fbpx

اللجنة الدستورية والسراب السياسي

0 1٬557

قادت عمليات الإفلاس الدولي بعد القرار/2254/ الذي تم تبنيه في مجلس الأمن في عام 2015م إلى تشكيل اللجنة الدستورية في /2018/ وتم أول اجتماع لها في /2019/  وذلك بعد أن كانت الجهود الدولية تتجه في سياقات حل شاملٍ يـتأسس على هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تشكل بديلاً للنظام الدكتاتوري المجرم، مما جعل الروس يبتكرون فكرةً إجهاضية للحل السياسي تتناسب مع الشروط الاحتلالية الكولونيالية الروسية للحفاظ على الامتيازات العسكرية والاقتصادية والسياسية مع النظام الضامن للمصالح والمكاسب الروسية، فبادر الروس إلى إيهام المجتمع الدولي بأنهم مع عملية حقيقية للحل السياسي، مع إدراك المجتمع الدولي طبيعة اللعبة السياسية الروسية إلا أن العجز الأوربي والتراجع الأمريكي والتحكم الروسي/الصيني في مجلس الأمن جعل من العسير تسويق حل سياسي داخل المنظومة الدولية المعقدة والمتناقضة، ما مكن الجانب الروسي من فرض هذه المعادلة الخاسرة المشؤومة على المعارضة السورية المرتبكة والفاقدة للحلفاء الدوليين والإقليميين الداعمين لاستحقاقات الشعب السوري وحقوقه السياسية والقانونية والدستورية، وكذلك الفاقدة للتمثيل الشعبي والثوري لها مما جعلها معارضة هشّة خالية من الروافع الشعبية والفواعل المجتمعية الداعمة لها، وقد أدى ذلك إلى جعل تمثيلها السياسي والقانوني الحقيقي للشعب السوري تمثيلاً مزيفاً فاقداً للشرعية المجتمعية وعاجزاً  عن رفض أية أطروحة سياسية تُطرح عليه إقليمياً ودولياً، وهذا ما أكده كثيرون ومنهم السفير السابق في سوريا والمهتم بالشأن السوري روبرت فورد بقوله: كلما عجز الغرب ووقع في مأزق قامت المعارضة السورية بإنقاذه وستر عورته أمام المجتمع الدولي، وهو يشير إلى تلقف المعارضة فكرة اللجنة الدستورية وقبولها السريع لها، بل ذهب بعضهم للقول بأنها الخيار الوحيد للشعب السوري، كما قال فراس الخالدي في مقال له في جريدة المدن الإلكترونية، وهذا ما يؤكد حالة الانهيار النفسي والسياسي وموت البدائل الثورية والسياسية في كيان المعارضة السورية المفاوضة. 

ومن المعلوم أن التقسيم بين الأطراف أصبح على الشكل الآتي: 150 عضواً، خمسون للنظام وخمسون للمعارضة وخمسون لقوى المجتمع المدني يتم تعيينهم من الأمم المتحدة، وسوف تنبثق من هذه المجموعات لجنة من 45 شخصاً لصياغة الدستور ثم عرضه على اللجنة الدستورية ثم الاستفتاء.

إن عملية الاستفتاء وعرض الدستور على الأطراف هي عملية شبه مستحيلة التطبيق في الواقع الحالي فضلاً عن عدم جدواها وشرعيتها في الحقل السياسي السوري من حيث الشكل الدستوري ومن حيث المضمون وذلك لافتقارها إلى الشرعية المجتمعية التي تعطي الدستور معناه وحقيقته القانونية المنبثقة من الكل المجتمعي الممثِّل للاجتماع السياسي، فهذه المشاكل والعقبات لن يتمكن أحد من حسمها وحلها لأن القرار الأممي قرار نظري غير قابل للتطبيق وإلزام الفرقاء المتنازعين على قبوله وتنفيذه، فالمعارضة السياسية لا تستطيع إلزام العمق المجتمعي المدني والعسكري بتنفيذه لأن المعارضة السياسية غير مؤثرة على القرار الواقعي على الأرض التي تستحوذ على المحرر منها القوى المقاتلة الرافضة للقرار الأممي كما دلت على ذلك تصريحات كثيرة لها، وكذلك النظام الذي التقط هذا الخيط من حلفائه الروس لإعادة تجديد استراتيجية التمديد والتمييع وإسقاط الاتفاقيات بالجزئيات والاشتراطات الإضافية مما يؤكد دوامة المشكلة وعدم قابليتها للحل زيادةً على أن النظام يشترط موافقة مجلس الشعب على اللجنة الدستورية وأنها يجب أن تتأسس على دستور 2012، وسوف يزيد النظام من التعقيدات والكوابح أمام تنفيذ أي قرار تطبيقي في شأن اللجنة الدستورية مادام الحليف الروسي لا يريد اقتلاعه وتنحيته عن المشهد السياسي كون النظام والمؤسسة العسكرية تشكل ضماناً للاتفاقيات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وهذا ما ذكره الباحث في المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية “جوليان بارنز” لفرانس برس “إن الحكومة السورية ستواصل بلا شك إعاقة هذه العملية، ويجب علينا ألا نتوقع تسوية سياسية عادلة أو إصلاحات جوهرية من جانبها”، وكذلك رفضُ الأكراد واضحٌ منذ بداية تأسيس اللجنة الدستورية لعدم وجودهم داخل اللجنة، وعدم دعوتهم أساساً منذ محادثات جنيف وآستانة رغم أنهم يسيطرون على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا وهذا من وجهة نظرهم غير عادل ولا موضوعي مع هذا الثقل العسكري والحضور الجيوسياسي لهم على الأرض، وعملية الرفض قائمة على المعارضة السورية لهم باعتباراتها السياسية الذاتية وموقفها من المسلحين الأكراد واستجاباتها للحليف التركي الرافض لإعطاء أي شرعية تمثيلية لهؤلاء المسلحين المصنفين تركياً بأنهم منظمات إرهابية لا تمثل حتى العمق الكردي ديمغرافياً.

إن مقصود النظام والروس واضحٌ وهو ضرب جنيف والقرارات الدولية، وإعطاء النظام فرص التمدد والتغول العسكري لفرض الأمر الواقع على الأرض من خلال استعادة المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة وخاصة في الفترة الأخيرة من الاجتياحات في أرياف حلب وحماة وإدلب قبل أن يتوقف القتال من خلال الاتفاق التركي/الروسي.

إن مشروع اللجنة الدستورية رغم افتقاده للشرعية السياسية المجتمعية المنبثقة عن الشعب السوري صاحب الحق بتعيين هذه اللجان في المفهوم القانوني والدستوري، هي نوعٌ من  إنهاء هذا الحق بشكل تطبيقي وواقعي مما يعني أن المأساة تحولت إلى ملهاة طويلة الأمد بمشروع وهمي مزيف غير قابل للحياة والتطبيق في العمق الجيوسياسي السوري نظراً للأسباب المذكورة آنفاً، ولتشظي الجغرافيا والمجتمع وللتحولات الجيوبوليتيكية المعقدة وفقدان المجتمع الجغرافي على الأرض السورية وتشتته في دول اللجوء المبعثرة في العالم مما لا يسمح بأي استفتاء شرعي واقعي على الأرض، وهذا يفضي إلى عدم وجود أفق حقيقي للحل وأن اللجنة الدستورية هي انعكاسٌ للإفلاس الدولي والإقليمي والمحلي وأنها نوعٌ من السراب السياسي.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني