fbpx

الزعيم المؤمِن

0 450

أصلُ الحِكاية: يروى أنه أثناء الحروب التاريخية بين الروم والمسلمين، كان يتم تبادل الأسرى بينهم على جسر “لامس” الذي يقع حاليا في ولاية أدي يمان التركية فيصيح المسلمون “الله أكبر”، ويجيب الروم “كيرياليسون” أي “يا رب ارحم”.

وبعد سنة من غزوه سورية وفي عام 2016 قام الرئيس الروسي بوتين بزيارة إلى اليونان والجبل المقدس آثوس، حيث سمح له رهبان الجبل المقدس بالجلوس على عرش القديس قسطنطين الكبير البيزنطي اعتقاداً منهم بأنه “الزعيم الأرثوذكسي المُختار”.

وكي يُثبت هذا الزعيم المؤمِن نفسه أوعز إلى مرتزقته من عصابات فاغنر والميليشيات الطائفية التي ترفع راية نسور الروم في كل من مدينتي “محردة والسقيلبية” في ريف حماه ببناء كنيستين “أرثوذوكسيتين” في كل منهما وفي عام 2020 تم تدشين كنيسة “الأربعين شهيد” في محردة نسبةً لهلْكى المرتزقة الروس والميليشيات الطائفية فيها على عقار تعود ملكيته لمسلمين في قرية “أبي عبيدة بن الجراح” والتي تضم مقامه ومقام الخضر على مقربة من قلعة شيزر الاثرية، وبعد غدٍ سيتم تدشين كنيسة “آيا صوفيا” في السقيلبية وقد تم اختيار التوقيت ليصادف نفس اليوم الذي قررت فيه تركيا فتح مسجد آيا صوفيا للصلاة بعد عشرات السنين من إغلاقه، للتذكير بثاراتهم وتكريس النعرة الطائفية وإثارة الأحقاد التاريخية وبعثها من جديد بعد مئات السنين.

ومن محاسن الصُدف أن تزامنت هذه الاستعدادات مع صدور قائمة عقوبات من الإتحاد الأوروبي أول أمس على أشخاص وكيانات سورية لقيامها بتجنيد المرتزقة للقتال في أوكرانيا إلى جانب القوات الروسية وتضمنت هذه القائمة أسماء أعتى المجرمين الطائفيين في سورية وهم “نابل العبدالله” قائد مرتزقة القوات السهلية في السقيلبية، وسيمون الوكيل قائد مرتزقة القوات السهلية في محردة، وكل من “فواز ميخائيل جرجس ويسار حسين إبراهيم” المدراء التنفيذيين لشركة الصياد لتجنيد المرتزقة ومركزها الرئيسي في السقيلبية والتي يدريها “عهد الوكيل” وجميع هؤلاء من مدينتي السقيلبية ومحرده، والعميد صالح العبد الله الذي كان يُلقبه مسيحيو هاتين المدينتين بـ “النبي الصالح” لقيامه بتدمير القرى السُنية المجاورة وتهجير أهلها.

ومن مخازي النظامين الروسي والسوري قيامهما باستهداف قرية الجديدة في جسر الشغور وهي إحدى القرى الأربع “اليعقوبية والقنية والغسانية” التي يدين أهلها بالمسيحية والتي تحتضن عدداً من النازحين والمهجرين من القرى المجاورة حيث يتعايشون بسلام مع بعضهم، ما أدى إلى ارتقاء سبعة شهداء من بينهم خمسة أطفال وعدد من الجرحى، في محاولة منهما لدق إسفين الطائفية بين أهالي تلك القرى وبين جيرانهم من المسلمين وعقاباً لهم على تمسكهم بأرضهم وعلاقاتهم الطيبة مع جوارهم.

الأمر الذي يُثبت أن شعار حماية الأقليات الذي رفعه النظام الطائفي في سورية كان من أقذر الشعارات التي كرست الحالة الطائفية المقيتة التي ابتدعها لضرب وحدة المجتمع السوري، هذا الشعار الذي وضع الأقليات في سورية في مواجهة الأكثرية العربية السُنية في صراع لا أساس له إلا في عقول الطغمة المستبدة وجوقة الانتهازيين وأصحاب المصالح الذين اتحدوا معه في التجييش الطائفي وتجنيد أبناء الطوائف في ميليشيات شبه عسكرية هي اقرب للمرتزقة يتم تمويلها من رجال الأعمال من أبناء تلك الطوائف وبرعاية مرجعياتها الدينية والطائفية، وقد نجح هؤلاء في تفكيك عُرى الوحدة الوطنية ودق الأسافين الطائفية والمذهبية بين أطياف هذا الشعب.

ولكون الطائفة المسيحية في الشرق تحظى باهتمام العالم الغربي ودعمها وحمايته، فقد لعب النظام على هذا الوتر ونجح بإقناع الغرب بأنه حامي المسيحية والمسيحيين في الشرق عبر حملات العلاقات العامة التي قام بها زعماء ومرجعيات هذه الطائفة التي جالت على عواصم القرار في العالم ومن ضمنها واشنطن وباريس وموسكو ونجحت بتوفير علاقة متوازنة مع المعسكر الغربي الذي يفترض أنه ضد النظام السوري، ومع النظام الروسي الذي تورط بالدم السوري وغرق فيه حتى أذنيه، حيث قام بتشكيل ميليشيات “مسيحية” ودعمها بالمال والسلاح ومكنها من ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بحق الأكثرية السُنية بذريعة حماية الوجود المسيحي في الشرق، على غِرار النظام الإيراني الذي زعم بأن تدخله بذريعة حماية المراقد والمقدسات الشيعية في سورية، وفي نفس الوقت ورغم علم المعسكر الغربي فقد سمح للمنظمات المسيحية بتقديم الدعم المالي واللوجستي لهذه الميليشيات عبر منظمات أطلقت شعارات منبثقة عن شعار النظام السوري “حماية ونجدة مسيحي الشرق “وغيرها من الشعارات.

تقود الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية في موسكو وتدير مجموعة من المنظمات “الإنسانية” يتم تمرير الدعم المالي واللوجستي للميليشيات الطائفية وأشهر هذه المنظمات “منظمة نجدة مسيحيي الشرق” الفرنسية، واتحاد الكنائس العالمي في موسكو، ونجحت في مسعاها من خلال ربط الصراع في سورية بالصراع التاريخي بين الكنيسة الأرثوذوكسية وبين تركيا على خلفية فتح القسطنطينية، وإقناع الرعايا والأتباع أن الميليشيات المسيحية هم نسور الروم وحُماة الأرثوذوكسية في الشرق، ونجح النظام السوري بربطها بالأمانة السورية للتنمية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل برعاية وإدارة “أسماء أسد”.

كما أنه وبعد عشر سنوات من استخدام المسيحيين في حربه القذرة ضد الشعب السوري قرر النظام الاستغناء عن خدمات هؤلاء وتكرم عليهم بتسريح عدداً منهم من الخدمة العسكرية ليستبدلهم بمجندين جدد أكثر حيوية ونشاطاً، ولم يكتفِ بذلك فقد وظفهم مباشرة في مؤسسات ووزارات الدولة دون التقيد بقوانين الإدارة العامة أو معايير وشروط التوظيف، دون أن يقوم بإعادة تأهيلهم بعد عشر سنوات من الاجرام “القتل والاغتصاب والنهب والسلب..”.

وزاد في عطائه بأن يسر لهم الحصول على جوازات السفر وبأسعار مغرية ليس حباً فيهم وإنما بهدف استثمارهم في رفد خزينته من أموال البدل النقدي ورسوم الدخول للبلاد ومغادرتها، وعائدات التحويلات المالية التي يقدمها هؤلاء إلى أهاليهم من دول الاغتراب، وقد لاحظنا ورصدنا في الأشهر القليلة الماضية قيام النظام بفتح باب الهجرة لهؤلاء على مصراعيه ومنحهم جوازات السفر وتسهيل اعفائهم من الخدمة العسكرية وتأمين وصولهم إلى دول الاغتراب عن طريق الهجرة القانونية حيث رصدنا ووثقنا أكثر من 150 حالة اغلبها من قرية “كفربهم” المجاورة لمدينة حماه والتي لا يتجاوز عدد سكانها 10000 نسمة خلال الشهور الثلاثة الماضية، وهناك أعداد أخرى من مدن وقرى مسيحية أخرى هاجرت بطريقة غير مشروعة، وكانت العينات موزعة ما بين شباب في سن التجنيد، وبعض العائلات، وعدد من الجنود المسرحين الذين أوغلوا في الدم السوري إما من خلال الخدمة العسكرية أو من خلال التحاقهم بالميليشيات الطائفية “الشبيحة”.

وهذا دليل دامغ على كذب وزيف ادعاءات النظام السوري في حمايته للأقليات، كما ينزع الحجة من يد النظام الروسي المجرم الذي أعلن بأن تدخله العسكري في سورية كان لحماية الأقليات، كما يكشف نفاق وتخاذل الدول الغربية المحسوبة على أصدقاء الشعب السوري التي تهاونت وتخاذلت مع المنظمات المسيحية التي قدمت وما زالت تقدم الدعم الكامل للميليشيات المسيحية التي تقاتل جنباً إلى جنب مع عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية ومرتزقة فاغنر الروسية.

كما يثبت بالدليل القاطع بأن الثورة السورية أنقى وأطهر من أن تتلوث بظلمٍ على أساسٍ طائفيٍ أو عرقيٍ أو مذهبي، وأسمى من أن تتخذ من الشعارات الطائفية والمذهبية المقيتة سبيلاً الى تحقيق أهدافها، أو الدفاع عنها، فالغايات النبيلة لا تتحقق بوسائل دنيئة، على عكس ما يقوم به النظام السوري والميليشيات والمرجعيات الطائفية من تجييشٍ طائفي وديني وعِرقي في الداخل والخارج لكسب التعاطف الدولي واستجلاب الدعم المالي “غايات دنيئة ووسائل خسيسة”.

على العالم أن يصحو من غفلته وأن يوقن بأن الخطر الحقيقي الذي يهدد وجود المسيحيين في سورية هو النظام السوري وحلفاؤه النازيون والعنصريون والطائفيون من الروس والإيرانيين. وعلى من يريد انقاذهم فليخرجهم من أتونِ حربٍ ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، وليعمل على إعادة ترميم ما خربه أشقياؤهم ومجرموهم من علاقات مع محيطهم السني، ووقف كل أشكال الدعم عن ميليشياتهم الطائفية ولجم مرجعياتهم الدينية وكف أذاهم عن جيرانهم، فالحروب لابد وأن تضع أوزارها يوماً، وستُرفع موازين العدالة بالقسط والعدل ولكل ظالمٍ نهاية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني