الدواء السوري أزمة تتجدد
أصدرتْ وزارة الاقتصاد في دمشق يوم الثلاثاء 7/4/2020 قراراً يمنع تصدير بعض الزمر المرتبطة بعلاج كورونا… وهذا يضعنا أمام تساؤلٍ كبيرٍ: ما وضع قطاع الأدوية السوري، وتحديداً في ظل تفشي فيروس كورونا عالمياً؟! والأخبار الواردة مؤخراً تُظهر بأن سورية ليست بمنأى عنه.
تعاني السوق السورية منذ اندلاع الحرب، وحتى الآن نقصاً حاداً في الأدوية والمنتجات الصيدلانية، فنوقف العديد من شركات الأدوية عن الإنتاج، وتهدم الكثير من الصيدليات، ومقتل وهروب واعتقال مئات الأطباء والصيادلة خلال سنوات الحرب ساهم في تردي هذا القطاع.
قبل عام 2011 كانت شركات الأدوية التابعة للقطاع للعام (الديماس وتاميكو)، ومعامل الأدوية الخاصة تنتج ما يغطي حاجة السوق بنسبٍ كبيرةٍ، لكن تلك النسب انخفضتْ بسبب النزاع إلى الربع تقريباً.
إن أزمة الإنتاج الدوائي في المعامل التي مازالت تعمل تعد كبيرة؛ فطاقتها الإنتاجية متدنية ولا تخضع للرقابة التصنيعية، وتقتصر فقط على بعض الفحوصات المخبرية التي تقوم بها وزارة الصحة لعينات من الأدوية المطروحة في مناطق النظام، فيما تنعدم الرقابة تماماً في المناطق المحررة. ويستغل أصحاب المعامل انعدام تلك الرقابة، فيتلاعبون في الشروط الصحية للتصنيع؛ ناهيك على أن الصيدليات، ولاسيما في المناطق المحررة معظمها تدار من قبل أشخاصٍ غير مؤهلين علمياً.
أدى إلزام وزارة الصحة منذ بداية الحرب الصيادلة وشركات الأدوية بالبيع وفق التسعيرة الحكومية، إلى التأثير على فاعلية الأدوية المنتجة، وتشجيع احتكار أصحاب المستودعات للعلاج، كما دفع العديد من تلك المعامل الموجودة في مناطق النظام، إما إلى التوقف عن إنتاج الدواء، أو تصريف منتجاتهم في الخارج رغم الحاجة الملحة محلياً.
يعد الشح في أدوية الأمراض الخطيرة (كأمراض السرطان والكلى والقلب….)، بسبب توقف المعمل الوحيد الذي كان ينتج هذه الأدوية سبباً رئيساً – إلى جانب أسباب كثيرة – في خلق ما بات يعرف في سورية بسوق (المهرب)، فالأدوية المهربة تأتي من لبنان وإيران إلى مناطق النظام، ومن تركيا إلى المناطق المحررة. وكلها تُباع حسب سعر الدولار الأمريكي، وهذا يفوق قدرة السوريين الشرائية.
لقد بات تأمين الدواء الفعال في عموم سورية يشكل معاناة في ظل انتشار العديد من الأدوية المنتجَة من قبل المعامل السورية بفاعلية متدنية، وبتركيب رديء، في حين أن الحال ليس بأفضل مع الأدوية المهربة ذات المصدر المجهول والباهظة الثمن.
يقف الوضع الاقتصادي المتدهور، وهبوط سعر الليرة السورية مقابل الدولار، وتواطؤ حكومة دمشق مع أصحاب شركات الأدوية المحلية الهادف إلى رفع أسعار الدواء وتصديره إلى روسيا وإيران، وراء أزمة نقص الدواء في سورية. على الرغم من أن المنظمات الدولية مثل الصحة العالمية توفر الأدوية المخصصة لعلاج الأمراض الخطيرة لمشافي النظام وللمناطق المحررة، إلا أن المشافي لدى النظام تتلاعب في إعطاء الدواء للمرضى، الأمر الذي دفع عدداً منهم – ولاسيما مرضى الصرع والسرطان – إلى التوقف عن العلاج، مما أودى بحياة قسم كبير منهم، وأدى إلى لجوء بعضهم إلى السوق السوداء لشراء هذه الأدوية بأسعار مرتفعة جداً.
واليوم مع انتشار فيروس كورونا وتفشيه عالمياً يتهافت المواطن السوري بهلع على طلب المطهرات الطبية والكمامات وخافضات الحرارة، ولسان حاله يقول: هل يستطيع قطاع دوائي متهالك أصلاً الوقوف والتصدي لجائحة قصمت ظهر أعتى الدول؟!
يبقى الجواب على هذا السؤال غائب نتيجة انعدام الشفافية في تعامل النظام في سورية مع أزمة فيروس كورونا، فهو حريص على إخفاء التدهور الذي طال القطاعات السورية كافة، لاسيما القطاع الصحي والدوائي، فقد توقف عن استيراد المواد الأولية من حليفته الصين – مصدر الفيروس – هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى هو لا يريد تأجيج الاحتجاج في صفوف المؤيدين.. الأمر الذي من شأنه بث الذعر داخل صفوف الجيش والميليشيات الموالية له؛ لذلك سيلعب على وتر العقوبات الاقتصادية للتغطية على عجزه، وعلى ما يعيشه من أزمات استنزف فيها كل موارد البلاد، وأهمها الموارد البشرية التي تأتيها جائحة كورونا، فتستقبل هذا الوباء وقد أنهكها الفقر والتشرد والنزوح.