fbpx

الخطوة مقابل خطوة ومشاريع أخرى.. عجز دولي فاضح

0 229

كل حلٍ سياسي لصراعٍ بين طرفين يحتاج بالضرورة إلى ميزان قوى على الأرض، فكيف سيكون هذا الميزان في حالة سوريا، وقد انخرطت بالصراع فيه دول إقليمية ودولية؟ أتت من مقدمات وأجندات مختلفة، وهذا جعل الحل السياسي رهن هذه الدول، في ظلّ غياب حقيقي لفعل قوى الثورة والمعارضة، وهو الأساس في أي حلٍ سياسي.

ما يحدث الآن من تلمس حلٍ للصراع السوري يمكن تصنيفه في إطار “محاولة”، وهناك ثلاث محاولات لحلول مطروحة، أولها، مشروع غير بدرسون المسمى (خطوة مقابل خطوة).

والمشروع الثاني هو المشروع التركي الذي يرى في التقارب مع النظام الأسدي على قاعدة شروط محددة ثغرةً ربما تقود إلى حلٍ.

أما المشروع الثالث فهو المشروع العربي الذي تنهض به الأردن بمؤازرة سعودية، وهذا المشروع هو الآخر يبحث عن أرض يقف عليها.

سنناقش في هذا المقال المشاريع الثلاثة، وسنعرّج على واقع حال قوى الثورة والمعارضة من جهة، وواقع حال النظام الأسدي من جهة أخرى.

مشروع بدرسون (خطوة مقابل خطوة) هو استمرار لفشل تفعيل القرار 2254 بسلاله الأربع، وهو يستند على تجزئة تنفيذه، في وقت ثبُت فيه أن المبعوث الأممي السابق ديمستورا صاحب مشروع السلال، وصل إلى طريق مسدودة، وهذا ما دفعه إلى الاستقالة.

بدرسون يسير على خطى سلفه، فهو عاجز عن تسمية الأشياء بأسمائها، ولا يجرؤ على القول إن الروس هم من يمنع تنفيذ القرار المذكور، رغم أنهم وقّعوا على صيغته، هذا القرار كان مجرد درب لا نهاية له من التفاوض، إذ افتقد إلى قوة الإلزام من جهة، ووضع التوصل إلى حلٍ بيد طرفي الصراع، وأحد هذين الطرفين (النظام السوري) يرفض تقديم أي تنازل جوهري عن هيمنته المطلقة على السلطة، ويرفض تنفيذ ما جاء في هذا القرار.

إذاً، (خطوة مقابل خطوة) هو عجز أممي عن تنفيذ القرار 2254، وهذا يستدعي البحث عن تنفيذٍ له خارج جدران مجلس الأمن الذي يختطفه الروس عبر استخدامهم “الفيتو” بما يخصّ الصراع السوري، وهذه المهمة يجب أن تنهض بها وتجيّش لها قوى الثورة والمعارضة، فإذا لم تفعل ذلك وبقيت في حالة انتظار فهذا يعني بقاء المأساة السورية رهن هذا العجز.

المشروع الثاني هو المشروع التركي، الذي يدعو إلى تقارب سياسي مع النظام الأسدي على قاعدة من شروط يجب أن يحققها هذا النظام، وهو مشروع لم يتم الإعلان عن صيغته النهائية، إذ بقي مجرد تصريحات يتناوب على الإدلاء بها من حين إلى آخر المسؤولون الأتراك.

المشروع التركي في جوهره يرتكز على أمرين اثنين، مسألة الأمن القومي التركي الذي يتعرّض إلى تهديدات إرهابية تقوم بها جماعات حزب العمال الكردستاني (PKK)، التي تسيطر عملياً على ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، ومسألة اللاجئين السوريين في تركيا، التي تحوّلت إلى ورقة صراع سياسي بين الحزب الحاكم وحليفه من جهة، وبين أحزاب المعارضة من الجهة الأخرى، وهذا لا يعني أن الأتراك ماضون في هذا المشروع، فللمضي فيه شروط يجب أن تتحقق، وفي مقدمتها الشرط الدولي غير الناضج لمثل هكذا اتجاه.

المشروع الثالث هو المشروع العربي، الذي تنهض به الأردن بمؤازرة سعودية، هذا المشروع يبحث عن تقريب وجهات النظر العربية المختلفة، للوصول إلى صيغة سياسية، تشكّل مدخلاً لحلٍ للصراع السوري من جهة، ومحاولة إبعاد النظام الأسدي عن تحالفه مع إيران، دون وجود أسس حقيقية ملموسة لهذا المشروع، إذ يتجاهل هو الآخر بنية النظام الأسدي المغلقة على استبداده، ويحاول استعادته خارج تنفيذ القرار 2254، ما يعني إعادة انتاج هذا النظام، الذي يشكّل خطراً على شعبه وعلى محيطه العربي.

قوى الثورة والمعارضة ما موقفها الحقيقي من هذه المشاريع، ولماذا قبلت بتجزئة الحل من قبل عبر حصره بالسلة الدستورية، وهي سلّة لو قبل النظام بالتفاوض عليها والتوصل إلى مشروع دستور جديد، فهذا يعني وفق حساباته زواله كنظام استبدادي، وهذا ما لن يقبله بأي صورة تفاوضية.

قوى الثورة والمعارضة معنية بإيجاد معادلة توافق عربية ودولية لتنفيذ القرار 2254، عبر تنشيط حراكها الديبلوماسي مع الدول العربية، وهذا يتطلب تعميق الخطوات التي قامت بها في الأمم المتحدة، عبر الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لحل الصراع السوري، وهذا يعني عزل الفيتو الروسي الصيني، وحشر النظام في زاوية خانقة.

إن قوى الثورة والمعارضة معنية برفض خطة بدرسون المسماة (خطوة مقابل خطوة)، من دون ضمانات دولية مكتوبة، تنصّ على أن هذا المشروع التفاوضي له جدول زمني محدد، يؤدي إلى تنفيذ القرار 2254، وتشكيل هيئة حاكمة انتقالية، تنقل البلاد من نظامها الاستبدادي إلى نظام دولة مؤسسات قانونية، دولة مدنية ديمقراطية تعددية.

إن عدم اشتراط مثل هذه الضمانات الدولية المسجلة يعني تقديم تنازلات مجانية لمبعوث دولي يهمه أن ينجح كفرد، دون الاهتمام بتنفيذه جوهر القرار المكلف بتيسير تنفيذه.

فهل ستذهب قوى الثورة إلى هذا الخيار، أم أنها غير قادرة بحكم ظروفها الموضوعية على رفض كل المشاريع التي لا تؤدي إلى إزاحة نظام الاستبداد ومقاضاته على جرائمه بحق الشعب السوري.

إن السوريين بعد أحد عشر عاماً من القتل والتشريد والتدمير يريدون حلاً ينصفهم، وهذا الحل لن تأتي به المشاريع الثلاثة المطروحة على التداول الديبلوماسي والسياسي، فهذه المشاريع تعبّر عن عجز على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، ما يعني أن هذه المنظمة الدولية لم تعد قادرة على إدارة السلم العالمي، وتعبّر من جهة أخرى عن حاجات الدول العربية صاحبة المشروع أكثر ما يعبّر عن مصالح السوريين أصحاب القضية أنفسهم.   

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني