fbpx

المعتقلون في سجون النظام السوري وشهر رمضان

0 1٬132

لا يمكن للمرء تشكيل فكرة عما يواجهه
المعتقلون والمعتقلات في سجون نظام الأسد، ففي هذه المعتقلات، يمكن للمرء أن
يستخدم مخيلة فانتازية، ترسم أبشع صور الرعب، التي يتعرض لها المعتقلون من
الجنسين، ومع ذلك تبدو حقيقة ما يجري لهؤلاء المعتقلين أكثر بشاعة من مخيلة فانتازية
ترسم الرعب على هواها.

ومع ذلك، هل تساءل أحدكم كيف يقضي المعتقل
يومه الرمضاني؟ لا أعتقد أنكم رسمتم صورة ذهنية عن مثل هذا العذاب، فالأمر ليس كما
تظنون، أو كما يحدث معنا، نحن الذين نحيا خارج جدران المعتقلات المرعبة.

في البدء، لا ينظر المعتقلون إلى الساعة،
ليعرفوا وقت السحور والإفطار، فهم ممنوعون من هذا البذخ بامتلاك ساعة يد. وهم لا يتناقشون
فيما بينهم حول نوعية الطعام الذي سيوضع على مائدة الإفطار، فليس هناك طعام أصلاً
سوى اليسير البائس منه. وهم أساساً لا يسمعون أي أذان لأي وقت صلاة. وبالتالي،
ونتيجة للمعاملة السيئة جداً من قبل السجانين في غالب الأوقات، فهم صائمون أغلب
الوقت.

لا تنتظر الأم في سجون الطاغية أذان
المغرب، فهو وقت طويل، تقضيه متذكرةً لما كانت تفعله من أمور في زمن حريتها
الشخصية مع أبنائها، هي تتذكر يومياً ضحكات أطفالها، وطلباتهم من أنواع الطعام،
هذه الطلبات لا تنتهي، فهذا يريد طعاماً معيّناً، والآخر لا يحب هذا الصنف من
الطعام ويفضّل عليه صنفاً آخر.

الأم تحضّر أصنافاً مختلفةً من الطعام، كي
ترضي مطالب الجميع. هذه الأم تفتقد في معتقلها أبناءها، وتجهل كيف صارت ملامحهم
بعد سنوات من اعتقالها، تريد وتتمنى أن تحيا فرحة عمرها بهم، وتراهم قد كبروا وبدأوا
يقومون بشعائر الدين.

في السجن يتمّ تقديم وجبة واحدة، هذه
الوجبة عبارة عن حبة بطاطا مسلوقة، اصطبغت باللون الأزرق، لكنّ طعمها يتفشّى فيه
المرار، والسجين خارج أوقات التعذيب والاستجواب، لا يحق له أن ينسى وضعه المهين هذا
حتى ولو للحظات.

تضطر المعتقلات لتخبئة تلك الوجبة الثمينة،
حتى أذان المغرب، متخذات من هذه البطاطا

وجبة للإفطار والسحور، فهنّ في منتجعات آل
الأسد، حيث لن يهتم أحد إن متن جوعاً أو مرضاً، أو حتى قهراً.

قد تأجج رائحة قهوة السجان مشاعر النسوة
هناك، وتشتهيها أغلبهن وتنهار إحداهن باكيةً، ليس لأنهن يشتهين القهوة فقط، بل لأن
طقوس تلك القهوة بعد مائدة الافطار، كانت تحقق لهنّ حياة أخرى.

ثلاثون يوماً من الذكريات المؤلمة، مصحوبةً
بجوع ٍوقهرٍ وذلٍ، هذا ما تشهده المعتقلة في سجون النظام السوري. فكل شيء قد يتوقف
في ذلك المكان إلا خطوات السجان، فهو لن يرحم هذه المرأة أو تلك لأنها صائمة، ولن
يعفو عنهن لأنهن يصلين، بل قد يزيد من حدة التعذيب، إن علم بصيامهن، وقد يزداد
بشاعة بألفاظه، فأغلب من يقلن له (يا سيدي كرمى لله)، كان جوابه لهنّ تجديفاً
بالله. مستخدماً ألفاظاً نابية لا تمت للإنسانية بصلة.

المعتقل في رمضان يعني القهر والذل
والحرمان، ليس فقط للمعتقلة وحدها، بل لأسرتها كاملة

العبادة كانت الراحة الوحيدة، التي تلجأ إليها
المعتقلات لنسيان تلك القضبان، ومحاولة الخروج من ذلك المكان، دون أن يفقدن عقولهن.

تتسابق المعتقلات في حفظ القرآن وصلاة
فروضهن، والدعاء لله ليحفظ عائلاتهن خارجاً،

ثم تروي كل معتقلة ماذا كانت تفعل في مثل
هذا الشهر، وماحفظته من قصص نبوية وأحاديث.

قد تعلّم إحداهن البقية فنون الطبخ، وعمل
الحلويات، ثم تقول ساخرة إن خرجنا من هنا سالمات،

سأدعوكن جميعاً لمائدة إفطاري في العام المقبل،
فتدخل جميعهن في نوبة هيسترية من البكاء،

فقط في معتقلات الأسد، تشتهي المرأة أن
ترى رمضان المقبل مع عائلتها.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني