fbpx

الحرب والأمل في مسرحيات موفق مسعود ثرثرة الظهيرة-

0 720

فرضت الحرب الدائرة في سوريا وعليها ذاتها على الكتاب والمبدعين السوريين سواء داخل البلاد أو خارجها, وفي كافة أشكال الإبداع سواءً عبر الفرجة في الميديا السورية أو من خلال الكتابة الإبداعية وغيرهما من أشكال الكتابة, ويظهر ذلك في العديد من النصوص الإبداعية خصيصاً في المسرح, وخلال الربع الأخير من العام 2019, أصدر الكاتب المسرحي موفق مسعود ثلاث نصوص بعنوان”ثرثرة الظهيرة” عن دار البلد.

يزاوج مسعود بين فضاءات الحرب وبين الجنوب عبر شخصيتي” محال, ودلال” الزوجين اللذان هجرا منزلهما في الجنوب ويغادرانه نحو جنوب الجنوب إذ تقول دلال:” عندما حلت الحرب, حلت أولاً في الجنوب”.

 وتعمق دلال فضاء الكلمات التي تعطي معنى الجنوب والجنون والحرب “هجيج..هجاء..هجوم..هموم..حروب..أولادي..هروب..لجوء..جمود..جماع.. جنون..جنون..جنة..جنوب”.

أن فضاءات الحرب والجنون مستمده من الواقع الذي يصفه محال” بعد الحرب التي حصدت أولادي وأرضي وأهلي, وجعلتني لاجئاً إلى هذه الصحراء العجفاء, لم يعد يعنيني أن تدب الحرب في كل بيت”.

وتسيطر الحرب على عقل دلال بوجود جلال وتجيب على تساؤلاته” لقد هربنا إلى هنا بعد أن اجتاح تيمورلنك دمشق. خفنا أن يفتك بنا الجنود كما فتكوا بأطفالنا”. ويفسر محال ما قالته دلال” لا في الحقيقة زوجتي متعبة قليلاً..الحقيقة أننا هربنا  بعد اجتياح الفرنسيون بلادنا”.

 لكن دلال توضح أن محال يقصد” الألمان”!, ويعارضها:” يا ستي لا أقصد الألمان..أقصد الفرنسيين..! وبمساعدة الإنكليز في الحرب العالمية الأولى”, وتتناغم دلال معه” كان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية!.. كانت قنبلة حاقدة تلك التي سقطت بين أطفالي!؟”.

 ويعتذر محال من جلال” في الحقيقة هذه الصحراء تجعل من الذاكرة رخوة من شدة الحر..أتينا إلى هنا بعد النكبة مباشرة”.

 وتتدخل دلال” تقصد النكسة”, ويرد محال” ربما حرب الخليج..! أو ربما بعد حرب الربيع..أو حرب الصقيع المهم.. أتينا إلى هنا أيها السيد بعد الحرب الأخيرة”.

 ويؤكد محال لجلال على استمرارية الحرب” قبل أيام عبرت من هنا ثلاث قوافل عسكرية مؤللة..؟! كانوا يرطنون بكلمات لم نفهمها وهم يركبون على مدرعاتهم”.

ويربط المسرحي مسعود بين شروط الأمم المتحدة للتعويضات عن قتل الأطفال وتدمير البيوت, والعودة إليها، جلال:” في الحقيقة.. المشروع يتعلق بمصيركما, ومصير بيوتكم التي هربتم منها”.

 وترد دلال:” بيوتنا سنعود إليها بعد أن تنتهي الحرب”, ويوضح جلال:” هذا ليس ضرورياً.. ربما بقيت الحرب إلى الأبد”.

 ويعمق جلال فهم استجلاب الأموال” هذه الصحراء ستغدو جنة خضراء مع قليل من التكنولوجيا والدعم اللوجستي.. ستكون محط أنظار العالم.. وسيكون بإمكانكم أن تبتزوا الدول المتحضرة في المستقبل إذا تحدثتم عن ماضيكم, ومآسيكم ومذابحكم, سيؤنب الضمير العالمي الحكومات, وستتدفق عليكم المساعدات من كل حدب وصوب”.

ويضيف جلال أن” الفلسفة مؤخراً انتصرت للضحية, أقصد انتصرت لمفهوم الضحية وليس للضحية ككائن مجسد”.

 هذه الرؤية والمنطق السائد الذي يقدمه مسعود عبر شخصية جلال تدفعه إلى ارتكاب فعل القتل لمحال لكي يحل مكانه كضحية بعد أن يقنع زوجته دلال أنه يحبها” أتمنى أن أضمك بكليتك.. أن أتنفس الهواء الذي يخرج من تحت جلدك.. أن تشرد أناملي في تفاصيل جسمك كما تشرد الأيائل في سهول العشب وبراري الرغبة.. آه كم أريدك”، وتجيب دلال” أريدك.. أريدك..أريدك”.

 لكن الكاتب المسرحي مسعود يفسد هذا المنطق بتخلي الأمم المتحدة عن تقديم التعويضات لتصبح” كوميديا الجنون”.

أن النص المسرحي” كوميديا الجنون” جدير أن يتجسد على منصات دمشق المسرحية لأنه يحمل آثار الحرب السورية- السورية, من منطق أممي يحضد على بيع الإنسان لكل ما هو قائم على الأرض السورية, بما فيها مفهوم الذات السورية بالمعنى الذاتي الإنساني عبر حصد نتائج مفهوم الضحية العابر للقارات.

 ورغم أن النص عنوانه” كوميديا الجنون” إلا أنه لا يحمل أية ملامح كوميدية بل أنه يعالج المأساة السورية من منظور الحرب عبر المفارقة غير المضحكة.

وتعمق فصول مسرحية” شهيق..زفير” من حضور الحرب من خلال الوصف الذي يبدأ دائماً بأصوات الحرب والانفجارات وسقوط قذيفة هاون في مكان قريب لتعطي الانطباع بأن ما يجري هو حرب حقيقية, وشخصيتي المسرحية” هو, وهي” يعيشان داخل المسرح الذي يتنفس الحرب دون أن تقتلهما أو تضع أوزارهما لتعود الحياة إلى طبيعتها الاعتيادية, أما طبيعتها في زمن الحرب هي الانفجارات وأصوات الرصاص والقذائف والصواريخ” هو: متى ستعود الحياة إلى ما كانت عليه!

هي: ما كانت عليه..هه

     دائماً ما تعود الحياة إلى ما كانت عليه

هو: أتظنين ذلك؟

هي: نعم

هو: ولكن.. هذه الحرب..!!

    أظنها شارفت على الانتهاء.

هي: كما كانت عليه”.

أما في مسرحية” تلك الأيام” يسترجع الأيام الخوالي عبر” ست أصوات, ثلاث منها ظلال لثلاث”. حيث يمجد الماضي، فيقول:” صوت1: تلك الأيام الساحرات العابثات النائمات كقطيع متعب يستريح في براح الأسف, حيث كانت مهرة يفز من جنباتها زمن خرافي..حيث كنت أعدو مع الريح في فراغ خلفته الحافلة.. كانت تزنرني بها بكفيها برائحة الغاردينيا في تنفسها كي توصد الباب على مكرها الشتوي وأنا بداخلها أنثر القمح والحكايات”.

ويرد” ظل1″ بعد عدد من الأصوات والظلال” ولأنه المطر النبيل يأتي ولو بعد حين كي يقرع أرواحنا ثم يقص علينا حكاية ما قبل الموت كي نغفو مرة واحدة وأخيرة على صوته الذي كأصوات الأمهات القابعات خلف جدران الكلام حيث يحلمن بلا أجنحة نحو أحداقنا التي لم توصد بعد ألوانها وشعابها بوجه الأمل”.

أن الكاتب المسرحي موفق مسعود لا يقطع الأمل في العودة إلى” تلك الأيام” في سوريا ما بعد الحرب لذلك يصفها بالجميل من الكلمات والجمل والعبارات لبث الأمل بعدم وقوف الحياة على زمن الحرب فقط.

أخيراً يعتقد الكثيرون أن الحياة توقفت في سوريا بسبب الحرب خصيصاً في المناطق التي لم تعاني من الحرب كثيراً, لكن فعل الكتابة بكل ألوانها يؤكد على أن الحياة مستمرة والموجودين في هذه المناطق قادرون على الإبداع والاستمرار في الحياة, بما في ذلك الكتابة للمسرح وغيره من صنوف الكتابة الإبداعية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني