fbpx

السلطة القضائية

0 329

تدرجت السلطة القضائية في سورية على مراحل من مهد الحضارات والقوانين ما قبل التاريخ، حمورابي ملك سومر الذي مازالت قوانينه مصدر إعجاب وتفاخر بين الشعوب، ميزت حكمه بالعدل بين الناس.

تتالت مراحل على شعوب المنطقة اتسمت بالحكمة والعدل كما هو الحال بعد الإسلام بعهد الخلفاء الراشدين كالخليفة عمربن الخطاب (رضي) الملقب (بالعادل) والخليفة علي ابن أبي طالب (رضي) الذي يحكى عنه عند توليه الخلافة (اشتكى الخليفة علي ابن أبي طالب على جاره غير المسلم بأن سرق له شيء يخص حصانه، فطلب القاضي من الخليفة علي أن يقدم دليل وبينة على ادعائه، فأجاب بعدم امتلاكه الدليل، فما كان من القاضي إلا أن حكم للمتهم بالبراءة ورد دعوى الخليفة عندها – على ذمة الراوي – صرخ المتهم إن هذا عدل السماء وأسلم) أوردت تلك القصة للدلالة على استقلالية القضاء في ذلك الزمن ينتج عنه أحكام عادلة لا تتضمن التمييز والمحاباة، فالعدالة تقتضي الحيادية ولا يمكن أن تكون هنالك حيادية للقضاء في ظل عدم استقلاليته.

هل لدينا قضاء مستقل؟

سؤال يوجع كل قانوني بالتحديد باعتباره دارس ومتفهم ومقدر للقانون ولمعنى الاستقلالية ولكن بالحقيقة يوجع ويؤلم الجميع.

من أين تبدأ الاستقلالية: الأمر لا يحتاج اكتشافاً وتحرياً وبحثاً يكفي الاطلاع على قانون السلطة القضائية في سوريا ومقارنته بالواقع المخالف لقوانين السلطة القضائية والتي تحرم على القاضي ممارسة السياسة، فكثيراً ما يندب القضاة لتولي منصب – رئيس لفرع لحزب البعث –

أما الأخطر على السلطة القضائية (الدستور) الذي يقيدها ويخضعها للسلطة التنفيذية بالرغم من إيراد فصل كامل في الدستور عن سيادة القانون مادة /50/ 2012 (سيادة القانون أساس الحكم في الدولة) ونصت المادة /132/ (السلطة القضائية مستقلة، ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال، ويعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى) الضمانة الحقيقة بالقضاء نفسه وبمجلسه وهيئاته دون معقب عليه إلا من الشعب فهو الرقيب على أعمال جميع السلطات بوجود حرية إعلام وصحافة تتمتعان بالشفافية والمصداقية.

القيود الواردة والمقيدة للسلطة القضائية واستقلالية القضاء السوري ما نصت عليه المادة /133/ من الدستور (يرأس مجلس القضاء الأعلى رئيس الجمهورية، ويبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه) وإمعاناً في تبعية القضاء للسلطة التنفيذية فيمثل الرئيس بالمجلس وزير العدل الذي يتولى رئاسة الجلسات.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد بالتبعية للسلطة التنفيذية حيث لا يفسح مجال لأي جهة أو هيئة قضائية دون تبعيتها هذا يرد على المحكمة الدستورية العليا التي عرفها الدستور بالمادة /140/ (المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة مقرها مدينة دمشق) تلي هذه المادة المادة /141/ (تؤلف المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء على الأقل يكون أحدهم رئيساً يسميهم رئيس الجمهورية بمرسوم) فأين هو الاستقلال إذا كان جل عمل المحكمة ينطوي على محاسبة ومراقبة السلطة التنفيذية والتشريعية فمن اختصاص المحكمة الدستورية العليا مادة /146/ فقرة /1/

(الرقابة على دستورية القوانين والمراسيم التشريعية واللوائح والأنظمة) 

والفقرة /5/ من نفس المادة 

(أيضا محاكمة رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى)

مع عدم تعريف واضح وجلي لمعنى الخيانة العظمى، وهذا يأخذ أبعاداً أخرى، فمن يستطيع الادعاء على رئيس السلطة التنفيذية بالخيانة وكيف ومتى تعتبر أعماله أو تتصف بالخيانة، لا يستقيم الأمر بالعمل القضائي ضمن هذه المعطيات والواقعية المحبطة فإذا كانت تسمية القضاة من عمل رئيس الجمهورية كيف لهم أن يحاكموه فهو من يختارهم، ما يعني شخصيات لا تتمتع بالكفاءة والمقدرة والشجاعة للعمل والمبادرة فيه فيقع الاختيار على من يحقق المصلحة الشخصية لاستدامة السيطرة والاستبداد.

إن استقلالية القضاء هي المعيار لتقييم الدول ومدى تقدمها وتطورها وتماسكها في مواجهة أعتى الكوارث والمقولة الشهيرة لرئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية عندما سأل عن حال بلاه فقال: (كيف حال القضاء أجابوه بخير وكيف حال التعليم أجابوا بخير أيضاً عندها قال: لا خوف على بريطانية.)

هذا القول يردده معظم الحقوقيون في اجتماعاتهم ويتباهون به وكأنهم غرباء عن واقع القضاء السوري.

معظم مؤسسات وقطاعات الدولة ينخرها الفساد والقضاء أحدها وأهمها وأخطرها، حتى إنها لا تشبه المؤسسات، هي عبارة عن تجمعات لأصحاب النفوذ تسير وتستغل إدارات الدولة لمصالحها حتى أصبحت عبارة عن مافيا تدير الدولة لمصلحتها وهذا ما أدى إلى فقدان الناس ثقتهم بالقضاء كمؤسسة داعمة لحقوقهم وحمايتهم من تعسف وظلم الإدارة أو الأشخاص.

تبعية القضاء للسلطة التنفيذية والسياسية وجعله أداة بيدها فلا يخرج عنها ويستجيب لقرارتها بدل تصحيحها وإلغاء ما هو مخالف ومحاسبة المخالفين للقانون بل على العكس، لعب القضاء دوراً سلبياً، شكلت قوة ضاغطة وقيداً على الشعب في مطالبته بالحرية والعدالة وحكماً ظالماً للمواطنين.

لم تخلو أقبية المحاكم العسكرية والإرهاب من شتى أنواع الأحكام التعسفية الظالمة والإجراءات القسرية المخالفة للقانون.

اختيار القضاة مرهون بالجهات الأمنية المهيمنة على القضاء، الضامنة بعدم الخروج عن طاعتها للزيادة في إحكام قبضتها على البلاد فتخنق أي نفس معارض لها حتى وصلنا الى هذه الحالة من الانهيار لما يسمى مؤسسات الدولة وتشتت العباد في أصقاع الأرض فلو كان هناك مؤسسة قضائية تعمل تحت سيادة القانون لم تسمح بالتضحية بالشعب لأجل سلطة مستبدة عمياء البصيرة فاقدة الإحساس بالوطن والمواطن هدفها السلطة والسلطة فقط على حساب الدولة والشعب.

لابد من إصلاح القضاء بإعادة بناء الجسد القضائي المستقل العادل ولن يحدث ذلك بمعزل عن إعادة بناء دولة القانون والمؤسسات بفصل السلطات وسيادة القانون.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني