fbpx

السوريون بين خيمة حوران واستديو الحجر الأسود

0 240

الفن رسالة، والرسالة قيمة أخلاقية إنسانية، وظيفة الفن نقل تلك الرسالة فهو سفير الشعوب وصوت المكتومين ومنبر من لا منبر له وبالتالي يؤدي وظيفته بالتأثير في بنية المجتمع للوصول به إلى أعلى مراتب الحضارة والإنسانية.

وبناءً على تلك الوظيفة والرسالة السامية التي يحملها الفن نبحث عن إجابة لسؤال طُرٍح مؤخراً بإلحاح.

ماهي الرسالة التي حملها فيلم (خيمة 56) وأي هدف أراد الوصول إليه؟

خيمة 56 الفيلم القصير والمقتصر على معالجة فكرة واحدة فقط، حيث يتناول الفيلم مجموعة من الأزواج الفاقدين لأي هاجس في الحياة ما عدا هاجس الحصول على خيمة توفر لهم شيئاً من الهدوء ليقضي بها هؤلاء الأزواج لقاءاتهم بهناء في مخيم فقدوا فيه هامش الخصوصية.

لا نجانب الصواب إن اعترفنا بأهمية طرح هذه الفكرة ومعالجتها، فكرة فقدان الخصوصية بالعموم ولكن يمكن طرحها بطريقة أكثر مهنية وأكثر إنسانية من طرحها بطريقة مبتذلة وحوار هش محدود بألفاظ سوقية مستخدمين اللهجة الحورانية مع أغنية فلكلورية تعود لنفس المنطقة، أي تم تحديد وإلصاق تلك الشريحة وربطها بمنطقة حوران ذات الرمزية الثورية بالنسبة للسوريين.

هذا هو الموضوع الذي يعالجه الفيلم وفكرته ومحتواه بطريقة مبتذلة تقلص مساحة الإنسانية لدى تلك الفئة لتجعلها منقادة لغريزتها في وسط وزمن هي أحوج ما تكون فيه لاستخدام العقل والتدبر والتفكير بما يحمله لها المجهول، لتكون تلك الشخصيات التي من المفترض أنها انعكاس للواقع أداة من أدوات الفيلم الذي كُرس لمعالجة قضية لابد أن لها حيزاً مع جملة قضايا ومشاكل أخرى تلامس الحياة اليومية لقاطني المخيمات، لكن تناولها بتفرد وبطريقة ساخرة أقرب ما تكون إلى الإهانة المقصودة أظهرت النوايا الحقيقية لصناع الفلم بتشويه صورة أهل حوران وتحجيم آدميتهم بطريقة فظة تكشف عن مكنونات القائمين على الفيلم وأهدافهم الخفية وبالتالي لن تنفع معها تبريراتهم وخاصةً أن التصوير تم داخل المخيم دون علم قاطنيه عن طبيعة العمل لمعرفتهم المسبقة أن فكرته مرفوضة ومستهجنة.

  • وقبل موجة الغضب التي أثارها عرض الفيلم كانت أخبار تصوير فيلم النجم الصيني جاكي شان قد استحوذت على اهتمام الشارع السوري ليس لمكانة جاكي شان ونجوميته وإنما لمكانة موقع التصوير ونجوميته، الموقع الذي اختاره الفنان الخائن لرسالته وهو منطقة الحجر الأسود التي حولتها براميل بشار الأسد لركام.

هل يعلم جاكي شان أن الحجر الأسود هو حي فقير مهمش نشأ أطفاله على أفلام البطل الصيني (صيني الجودة) حولوا ساحات وشوارع الحي إلى ميادين تدربوا فيها على أداء حركات نجمهم الأسطورة الذي يسعى بأفلامه لإحقاق الحق ونصرة الضعيف، هؤلاء الأطفال الذين شبوا ونشدوا الحرية ليتوزعوا بين لاجئين ونازحين في المخيمات ومعتقلين ومغيبين والكثير منهم تحول لأشلاء استقرت تحت ركام أستديو جاكي شان أو في حفرة أخرى شبيهة بحفرة للتضامن.

بما أن الفيلم صيني فلابد أن إنتاجه اعتمد التكلفة المنخفضة فكانت أحياء سوريا التي دمرها بشار وأعاد استثمار ركامها السبيل الذي يؤمن احتياجهم لأستوديوهات رخيصة مخيفة توحي بالخراب والوحشية التي تتطلبها قصة الفيلم لكنهم غفلوا عن التكلفة الحقيقية لمواقع التصوير تلك.

فقد كلفت حسب الفاتورة السورية نصف الشعب السوري بين لاجئ ونازح ومعتقل ومختفي وعاجز ويتيم، كلفت دماء وأشلاء وأحلام قد دفنت تحت ركام أستوديوهات بشار الأسد المستثمرة.

أخيراً رسالة موجهة إلى صناع كلا الفيلمين..

أفرزت الحرب التي شنها النظام على شعبه إثر الثورة السورية بيئة خصبة للإبداع والإنتاج السينمائي ولعل أبرز إنتاجاتها دولة مدمرة تستخدمون أحياءها كمواقع تصوير لا تحاكي الواقع فحسب بل واقعية لدرجة قد تعجز أكبر الأستوديوهات العالمية عن المجيء بمستوى دمارها.

وإن تجولتم في المناطق التي يسيطر عليها النظام ويدير شؤونها، تطالعكم بيئة اجتماعية منهارة أنهكها الجوع والفقر والحرمان، تفتقد لأدنى مقومات العيش الكريم تسير بخطى وئيدة نحو البدائية بانعدام شبه كامل للطاقة وانتشار للفوضى وغياب للقانون.

والكثير الكثير من ويلات حرب النظام على شعبه.

لكن يبقى الإنتاج الأبرز، رئيس قتل شعبه بالبراميل المتفجرة التي تعود له براءة اختراعها وتجاوزها إلى الكيماوي.

تجاوز الكيماوي فأجر وباع ما تبقى من بلده.

تجاوز البيع والايجار وجلب المحتلين الروسي والإيراني.

فلتنسج مخيلتكم أفلاماّ عنه لتتجاوزوا هوليود إبداعاً ونجاحاً..

إلى صناع الخيمة 56 لقد أجدتم وأبدعتم باختيار المخيم لتصوير فيلمكم، لكن سيكون الإبداع حقيقياً وذو مصداقية وإنسانية لو تطرقتم لمشاكل المخيم عامة، الصحية منها والتعليمية والتربوية الاجتماعية مع إدراج القضية المطروحة.

وإلى صناع فيلم جاكي شان، اذهبوا حيث ذهب فريق الخيمة 56 إلى المخيمات ولكن اذهبوا بإنسانية ومهنية وابحثوا فيها ستجدون وفرة وخصوبة في المواضيع لتصنعوا منها أفلاماً، ستجدون النجاحات التي حققها سكان المخيمات الذين حول خيامهم لمدارس تفتقر لأدنى المقومات المادية مع مدرسين متطوعين أبطال جابهوا الشح والفقر لينشؤوا جيلاً متعلماً.

ستجدون النساء العاملات والرجال المكافحين والأطفال الموهوبين المتفوقين.

وان ابتعدتم إلى ما وراء الحدود في بلدان اللجوء ستجدون السوريين المبدعين المتقنين للغات الدول المضيفة المتفوقين في العلوم والفنون والتجارة والصناعة.

ستجدون مايا غزال التي كتبت عنها مجلة (فوغ) وأشادت بها الأمم المتحدة كأول لاجئة تقود طائرة.

ستجدون عمر الشغري، وأحمد كنجو وغيرهم الكثيرين ممن تحدوا القهر واللجوء والعنصرية ليكونوا صوت الحق والحقيقة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني