الصراع مع النظام في غير منطقة.. نهاياته السياسية إلى أين؟
لا تبدو نهايات الصراع في سوريا قريبة من خواتيمها، فالنظام السوري، ومعه حلفاؤه الميليشيات الإيرانية، والقوات المدعومة من موسكو، يعملون على أهداف عسكرية، يريدون من نتائجها، تمرير الحل السياسي المناسب لهم في معادلات الصراع الجارية في سوريا.
نفس الأمر تقوم به (قوات سوريا الديمقراطية) المدعومة من الأمريكيين، فهي تعمل على ترسيخ سلطتها على كل مناطق شرق الفرات، من أجل تنفيذ مشروعها فيما تسميه (الإدارة الذاتية)، الذي لا تخفى أهدافه، بأن يكون حجر الأساس، لمشروع الدولة الكردية لاحقاً.
أما قوات الجيش الوطني، التابع لسلطة الحكومة المؤقتة، الحليفة لتركيا، فهي الأخرى، تعمل من أجل الحفاظ على مناطق شمال سوريا، وشمال غربها (محافظة إدلب)، بما فيها مناطق تمّ طرد قسد منها في رأس العين وتل أبيض، من أجل تحقيق انتقال سياسي في سوريا، وفق القرارات الدولية.
هذا الوضع لم يستقر بعد، وعدم الاستقرار مردّه عدم وجود مربعات تفاهم، بين القوى المنخرطة بالصراع في سوريا، وهي (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، تركيا، إيران)، ما يعني أن تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصراع السوري وهي (بيان جنيف1، القرار 2118، والقرار 2254)، سيبقى مرهوناً بالتفاهمات الدولية، والتي لا مؤشرات حقيقة على العمل بها حتى الآن.
عدم وجود مربعات التفاهم بين القوى المذكورة، سمح لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بأن تذهب بمشروعها الذي تسميه الإدارة الذاتية إلى نهاياته المتوقعة، فهذه القوات، لا تريد شريكاً آخر (النظام السوري) لأهدافها السياسية، بل تعتبر النظام السوري، على الأقل خصماً لدوداً، وذلك من أجل ترسيخ قدرتها في السيطرة على كامل هذه المنطقة، (الجزيرة والفرات)، أو ما اصطلح عليه باسم مناطق (شرق الفرات).
قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومن خلفها حزب PYD ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا، يدركان حجم مخاطر الانفراد بمشروع سياسي، في هذه المنطقة المجاورة للدولة التركية، ولهذا فسياسة هذا الحزب تقوم وفق منظور شمولي، يتمثل من جهة بإجبار كل القوى السياسية الكردية وغير الكردية في هذه المنطقة، على قبول فهم هذا الحزب، بترسيخ ما يطلق عليه تسمية (الإدارة الذاتية).
وما يريد تحقيقه من جهة ثانية، ليس بإمكاناته الذاتية العسكرية والسياسية، بل بتوظيف دوره في السياسة الأمريكية، لتحقيق هذا الهدف، الذي يبدو أنه لا يزال قيد صراع داخلي في الإدارة الأمريكية.
ما تفكر به قسد حيال منطقتي الجزيرة والفرات، ربما يكون مدخلاً دولياً لترسيخ حلٍ مؤقت في ظل صراع مستمر، هذا الصراع ستبقى بواباته مفتوحة، بين قسد والجيش الوطني في شمال حلب ومناطق نبع السلام، وبين قسد والنظام في المربعين الأمنيين، سيما أن تحقيق (إدارة ذاتية)، كما يريده حزب PYD لا يمكن تحقيقه بصورته المطلوبة، مادام النظام السوري يمتلك قوى فعالة، ولو بشكل محدود، في هذه المناطق.
نفس الأمر ينطبق بصورة ما على وضع نفوذ الجيش الوطني، في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، فهذه المناطق، إضافة لإدلب، لا استقرار فيها، نتيجة تداخلات جغرافية أمنية، بين مناطقها من جهة، ومناطق النظام السوري وقسد من جهة أخرى، ولهذا وكي تسير الأمور نحو الاستقرار سياسياً واقتصادياً، لابدّ من التوصل إلى وضعٍ، تتوقف فيه الأعمال العدوانية على هذه المناطق، من جهتي النظام وقسد، وهذا يحتاج إلى طرد هذه الجيوب الأمنية من أماكنها، والسيطرة عليها، ومنع أي اعتداء على أي منطقة من مناطقها.
طرد النظام من خطوط التماس مع الجيش الوطني في الشمال السوري، يحتاج بالضرورة إلى طرده من مناطق غرب الفرات كلها، أي جعل كل المناطق الواقعة غرب نهر الفرات مناطق تابعة للجيش الوطني، وهذا يعني تصفية وجود الميليشيات الشيعية، المناصرة للنظام وإيران، من كامل المنطقة الشرقية، وهو عمل تقوم به قوات تابعة لتنظيم داعش في منطقة البادية السورية الهابطة باتجاه وادي الفرات من ضفته اليمنى.
قوات داعش المعلن عنها عبر بياناتها، هي قوات تعمل وفق توجه واضح الأهداف، وهذه الأهداف صريحة وملموسة، تتمثل بطرد كل قوات النظام السوري، وكل قوات تتبع لإيران وميليشياتها، وهذا يعني، تجزئة النفوذ الإيراني وإغلاق تنقلاته عبر الحدود السورية والعراقية، وهذا هدف أمريكي معلن، للإجهاز على النفوذ الإيراني لاحقاً، وربما إفراغ السجون في محافظة الحسكة تدريجياً من (أسرى داعش)، يذهب باتجاه أن يتم استخدامهم من جديد، في منطقة البادية، التي تشهد توسعاً في عمليات داعش.
إن خطوة طرد النظام من مناطق محافظة الحسكة، يلتقي بصورة جزئية مرحلياً، مع مشروع قسد (الإدارة الذاتية)، ولكنه لا يصبّ في النهاية في مصلحة مشروعها، إذ يتم عبر هذا المشروع بجزئيه استنزاف طاقات كل حلف النظام عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ونفسياً.
ففي منطقتي القامشلي والحسكة، سيتم طرد النظام من هاتين المنطقتين، لتنفيذ مشروع إداري مؤقتاً، (الإدارة الذاتية التي قد يتم تعديلها ما بين الجزيرة وشرقي دير الزور) بمساعدة يتوقع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) أن تأتيه من الأمريكيين، سيما وأن إدارة بايدن عيّنت حليفهم الأمريكي بريت ماكغورك كمسؤول عن هذا الملف، في مجلس الأمن القومي الأمريكي.
وفي منطقة البادية السورية ثمة هدف أمريكي واضح، هذا الهدف يتعلق باستخدام أمثل (لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) الذي تتم تسميته اختصاراً بتنظيم داعش. هذا الاستخدام بدأ منذ حين، إذ تتم بموجبه عملية استنزاف لقوات الميليشيات الشيعية بشتى أسمائها وتبعياتها، فلا يمر أسبوع من غير أن تبتلع رمال البادية السورية قوات لهذه الميليشيات أو قوات للنظام وللروس.
هذا الأمر يتم في الجنوب السوري، في القنيطرة ودرعا والسويداء، فالنظام لا يستطيع حكم هذا المناطق هو وميليشياته، وكذلك تعجز عن فعل الأمر القوات التابعة لإيران، وهذا معناه، أن نزيف النظام مستمر، ما دام لا يرغب هو وحلفه الروسي/الإيراني على التسليم بضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع السوري.
بقي أن نقول: إن مشاركة النظام في مفاوضات اللجنة الدستورية، هي مشاركة لكسب الوقت لا أكثر، فهذا النظام لن يستجيب لقرارات الأمم المتحدة ما دامت التفاهمات الروسية/الأمريكية الإقليمية غائبة عن مربعها، وهو أمرٌ يفسّر استنزافاً جدياً على المستويات العسكرية والاقتصادية للنظام وحلفه الروسي/الإيراني.
فهل يدرك الروس قبل فوات الأوان أنهم في طور استنزاف أمريكي، أم سيكررون تجربتهم الأفغانية في سوريا.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”