fbpx

الاقتصاد الروسي …شبح الركود وتداعياته على المشهد السوري

0 550

لم يعد يخفى على أحد التداعيات الاقتصادية التي خلّفها الفايروس التاجي في معظم دول العالم، وعلى الرغم من أن المسؤولين الروس دائماً ما يوهمون العالم بأنهم يعيشون على كوكب آخر، فإن الاقتصاد الروسي يرزح تحت ضغط كبير بفعل انتشار كورونا، والعقوبات الأوروبية والأمريكية، عقب اجتياح جزيرة القرم وضمّها لروسيا، وتدخلها في سوريا والانتخابات الأمريكية. وكما أنّ بعض المسؤولين يجيدون استغلال الأزمة أكثر من التعامل معها، كذلك يفعل بوتين وحكومته، من خلال التلاعب بأرقام الإصابات والوفيات، بحسب معارضيه، وتسمية الإغلاق بالإجازة، إضافة إلى محاولة صرف النظر عن الأزمة الحقيقية، بالتركيز على عجز أوروبا في التصدي لانتشار فايروس كورونا.
منذ بدء تفشي المرض في كانون الأول 2019، دأبت موسكو على التظاهر بأن الوضع تحت السيطرة، وأنّ الأمور مختلفة عن أوروبا وبقية العالم. وقد ساعدت المساحة الشاسعة لروسيا، وانعزال الشرق الأقصى إلى إبطاء انتشار الوباء إلى حدٍّ ما، وتركزت معظم الإصابات في موسكو وسان بطرسبرغ، وذلك ما استغله بوتين للتأكيد على أن مصدر الإصابات جاء من إيطاليا وليس من الصين، في تلميحٍ صريحٍ إلى “فعالية” الأنظمة الشمولية في التعامل مع المرض.
يحاول الأمن الفيدرالي الروسي إزالة المعلومات الخاصة بالوباء من الشبكة العنكبوتية، وتنميق التقارير المتعلقة بفاشية المرض، وذلك بشهادة رئيسة نقابة الأطباء “أنستاسيا فاسيليفا” التي اتهمت الحكومة الروسية بتعديل أرقام المصابين، من خلال إعادة تصنيف التشخيص الطبي على أنه التهاب رئوي أو غيره من التهابات الجهاز التنفسي. وكان ذلك بالتزامن مع نشر مركز الإحصاء الروسي بياناتٍ، أظهرت زيادة في حالات الالتهاب الرئوي بنسبة 37% في شهر كانون الثاني، مقارنة بذات الفترة من العام السابق. ولزيادة التحكم بالمعلومات المنتشرة على الإنترنت، قام مجلس الدوما بتشريع قانونٍ نهايةَ شهر آذار/مارس، يغرّم فيه كل من ينتهك إجراءات الحجر الصحي ويروج للأكاذيب حول الفايروس، على غرار قرار نظام الأسد يوم انهيار الليرة السورية، إذ يبدو أنّ كلا النظامين ينضحان من البئر نفسه في التعامل مع الأزمات.
ووسط مخاوف بوتين من عدم المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لتمديد ولايته حتى “إشعارٍ آخر”، قرر تمديد فترة الإغلاق شهراً آخر، وإرجاء موعد الاستفتاء الذي كان مقرراً في الثاني والعشرين من نيسان/أبريل، إلى شهر أيار أو حتى حزيران. في مسعى من الرئيس الروسي إلى مقارنة استجابة روسيا “القوية” بضعف أوروبا، وقدرة القيادة الروسية على إدارة الأزمات، لتشجيع المواطنين على منحه شيكاً على بياض في مزوالته لرئاسة الدولة والمجتمع. وفي ظل قلّة المعدات الطبية من الكمامات والمعقمات والكواشف، حاولت روسيا رمي الأنظار بعيداً بإرسال طائرة معدات طبية إلى الولايات المتحدة، ومحاولة تصويرها على أنها مساعدة، ليتضح فيما بعد على أنه عملية بيع وشراء تمت بين البلدين، مما تسبب بإحراج شديد لكل من الرئيسين الأمريكي والروسي.
حذر الاقتصاديون من أنّ إغلاق شهرٍ واحدٍ، سيتسبب بركودٍ يمتد لعامٍ كاملٍ، وأن الضربة ستكون أسوأ من أي ضربة تعرضت لها روسيا في عهد بوتين على الإطلاق. وعلى الرغم من عدم إقرار روسيا لخطّة إنقاذ واضحة، إلا أنّ التكلفة ستكون عالية، إذ تملك الدولة نسبة 80% من الشركات العاملة داخل الاقتصاد، وتقضي إجراءات موسكو باستمرار صرف رواتب العاملين وهم في منازلهم، وعدم الاستغناء عنهم على الرغم من توقف العجلة الاقتصادية. وعلى عكس الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لم تمنح روسيا القطاع الخاص التمويلات المالية اللازمة لمساعدته على مواجهة الأزمة، وتمثلت الإعانات الحكومية بإعفائها من الضرائب عدا ضريبة القيمة المضافة، وتأجيلات القروض التجارية لمدة ستة أشهر فقط، وتخفيضات على مساهمات أصحاب العمل في التأمين الاجتماعي من 30% إلى 15% بحسب صحيفة “موسكو تايمز”. هذه الإجراءات المتبعة، تنمّ إما عن عدم إدراك للكارثة التي تهدد وجود الشركات الخاصة، أو أنها محاولة من السياسيين الروس للتضحية بالقطاع الخاص. حيث تشير العديد من التقارير إلى احتمال ارتفاع نسبة البطالة لتصل حدَّ الـ 15%، وتطرح بذلك حوالي 10 ملايين شخص خارج سوق العمل.
لدى روسيا احتياطيات من الذهب والعملات تقدر بحوالي 600 مليار دولار، لكنها أيضاً تمتلك ديوناً تقدّر بحوالي 455 مليار دولار، وهذا ما يجعل من الصعب التحرك بحريةٍ تامّةٍ. ولطالما كانت روسيا تعوّل الكثير على عائدات النفظ لتنفيذ العديد من المشاريع، لإقناع الشعب الروسي بأحقيّة بوتين ليكون أحدَ قياصرة روسيا حتى تتغمّده العناية الإلهية، لكن جرت الرياح بما لا تشتهيه سفن القيصر، وبات على روسيا السحب من صندوق الطوارئ الوطني لدعم عملاق الطاقة الروسي “روس نفط” أولاً، ثمّ تَجْرية رواتب الموظفين في القطاع العام، مما يزيد من الضغط على الصندوق الوطني، ليَمُدَّ من عمر الأزمة ربما إلى أعوامٍ قادمة، وخاصةً مع فقدان الروبل الروسي لـ 20% من قيمته.
بحسب رئيس غرفة التدقيق “أليكسي كودرين” فإنه حتى لو تلقى الاقتصاد الروسي ضربةً معتدلة، فسيكون معدل الانكماش بين 3-5% خلال العام الحالي، وتحتاج روسيا إلى خطة إنقاذ بقيمة 165 مليار دولار، أي ما يعادل أربعة أضعاف الخطة الحالية. وحيث يعتبر النفط والغاز محركا الاقتصاد الروسي فإذا لم تتحسن أسعار النفط فستكون التكلفة باهظة، وربما تذهب الأمور إلى منزلق خطير يعجز معه بوتين عن تدارك الأمر.
يبدو أنّ روسيا ترغب في تحريك الأوضاع وكسر الجمود تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد يفسّر ذلك خروج بعض التقارير من الغرف الروسية، التي تنتقد سياسات الأسد وتصرفاته، وتحمّله المسؤولية عن الأوضاع الكارثية في سوريا. ربما باتت روسيا مستعدةً أكثر من أيّ وقت مضى، للتخلي عن نظامٍ يشكل في الأساس حرجاً لمسانديه، وطعماً منها في تخفيف العقوبات الاقتصادية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني