الضمير الإنساني

وصف العلماء الضمير، بأنه أداة ذاتية لتقييم السلوك الصادر عن الفرد، فإما أن ينال الرضى أو الاستهجان الذاتي للنفس عن سلوك ما، أو التراخي في التقييم، فنقول إن ضمير فلان في إجازة وهذه كناية على نبذ السلوك الصادر عن متراخي الضمير، بينما نصف صاحب الأفعال الإنسانية بأنه يملك ضميراً ووجداناً.

هذا الوجدان ينمو ويترعرع حسب البيئة والظروف التي تحيط به، فيختلف من زمان لآخر، ومن جغرافيا لأخرى، لكنه بالمجمل يكون قاسماً مشتركاً بين معظم البشر، وعلى امتداد المجتمع الإنساني، وهو آخذ بالامتداد والاتساع عبر محطات تاريخه للبشرية، كوّن منها قاعدة للانطلاق لتكوين ما يسمى الضمير الإنساني.

تركت الحروب بصماتها المؤلمة على البشرية فكانت هذه الآلام دافعاً لتقييم السلوك الجمعي للبشر للحد من شروره، وتقييد حركاته بموجب قواعد يلتزم بها، وعند مخالفتها يتعرض للمساءلة الأخلاقية والقانونية العالمية. 

من هذا المبدأ كُرست قواعد حقوق الإنسان، فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم الاتفاقيات الدولية، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي العام، والعرف العالمي لحقوق الإنسان.

وكان لابد لهذه القوانين من آليات تضمن الالتزام بها من قبل الدول والأفراد، فنشأت محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. وتطور الأمر وأصبح أكثر رقياً وإنسانية وصولاً إلى الولاية القضائية العالمية.

هذا التطور الجمعي للضمير الإنساني جعل العديد من الدول الديمقراطية تتبنى في دساتيرها مبادئ حقوق الإنسان، وفي نهجها وسلوكها الداخلي مع شعبها وفي سلوكها الخارجي مع الدول والأفراد الآخرين.

القاعدة الأساسية لديها أن الإنسان هو الغاية، وكرامته وحقوقه مصانة ومقدسة لمجرد كونه إنساناً، بغض النظر عن أي صفة يحملها، أو ميزة يتمتع بها فقط، وفقط كونه إنساناً، وبالمقابل نجد هدراً لكرامة الإنسانية وغياب الضمير وسكوته عن سلوكيات حكومات تجاه شعوبها، تحمل ما تحمل من العدوانية والإجرام، لا يقوى الأعداء على فعله وسلوكه مع أعدائهم، فأين الضمير الإنساني من تلك الحكومات. هذه آلام الشعب السوري. ألم يحن أوان إعتاقه من تلك الآلام في ظل خطاب إنساني متنام يدعو للمواطنة العالمية.

نعم نحن مواطنون أمام جميع قوانين ومعاهدات العالم الداعية لاحترام حقوق الإنسان، يستتبع ذلك تحريك الادعاء أمام المحاكم العالمية للمطالبة بإنصافنا ونيل استحقاقاتنا من جلادينا. عبر إنزال العقاب الملائم بهم، لما ألحقوا بنا من فظائع وأذية وما ارتكبوا بحق الإنسانية من جرائم. 

حقوقنا الإنسانية التي تستند على الضمير الإنساني الجمعي، هي بداية عهد جديد للمجتمع الإنساني، لنكن صوتاً واحداً بوجه الجلاد، نقلب الطاولة على رأسه.

بالرغم من فقدنا الكثير من قدراتنا بمقارعة جلادينا مازال لدينا الكثير من القوة والإرادة والحق بطلب المساندة والدعم من إخوتنا بالإنسانية، لمساندة قضيتنا، إنها القضية الإنسانية، نجاحها وانتصارنا على المجرمين هو تفوق ونجاح للضمير الإنساني.

أهم قاعدة نستند إليها في المواطنة العالمية، فلولا الضمير الإنساني لم نجد قاعدة قانونية عالمية تعالج المشاكل والجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية دون تمييز، وزاد في التحرك الإنساني عبر هذه القواعد القانونية أن لها أثراً رجعياً ولا تسقط بالتقادم، حتى لا يكون هناك مناص لمرتكبي الجرائم للإفلات من العقاب فلا مفر من ذلك. وإذا عدنا بالزمن إلى جرائم حدثت في التاريخ وصنفت بأنها ضد الإنسانية وتمت محاكمة الدول التي يتبع لها مرتكبو الجرائم، فكان التعويض لورثة الضحايا بعد عقود على ارتكابهم (محرقة اليهود)، ويسعى بعضهم للحصول على أحكام ضد دول أخرى ارتكبت جرائم بحق شعوب احتلتها (إبادة الأرمن)، يسعى الأرمن لتجريم العثمانيين بالمجازر المرتكبة بحقهم.

في هذا السياق تكمن مصلحتنا كسوريين، بالتركيز على المنصات الإعلامية العالمية والاستمرار بطرح قضيتنا، ومطالبة المجتمع الإنساني، وتحريك ضميره لمواجهة مرتكبي الإجرام بحق الشعب السوري، وانتزاع حقوقنا، ونبذ كل ما يعيق توحدنا، وشحذ الضمائر الوطنية، فليس من المعقول أن نطالب الأسرة الإنسانية بالتضامن والوقوف معنا ونحن متناحرون لا نفكر إلا بالأنا والفردية. مع العلم التام بالضمير الثائر لدى قسم لا يستهان به من السوريين قادر على قلب الطاولة على رؤوس جلاديه.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”