fbpx

المتلقي الكُردي وقناة تلفزيون سوريا

0 260

يدخل تلفزيون سوريا عامه الرابع، مودعاً ثلاثة أعوام حُبلى بالتغيرات وآلية تناول القضايا السورية بمختلف أنواعها وراهنياتها عن بقية القنوات، اختلافٌ يشعر به كُل من تابع مختلف الوسائل والمنصات المطروحة بصيغة الإعلام البديل. خاصة أن بعض تلك القنوات راحت تمتهن خطاب الكراهية والتهجم على القوميات والأقليات الدينية والإثنية. ناهيك باعتقادها الراسخ أن لا إمكانية وبل لا رغبة من شراكة لغةٍ أخرى مع العربية الموجودة أصلاً منذ عقود في سوريا، وكأن القضية أصبحت مزاحمة أو صراعاً، من يقضي على لغة الآخر أولاً. وخلال العقد الأخير كانت مجموعة من المحطات والإذاعات والمواقع الإلكترونية، تتأرجح في موقفها من القضية الكُردية، وتتذبذب في مقارباتها حول الكُرد والجهات المانحة أو الممولة لهم. عدا عن إجماع الغالبية بالنظر إلى الكُرد عبر منظار الاتحاد الديمقراطي ثم الإدارة الذاتية، متناسين أن عفرين تحديداً وما يجري فيها أصبحت من مُثبطات العمل الثوري وتمهيداً للانهيار في المنظومة القيمية لأي فعل ثوري، هذا عدا عدم طرح الخطاب الكُردي وفق خطابات وأدبيات المجلس الكُردي أيضاً. في هذه المعمعة برزت فضائية قناة سوريا مُحاولة طرح مقاربات بصيغ جديدة. 

يطرح تلفزيون سوريا حالياً نفسه كمنصة إعلامية بديلة للإعلام السوري الرسمي. والواقع أنه تمكن من استقطاب أعداد ضخمة من المتابعين سواء على وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر برامجها وعروضها المختلفة، ولا أشك أيضاً من متابعة المؤيدين للنظام السوري، عدا عن شرائح ممن ينظرون إلى القناة بعين العداء كبعض مكونات الإدارة الذاتية إلى حدٍ ما. هذه الرؤية الخاصة بتلفزيون سوريا، هي أولاً نابعة من ثقة بالنفس ومعرفة بحجم الغُبن والاستياء الشعبي الحاصل من القنوات التي تصر على رؤية الأمور والقضايا وكأن سوريا لا تزال تعيش في عام 2011. وثانياً جاءت من حاجة ضرورية وعضوية لنقل المتابع السوري إلى حالة جديدة تخرج من سياقات التلقين والمقت الإعلامي. لكنها لم تصل بعد لتصبح مركز استقطاب للشرائح والمكونات السورية التي لا تُحبذ أن تكون سوريتُها دون هويّاتها الفرعية.

بالمقابل، عبر عقود من الزمن الغابر، لم يشعر الكُرد في سوريا بوجودهم على شاشات القنوات الرسمية للحكومة السورية. إلا إبان الانتفاضة الكُردية التي انتقت بعض المحسوبين على البعثيين أو المقربين من الأجهزة الأمنية، ليتبرعوا بتشويه العمل الميداني الكُردي. ثم عرضت الفضائية السورية بعضاً من الأغاني البعيدة عن الحالة التاريخية والقومية لعيد النوروز القومي للشعب الكُردي. ثم أسدل الستار نهائياً على الوجود الكردي أو مطالبه وأوجاعه، قبل أن يُرفع مُجدداً في بدايات2011، وأيضاً عبر مجموعة من المُلقَّنين لطرح ما يجب قوله حول الحدث السوري أو جملة القضايا التي تخص سوريا والكُرد بعيداً عن أي طرح للهم التاريخي القومي المطلبي للكُرد. 

من جهة أخرى، ما يُمكن أن تُصبح مشكلة بين المتلقي الكُردي وتلفزيون سوريا قائمة على جملة من المعطيات. فصحيح أنها لا تتشابه وخطابها مع الكراهية العميقة لخطابات بعض الفضائيات التي تقول أيضاً عن نفسها إنها الإعلام البديل، لكن مشكلة خطاب تلفزيون سوريا أنه لم يتمكن من استقطاب كبير للشارع الكُردي لأربعة عوامل متداخلة، أولها: لا برامج خاصة تستهدف الكُرد بعد عقود من التهميش، ومن الممكن أن يُصار إلى تخصيص برنامج أسبوعي أو نصف شهري، للحديث عن مشاكل المكونات السورية، فيما بينهم، أو بينهم وبين المعارضة السورية، أو بينهم وبين السلطة السياسية منذ بدايات استلام البعث وإلى تاريخه، عدا عن إسقاط الضوء على وجودهم التاريخي والدور السياسي والاجتماعي الذي لعبه كل مكون في بلورة وعي سياسي جمعي أو شراكة سياسية وسلم أهلي…إلخ. وثانيها: من المتعارف عليه أن لكل جهة إعلامية سياساتها الخاصة، تحديداً قضية المصطلحات السياسية والتسميات وما شابه، فإن إصرار تلفزيون سوريا على استخدام مصطلح المناطق “ذات الغالبية الكُردية” بدلاً من المناطق الكُردية. يدفعني ككاتب صحفي يكتب بشكل دوري ضمن موقع تلفزيون سوريا، ومشارك في برامجه التلفزيونية للاستفسار حول إمكانية القول حلب “ذات الغالبية العربية” على اعتبار أن أحياء شيخ مقصود شرقي وغربي والأشرفية وشمالي الأشرفية. أحياء سكنها الكرد منذ أمدٍ بعيد، عدا عن وجود الآشوريين والأرمن والتركمان في حلب، وهؤلاء لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم عرباً، بل سوريين بهويّاتهم الفرعية، إضافة إلى منطقة عفرين التي رُبما لا يتجاوز العنصر غير الكُردي فيها أكثر من 2% وفق تقديرات غير رسمية.. وثالثاً: قضية عفرين تحديداً هي التي جعلت من المتلقي الكُردي مبتعداً شيئاً ما عن المتابعة. وبعيداً عن عملية غصن الزيتون، وتعمقاً في المرحلة التي تلت انتهاء تلك العملية، يتساءل المتلقي الكُردي حول سبب عزوف شبه تام لتغطية ما يحصل في عفرين من سلب ونهب وقتل على الهويّة والتغيير الديمغرافي، ووصل بهم الحال إلى منع احتفال الكُرد بعيدهم القومي، النوروز، عدا عن عشرات الملفات المتعلقة باللغة الكُردية ووضع المزارعين والنساء وطلب الفدية على المختطفين. كل ذلك يدفع الشارع الكُردي للاستفسار حول سبب عدم الاهتمام بقضية السكان والمجتمع المحلي في عفرين، علماً أن الموقف من الحريات والديمقراطيات مبدأ واحد ثابت لا يتجزأ.

ورابعها: فإن الكثير من القضايا التي تمسّ جوهر الوجودي الكُردي وحقيقة هويّته القومية كشعب وقضية في سورية تعرضت إلى التنمر والهجوم ومحاولة النفي، وأصبحت قضية رأي عام سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو مقالات الرأي في مختلف المواقع أو عبر المداخلات التلفزيونية الكُردية منها أو العربية، لكنها لم تلق أي اهتمام من قبل تلفزيون قناة سوريا.

في العموم لا يُمكن النظر بسوداوية مطلقة للقناة، فتغطية الأحداث والمناسبات الكُردية السورية سواء في دول اللجوء ككردستان العراق أو أوربا، أو من لا زال مستقراً في الداخل، مستمرة ولكنها فقط تحتاج إلى شيء من إزالة الغبن الواقع على الكُرد وباقي القوميات غير العربية في سوريا، وربما لو صار إلى تخصيص برامج مجتمعية تخص القاطنين في شمال وشمال شرقي سوريا، سيكون من بين المواضيع الشيقة التي ستساهم في التفاف المزيد من المتلقين حول القناة. أما قضية لماذا تُلقي القناة الضوء على مواضيع وقصص وقضايا وفق سياساتها الخاصة، والتي تخص فئة سياسية من الوسط الكردي، فإن الإعلام الكُردي أيضاً يتناول قضاياه الداخلية وفق سياساته الحزبية، وهي في أغلبها موجهة ضد طرف كُردي غير منسجم مع الطرف الكُردي الآخر.

رُبما يكون العام الجديد على قناة تلفزيون سوريا، عام الانتقال الأكبر صوب تبوئها صدارة الإعلام السوري، خاصة وأنها، بعيداً عن الرأي الكردي الخاص، تمكنت من توليف شبكة برامج منوعة لتغطية الأحداث بمعيار واضح وبسيط في الصناعة التلفزيونية، والانحياز لقيم الحرية والعدالة والكرامة.  وهو ما يُشجعنا أكثر للقول: لا يجوز أن تبقى باقي المكونات دون حصة في طرح همومها والاهتمام بها وفق قاعدة انتمائها لوطنٍ واحد وخاصة لو كانت بلغتها الأم.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني