرة تسمح بتنمية شاملة لدى عددٍ من البلدان العربية، إلا أن إدارة هذه الثروات لم تكن في خدمة مشروع التنمية، بل في خدمة استدامة هيمنة هذه الطبقات على الثروة ومقاليد السلطة، وهذا يمكن فهمه، إن هذه الطبقات لم تشتق وجودها من قوى الدفع التاريخ للطبقات الاجتماعية ذات المصلحة الحقيقية بالتنمية، بقدر ما هي سلطاتٌ، أتت من فوق المجتمع ضمن شروط خاصة لا تعبّر عن فعل الدفع التاريخي.
بنى الطبقات الاجتماعية العربية الحاكمة، هي بنى طفيلية أساساً، فهي إما تنحدر من قوى اجتماعية تشكّلت ما قبل ظهور الدولة بمفهومها المعاصر الحديث، أو أتت إلى السلطة عبر قطع صيرورة تطوره بواسطة الانقلابات العسكرية، ومثل هذه البنى ليست ذات مشروع تنموي، بقدر ما هي ذات مشروع مستدام في السيطرة والهيمنة على السلطة وتنظيم توزيع الثروات بما يخدم بقاءها.
إن مشروع التنمية الشاملة يحتاج إلى حوامله الطبيعية، وهي بالدرجة الأولى الطبقة الوسطى، ورأس المال الذي يتجه للإنتاج المتطور بشقيه الصناعي والزراعي، وهذا المشروع لا يمكن أن يكون هدفاً لطبقات اجتماعية متسلطة غريبة عنه، بل هي تعيقه، لأنها لا تريد أن يتطور المجتمع بكل أنساقه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فالتطور يعني تهديد وجود هذه الطبقات بصورتها الحالية.
مشروع التنمية حتى وإن تمت عرقلته، فهو ضرورة تاريخية، فالطبقات الاجتماعية ستصل في لحظة إلى نهاية نفق فرضته الطبقات المسيطرة، ولهذا هي معنية بفتح ثغرة في النفق المسدود لتتقدم، وإن لم تفعل فهي ستتفتت كطبقات وكمجتمعات، وتصير هدفاً لقوى خارجية ذات أهداف مختلفة.
إن ثورات الربيع العربي هي “البروفة” الأولى للخروج من نفق الطبقات الاجتماعية العربية الحاكمة، فهذه الطبقات تعتمد على اقتصاد ريعي بالدرجة الأولى، وعلى نهب منظمٍ للثروات الطبيعية، وعلى هدر حقيقي للطاقات البشرية الإنتاجية.
إن عدم إنجاز ثورات الربيع العربي لمهامها في الانتقال من صيغة الدولة “الإقطاعة” إلى صيغة الدولة ذات العقد الاجتماعي العادل، الذي يحمي كل فئات المجتمع، لا يعني أنها انهزمت، بل يعني عدم توفر الظروف الذاتية والموضوعية بشكلٍ كافٍ لتحقيق الانتصار، وهذا مرده إلى قلة خبرة قوى الثورات العربية في تنظيم أطرها وأدواتها، وعدم توفر برامج عمل سياسي استراتيجية لمشروعها.
إن ثورات الربيع العربي هي الحلقة الأولى من مسلسل ثورات وانتفاضات ستحدث، هدفها زلزلة هزيمة حزيران، واستعادة القرار الوطني، ووضع برامج التنمية موضع التنفيذ. وهذه الحلقة هي مدخل التغييرات القادمة، رغم أن هناك من يحاول حرف مسارها وتخريب أهدافها، وهذا قد يحدث جزئياً في هذا المسار، ولكنها ثورات ضرورة التطور الاجتماعي الشامل.
إن بنى اجتماعية جديدة بدأت بالتبلور في المجتمعات العربية، وهي بأمس الحاجة إلى نظام دولة حقيقية، يتم عبره بناء تنمية شاملة، هذه التنمية، ستفرض نفسها على القوى الاجتماعية العربية كضرورة تاريخية، لن تستطيع القوى الحاكمة منعها، وإن استطاعت تأخيرها، وهذه التنمية لها ركائزها وأدواتها التي ستجرف في طريقها كل القوى المسيطرة غير المنتجة والفاسدة، التي صارت جزءاً من صيرورة تطور انتهى زمنها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني