fbpx

الثورة الإيرانية.. آمال وتحديات (1)

0 137

بناء على إدراك طبيعة الثورة الراهنة في إيران، وسياقها التاريخي الإقليمي، بما هي في المضمون ثورة ديمقراطية، وعلى طبيعة تحالف قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، التي تتضرر مصالح أطرافها، وبالتالي تقف سياساتها على أرضية العداء للتغيير الديمقراطي – بدءاً من سلطة النظام الإيراني على الصعيد المحلي، وانتهاء بواشنطن، ومروراً بسلطات جميع أنظمة الإقليم، خاصة النظام السعودي وأذرع النظام الإيراني الإقليمية، إضافة بالطبع، وهنا تكمن أهم عوامل الخطورة، لحكومات مراكز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، الديمقراطية واللاديمقراطية على حد سواء[1] – يمكن رصد أخطر العوائق التي قد تحول دون انتصار أهداف هذه الحلقة من حراك الشعب الإيراني السلمي، التي تشكل واحدة من أعظم محطات نضاله الديمقراطي، المتواصل منذ تأسيس الدولة الإيرانية:

أولاً: على صعيد العامل الذاتي للثورة

بخلاف مرحلة الثورة الشعبية العارمة خلال العام 1978، (التي كانت تقودها نخب سياسية ودينية ومقاومة مسلحة، متمرسة في النضال السياسي الديمقراطي وأساليب المقاومة الثورية، فرضت، في سياق دعم أوروبي/أمريكي، انسحاب الشاه من المشهد السياسي، ونجحت في تشكيل حكومة انتقالية ديمقراطية، استطاعت تحييد الجيش، وتفكيك الأجهزة الأمنية خلال فترة قصيره بعد مغادرة الشاه حوالي منتصف كانون الأول)، ثمة خلل بنيوي – عانت من عواقبه جميع ثورات الربيع العربي، وشكل في الثورة السورية أحد أسباب عدم توحيد السوريين في مواجهة الأخطار والهزائم – يتجلى في تواصل حراك الشعب الإيراني في ظل غياب قيادة سياسية وطنية وديمقراطية، تجسد في ثقافتها ووعيها السياسي، وفي الممارسة السياسية النضالية، مصالح الشعب الإيراني؛ عبر نضالها الدؤوب لفهم طبيعة المخاطر والتحديات المرتبطة بالمصالح والسياسات التي توحد جهود قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، على الصعد الإيرانية والإقليمية والإمبريالية، وبالتالي ابتكار أفضل وسائل وآليات مواجهتها، بما يجعل منها قائداً ميدانيا للحراك؛ يوجه نشاطه، ويعزز وحدة الصف الوطني، ويقلل من أخطار المواجهة، بما يصب في سياق تحقيق هدف الحراك المركزي – الانتقال السياسي.

من المؤسف ملاحظة أن أعراض الخلل لا تقتصر على بنى ووعي وسلوك إحدى تيارات المعارضة الإيرانية دون الأخرى، بل تتلبس الجميع؛ كما هو حال المعارضات السورية.

إذا وضعنا جانباً تيار الإسلام السياسي المتمثل بـ آيات الله العظمى التي ما زالت بمعظمها تنحاز لنظام الملالي – ومعارضاتها شخصية، غير مؤطرة وليس من مصلحتها دعم حراك معارض للنظام – يمكن ملاحظة، ضمن السياق العام لحركة نضال الشعب الإيراني ضد سلطتي نظام الشاه السابق، وولي الفقيه الحالي، تبلور ثلاثة مستويات من المعارضة؛ التيار الإصلاحي والديمقراطي والقومي:

1- على مستوى الجناح الاصلاحي داخل النظام الإيراني

برزت في سياق الصراع الداخلي مجموعة من التيارات والقوى والتجمعات السياسية التي تسعى للإصلاح من داخل منظومة الحكم، وتتبنى – بشكل عام – التوجه نحو التجديد والتحديث الديني المرتكز على الممارسة الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان وفق الرؤية الغربية، مع اختلاف في الكثير من التفاصيل؛ وقد كان لنضالها الدور القيادي في حراك 2009، لكنها تسير منذئذ القهقري بعد هزيمتها في مواجهة التيار المحافظ، الذي يقوده ولي الفقيه شخصياً، إلى درجة أصبحت معها اليوم قليلة التأثير على مجريات الصراع السياسي الذي بات محصوراً داخل أجنحة السلطة المحافظة، التي تتنافس حول صلاحيات الرئيس أو موقع ولي الفقيه، وخليفة الولي الحالي، المرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي يسعى لتوريث ابنه منتجب، في مواجهة منافسين أقوياء، كان في مقدمتهم الراحل قاسم سليماني والرئيس الحالي، إبراهيم رئيسي.

في الواقع، شكلت انتخابات 2009 مرحلة مفصلية في مسار التيار الإصلاحي. فبعد إعلان فوز مرشح ولي الفقيه المحافظ أحمدي نجاد، رفض منافسه في جولة الإعادة، الإصلاحي، مير حسين موسوي، نتائج الانتخابات، واندلعت احتجاجات كبيرة كان يمكن لها أن تقوض سلطة ولي الفقيه، قطع مسارها اصطفاف الحرس الثوري الإيراني لجانب الولي، الذي حسمها لصالح أحمدي نجاد!.

في السياق التاريخي، يعود ظهور التيارات والشخصيات الإصلاحية – الديمقراطية في أجهزة النظام الإيراني إلى بدايات الثورة؛ حيث تولى أحد رموزها، صاحب التوجه الاشتراكي الديمقراطي، أبو الحسن بني صدر، رئاسة الجمهورية الوليدة في أول انتخابات رئاسية، كانون الثاني 1980؛ وكان قد بدأ مسيرة صعوده عندما عينه الإمام الخميني رئيساً لمجلس الثورة في السابع من شباط 1979، ثم عُين وزيراً للاقتصاد وبعدها وزيراً للخارجية في الجمهورية الإسلامية قيد الولادة.

رغم علاقات الصداقة التاريخية الحميمة بين الصدر، الأب والابن، والخميني، اصطدمت توجهات الصدر الليبرالية مع توجهات الهيمنة الدينية لآيات الله الذين قادوا الثورة المضادة عملياً، بقيادة الخميني؛ وقد حاول التعايش معهم على مدى 17 شهراً، لكن محاولاته باءت بالفشل، بعد أن أدرك متأخراً أنه لم يكن سوى واجهة لتثبيت سلطة الثورة المضادة، لأصحابها آيات الله، الأكثر إخلاصاً في دعم نهج ولي الفقيه، الخُميني.

على أية حال، تلقى التيار الإصلاحي دفعاً كبيراً خلال الفترة التي تولى فيها الرئيس الأسبق الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني الرئاستين الخامسة والسادسة، بين 1989 و1997، وحاول أن يوظف الاقتصاد والسياسة الخارجية لإخراج إيران من العزلة التي أوصلتها إليها سياسات المحافظين، بينما أطلق فريقه خطاباً جديداً دعا لإيجاد تغيير في السياسات الخارجية الاقتصادية والاجتماعية.

لاحقاً اتسعت فجوة الخلاف بين رفسنجاني وخامنئي، الذي انحاز للملالي، وخطهم المحافظ، بينما أظهر رفسنجاني ميلاً لتعزيز العلاقات العلنية مع الغرب والانفتاح على الصعيد الداخلي، وخسر رفسنجاني معركته 2009، عندما دعم المرشد إعادة انتخاب أحمدي نجاد، ضارباً عرض الحائط بتهديدات رفسنجاني باجتياح الشارع، إذا أُعيد انتخابه.

في محطة جديدة لصعود التيار الإصلاحي، شكل وصول الرئيس خاتمي للسلطة عام 1997 ميلاداً جديداً للتيار، وعلامة فارقة في مسيرته، وشهدت فترته تحولات فكرية ومراجعات أجراها اليسار الديني، وبزغت مصطلحات ومفاهيم جديدة تتعلق بالمجتمع المدني واحترام القانون وقبول الاختلاف، كما لعب خاتمي دوراً كبيراً في بلورة حوار الحضارات.

بعد فوز خاتمي وضع هذا التيار لنفسه اسم التيار الإصلاحي، أو الإصلاحيون، وأطلقت بعض مجموعاته على نفسها تنظيمات الثاني من خرداد (اليوم الذي انتخب فيه خاتمي حسب التقويم الإيراني)، وضم في البداية 18 حزباً يسارياً، لكنه توسع وتمدد ليصل إلى أكثر من خمسين حزباً ومجموعة.

المؤسف أنه رغم مناداته بتحقيق إصلاحات سياسية وثقافية واجتماعية، بقي خاتمي يدور حول نفسه، عندما رفض استغلال الرئاسة لتقويض صلاحيات ولي الفقيه، الذي لم يتوانى لاحقاً عن حسم الصراع لصالح سيطرة مطلقة لولي الفقيه، وتياره المحافظ[2].


[1]– تُظهر حقائق ودروس هزيمة اهداف المشروع الديمقراطي لشعوب المنطقة التي صنعها تحالف قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، (بنهجها وأدواتها وسلطات حكوماتها المحلية والإقليمية والإمبريالية)، في مواجهة ثورات ربيع شعوب منطقة الفضاء السياسي العربي/الإيراني عدم موضوعية الفكرة الشائعة في أوساط المثقفين الليبراليين، التي تقول بوجود مصلحة للولايات المتحدة والدول الديمقراطية في أوروبا في تعميم النموذج الديمقراطي الغربي – انحيازاً لقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان – ووقوفهم إلى جانب قوى التغيير الديمقراطي في منطقتنا؛ وهي

أكاذيب، تحرص دعاية البيت الأبيض على ترويجها من أجل إخفاء حقائق تناقض مصالح وسياسات الولايات المتحدة مع صيرورات التغيير الديمقراطي، وبالتالي دعمهم لكل أشكال سلطات الاستبداد، المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان.

القضية ليست اتهام كيدي أيديولوجي، مفصولة عن حقائق الصراع، هي مسألة غاية في البساطة والوضوح:

إن تبني الحكومات الديمقراطية للقيم الديمقراطية في منطقتنا (كما تروج الدعاية) يتناقض مع مصالح تلك الحكومات الديمقراطية، لأنه يوفر الشروط السياسية التي تشجع وتفتح الطريق أمام السلطة للحركات والقوى القومية والديمقراطية المعادية لمصالح الغرب، أليس كذلك؟.

بكلام آخر، التحول إلى الديمقراطية في منطقتنا، وارتباطه الجوهري بالوطنية (السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي)، يتعارض مع مصالح الحكومات الديمقراطية، لأن علاقاتها مع دول وشعوب واقتصاديات وثروات المنطقة تقوم على شبكات وآليات نهب وسيطرة تشاركية، تحميها إقليمياً سلطات أنظمة معادية للديمقراطية، ستكون أول ضحايا صيرورات التغيير الديمقراطي في حال نجاح ثورات شعوب المنطقة الديمقراطية؛ ولأن ما توفرها الحكومات الديمقراطية من ظروف حياة آمنة لشعوبها يتم توفيره وتمويله ببعض عائدات النهب الخارجي، التي تشكل ثروات وعقول المنطقة مواقعها الرئيسة!.

يضاف إلى ذلك، قضية غاية في الخطورة، ترتبط جوهرياً بواقع تمحور سياسيات الولايات المتحدة الخارجية وخططها الاستراتيجية، على تأبيد أشكال وأدوات سيطرتها العالمية.

تحوز الولايات المتحدة على أهم أوراق القوة الاقتصادية التي تمكنها من تعزيز هيمنتها العالمية – على شركائها في أوروبا الديمقراطية وكوريا واليابان، كما على منافسيها في الصين وروسيا – بفضل ما تحققه من سيطرة على مخزون الطاقة العالمي الذي تمتلكه دول حوض الخليج العربي!.

هي حقائق دامغة، وليست أكاذيب دعايات، على غرار ما تبثه مراكز القرار في واشنطن، وتروجه أبواق قوى مرتهنة لشبكات دعاية عالمية !!
أخيراً: هي معادلة بسيطة، بالغة الدقة، وجوهرية الدلالات، إذا كان لجميع سكان المنطقة العربية أسباب جوهرية لرفض علاقات السيطرة الديموقراطية الغربية بشكل جذري، لأنها تتعارض مع الاستقلال الاقتصادي والسيادة الوطنية – أهم مقومات بناء المشروع الديمقراطي الوطني – فمن الطبيعي أن تتناقض مصالح وسياسات الولايات المتحدة (الديمقراطية)، التي تستبيح السيادة وتنهب الاقتصاد، مع قوى وصيرورات وسلطات التغيير الديمقراطي، التي لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا سعت لحماية الاستقلال والسيادة.

ضمن هذا السياق العام وحقائقة، كان من الطبيعي أن تختار القوى الغربية (الولايات المتحدة وأوربا الديمقراطية) منذ أمد بعيد دعم شتى أشكال النظم السياسية الاستبدادية، باعتبارها أفضل أشكال حماية شباك وآليات سيطرتها الإقليمية؛ وقد اتبعت الولايات المتحدة تلك السياسة منذ بدايات صعودها العالمي في منطقة الشرق الأوسط؛ بداية بشكل خجول خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين – وكانت أولى تجسيداتها علاقات تحالف استراتيجية مع سلطة آل سعود – وقد عززت نتائج الحرب العالمية الثانية أطماع وسياسيات السيطرة الإقليمية الأمريكية، وفي مواجهة شركائها الأوربيين، ولم يغير انتهاء الحرب الباردة من هذا السلوك الاستراتيجي الأمريكي، بل على العكس، فقد تقدمت استراتيجيتها خطوات إلى الأمام عندما تبنت، في ظروف نظام عالمي أمريكي جديد، سياسات التحالف مع الإسلام السياسي، تحت شعارات محاربة تمظهراته الجهادية، الإرهابية، وكانت أبرز ثمراته قيام تحالف استراتيجي جديد مع أذرع وأدوات مشروع السيطرة الإقليمية لنظام الملالي، وهو ما أثار عجب وغضب سلطات مرتكزات السيطرة الإقليمية التاريخية للولايات المتحدة، وفتح فجوات كبيرة في جدار التحالف الاستراتيجي مع سلطة آل سعود الوهابية، وخلق تناقضات وصراعات عجزت واشنطن عن احتوائها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والنظام التركي، طفت على السطح بشكل واضح في مقاربة الصراع على سوريا منذ 2011.

لنقرأ بعض الأمثلة على أحدث ترهات الدعاية الأمريكية، إطلاق استراتيجية الرئيس للأمن القومي:

12/10/2022، 04:15 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة

أنتوني ج. بلينكين، وزير الخارجية:

تضع استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة رؤية لعالم حر ومنفتح وآمن ومزدهر وخطة شاملة لتحقيق ذلك، هذه ليست رؤيتنا فحسب، بل هي رؤيتنا المشتركة بين العديد من البلدان الأخرى التي تسعى للعيش في عالم يحترم المبادئ الأساسية لتقرير المصير، وسلامة الأراضي، والاستقلال السياسي؛ حيث تكون البلدان حرة في تحديد خيارات سياستها الخارجية؛ يسمح للمعلومات بالتدفق بحرية؛ احترام حقوق الإنسان العالمية؛ ويعمل الاقتصاد العالمي على أساس تكافؤ الفرص، ما يوفر الفرصة للجميع. ستستمر الدبلوماسية الأمريكية في الاستفادة من شبكات الحلفاء والشركاء التي لا تضاهى في بلادنا لبناء أقوى وأوسع تحالف ممكن من الدول.

معًا، سنعمل على تعزيز هذه الرؤية والدفاع عنها في وقت تقوض فيه القوى الاستبدادية التعديلية السلام والاستقرار الدوليين ونواجه تحديات مشتركة غير مسبوقة، مثل أزمة المناخ والأوبئة، التي تهدد حياة وسبل عيش جميع شعوبنا. هذا عقد حاسم للولايات المتحدة والعالم. إنني على ثقة من أننا، كما فعلنا طوال تاريخنا، سنغتنم هذه اللحظة ونرتقي إلى مستوى التحدي.

[2]– تقول السيدة مريم رجوي: التركيبة الحالية للسلطات الثلاث في النظام تعبیر عن الوضع الذي يواجهه.

من خلال انتخابات مزورة، نصب خامنئي إبراهیم رئيسي ليكون رئيساً لنظامه، وبعد ذلك جاء بغلام حسین إيجئي لرئاسة القضاء.

كان إبراهيم رئيسي أحد أعضاء فرقة الموت عام 1988 لتنفيذ فتوى خميني بشأن إعدام مجاهدي خلق، حیث تم إعدام 30000 سجين سياسي في غضون أشهر.
رئيس مجلس شورى النظام أيضاً كان من قادة قوات الحرس، إنه يفتخر بدوره في قمع الاحتجاجات الطلابية عام 2009.

يريد خامنئي الحفاظ على نظامه الهش برئيسي وحكومته الخاضعة لنفوذ قادة الحرس، وكذلك سياسته في الانكماش، لكن أزمات النظام عميقة للغاية والفجوة بين الشعب والنظام عظيم لدرجة أن خامنئي لا يستطيع حلها وغير قادر على احتواء غضب المواطنين.

يبدو جلياً تجاهل الولايات المتحدة، في قراءتها لمآلات الصراع السياسي في إيران، لعوامل السياق الخارجي – الإقليمي والأمريكي/الأوروبي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني