fbpx

الكورونا إذ تصنع قواميس السوريين

0 1٬336

يبدو أن الحجر الذي فرضه فايروس كورونا على السوريين، كما هي الحال مع بقية شعوب العالم بالطبع، حمل بعض الإيجابيات التي لم تكن في الحسبان قبل انتشار هذا الداء وما حمله من مخاوف وصدمات. ويبدو أيضاً أن عبارة “العالم قبل كورونا ليس كما بعده” بدأت تتضح معانيها يوماً بعد يوم.

تلك العبارة ذات منحى اقتصادي وسياسي في العموم، إلا أن السوريين أرادوها أن تأخذ منحى آخر مختلفاً تماماً عن بقية الشعوب، فجعلوها ذات منحى لغوي يدخل ضمن جانب دراسة “اللهجات السورية المقارنة” إن صحّ التعبير من خلال صفحات (القواميس) والمصطلحات الشعبية المستخدمة داخل كلّ متّحد اجتماعي من بين المتّحدات الموزّعة داخل حدود المحافظات السورية المعروفة.

بدأت القصة مع انطلاقة صفحة “كلمات إدلبية قديمة” لتتبعها بقية الصفحات (قاموس الحماصني – قاموس الشوايا – قاموس الشوام – قاموس الساحل – قاموس حوران – قاموس بني معروف – قاموس البدو..)

تلك الصفحات، وبرغم الصبغة المناطقية أو الإثنية لأسمائها، تمكنت من تحقيق ما لم تحققه مختلف مؤسسات ومنظمات واتحادات ورابطات المعارضة خلال سنوات الثورة السورية.

حيث جمعت كل واحدة منهن أسماء لآلاف المشتركين من مختلف المحافظات السورية الأخرى، وراحوا يتبادلون المنشورات والتعليقات الدائرة حول أصول ومعاني الكلمات والمصطلحات المستخدمة في اللهجات المحلية المحكية داخل المدن والبلدات والقرى السورية الممتدة من الحدود العراقية شرقاً وصولاً إلى ساحل جبلة غرباً ومن الحدود التركية شمالاً وصولاً إلى درعا والسويداء جنوباً.

الطريف في الأمر كان اكتشاف العديد من الكلمات المشتركة بين السوريين لم يكونوا قد فهموا معانيها في السابق، ليفاجؤوا بعد إنشاء الصفحات أنها ذات الكلمات، وما اختلافها سوى في آلية نطق الحروف بين منطقة وأخرى. وغالباً ما كان ذلك الاكتشاف مثيراً للمتعة والضحك في معظم الأحيان.

وكما هو معروف، لا تخلو تلك التجربة من محاولات لبعض المتعصبين والمتصيدين لاستغلالها في بثّ رواسبهم التعصّبية التي خلّفتها التربية البعثية على مدى أكثر من خمسين عاماً ويزيد.

إلا أن حجم التقارب الذي صنعته صفحات القواميس السورية شكّل سابقة في تاريخ الثورة لم يتخطّ حاجز اللغة واللهجات فحسب بل تخطى الحواجز التاريخية والجغرافية، والنفسية أيضاً. ولعل انتشار السوريين في دول المَهجر قد ساهم في سرعة تقبّل الآخرين والاستجابة للمشاركة في صفحاتهم والمبادرة بإرسال الطلبات إلى أبناء المحافظات الأخرى يدعونهم للانضمام إلى الصفحات الخاصة بمدنهم.

ويلفت الانتباه منشورات وتعليقات المديح من قبل الضيوف، بلهجات ومصطلحات أبناء الصفحات المضيفة. كأن تقرأ لأحدهم منشوراً يقول فيه “دخيل رب الحماصني ما أحلاهن” أو عبارة لإحداهن تقول فيها “لهجة الديريين أحلى لهجة بالعالم، وخاصة لما يقولوا شكون يا الله!”.

وحتى الخلافات التي تحصل بين الفينة والأخرى حول أصل كلمة ما ونسبها إلى مدينة قبل أخرى أو صحة معناها عند مكوّن دون الآخر، تتميز بالعفوية والشفافية وغالباً ما تنتهي بنكات وضحكات افتراضية، ونادراً ما تصل لصدامات وعداءات كتلك التي انتشرت بين السوريين خلال حواراتهم وجدالاتهم السياسية والعرقية والعشائرية التي غالباً ما تنتهي باتهامات تخوينية إقصائية.

فهل تتمكن الكورونا من تحقيق ما فشلت به مؤسسات ومنظمات المعارضة السورية الواقعية، وتخلق حالة جديدة من المواطنة التي يسعى إليها السوريون عبر تلك الصفحات الافتراضية؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني