الائتلاف والدور السياسي المفقود
لا يمكن الحديث عن ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، بدون ذكر أثر العوامل الخارجية في تشكيله، وهي لا تزال عوامل حاسمة على صعيد بنية القرارات واتجاهات العملية السياسية المنوطة بهذا الإطار. وحين نتحدث عن الائتلاف كإطار سياسي، لا يمكننا إغفال بنيته التكوينية، ونظام عمله، وفق لائحته الداخلية، وهما أمران من الضروري إعادة انتاجهما، بما يتفق مع تطورات القضية السورية داخلياً، وإقليمياً، ودولياً.
ولكن قد يكون تغيير آليات عمل الائتلاف بصورته الحالية، مدخلاً ليلعب دوراً وطنياً أكثر استقلالية، وهذا سيتضح من خلال خوض معارك سياسية مدروسة، لقضايا ذات حساسية وأهمية بالثورة السورية، التي قدّمت كثيراً من التضحيات الغالية، لقاء الخلاص من نظام الاستبداد.
الدور الذي نقصده حالياً، هو تصدي الائتلاف ومؤسساته لمحاولات النظام الاستبدادي الترويج لانتخابات باطلة أساساً، فالنظام وبدفع روسي مقصود الأهداف، يحاول أن يظهر وكأنه المدخل الوحيد للحل السياسي، وهو بهذا الأمر وبمساعدة إيرانية/روسية، يحاول الالتفاف على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وأولها بيان جنيف1 والقرار 2118 والقرار 2254.
تصدي الائتلاف لمحاولات النظام الاستبدادي بالترويج لنفسه، لاستعادة بعض شرعيته دولياً، يحتاج إلى وضع استراتيجية عمل تتصدى لهذا المشروع الباطل، هذه الاستراتيجية ذات أذرع متعددة، منها السياسي، ومنها القانوني، ومنها الإعلامي، ومنها الرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي.
إن مخاطبة الرأي العام العالمي والعربي والجماهيري لا يمكن أن تحقق أية فائدة أو تقدم ملموس بهذه المهمة، من خلال تسجيلات مرئية أو تغريدات مبتسرة، لهذا المسؤول أو ذاك من مسؤولي المعارضة والثورة، فمهمة بهذه الخطورة والجدية تحتاج برنامج عمل يشمل كل ما ذكرناه، بل أكثر من ذلك.
مخاطبة الرأي العام العالمي، تكون عبر النشر في صحف تلك البلدان، وتكون عبر الاعتصامات الجادة، والتظاهرات السلمية، بالتشارك مع القوى الشعبية والسياسية النصيرة لثورة الشعب السوري في تلك البلدان.
أما الاكتفاء بدورٍ قد تقوم به دول أصدقاء سوريا، من خلال رفضها لقيام انتخابات مزورة سلفاً، فهذا يعني تنازلاً عن الدفاع عن قضايا وطنية، تخصّ مؤسسة الائتلاف أو غيرها من مؤسسات الثورة، وهذا يعني المبادرة دون تأخير، في وضع استراتيجية لمواجهة هذه المسرحية القذرة، التي تدفع بها موسكو، من أجل المحافظة على نظام فاسد، يشبه نظامها المافيوي، هذا النظام الذي هدر كل حقوق وثروات واستقلال البلاد لمصلحة الروس والإيرانيين مقابل وهمه بأنه سيبقى حاكماً متسلطاً على سوريا وشعبها العظيم.
من أول خطوات مواجهة مشروع روسيا والنظام، هي خطوة نزول أعضاء الهيئة السياسية للائتلاف إلى أماكن وجود السوريين في الداخل المحرر، وفي دول تسمح لهم بلقاء حاضنتهم الشعبية، وهذا يتم عبر لقاء نخب وتفعيل أدوات مواجهة خطر كهذا.
إن رسم الائتلاف لخطة تتضمن شرح الموقف أمام قوى سياسية عربية ودولية، وكذلك محاولة اللقاء بممثلين عن دول عديدة ذات وزن وفعالية في التصدي لمشروع النظام وروسيا، سيجعل الأمر أكثر سهولة في بناء موقف رافض لانتخابات نظام الأسد، وسيجعل من مهمة تطبيق القرارات الدولية أكثر يسراً وفعالية، سيما أن موفد الولايات المتحدة جويل رايبورن ذهب إلى دول عربية كان من الممكن أن تلعب دوراً مضاداً لخنق النظام السوري، وإجباره على القبول بتنفيذ التفاوض والامتثال للقرارات الدولية وأولها القرار 2254.
إن إطلاق حملة شعبية وإعلامية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ضد الخطة الروسية للتجديد للنظام هو رافد حقيقي للجهد السياسي والديبلوماسي الذي يجب أن يقوم به ائتلاف قوى الثورة والمعارضة.
كذلك وضع برنامج وطني لعمليات التظاهرات في كل أماكن وجود السوريين في العالم لإظهار الرفض الشعبي والوطني للخطوة الروسية البغيضة، وهذا يعني أن تقوم الجهات الحقوقية المناصرة لحرية الشعب السوري بعقد عشرات الندوات في دول العالم وبلغاته لشرح خطورة ما يخطط له نظام بوتين لسوريا.
إن برنامج عمل واسع بكفاءات متوفرة سيمنع أي إجراء أحادي من أي جهة تحاول مساعدة نظام الأسد على التهرب من استحقاقات تنفيذ القرار الدولي 2254.
والسؤال: هل وضع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة برنامج عمل ملموس بهذا الشأن الوطني الخطير؟ فإذا كان لا يزال بعيداً عن وضع برنامج كهذا، على اعتبار أنه يفصلنا عن انتخابات النظام ستة أشهر قادمة، فعليه (وهذا واجبه) أن يضع استراتيجية وطنية سياسية وإعلامية وحقوقية واضحة لمواجهة المخطط الروسي بتجديد بنية نظام يختبئ خلفه الروس لنهب سوريا وتحدي العالم.
إن السوريين يستحقون وضع برامج عمل استراتيجية، تخص ثورتهم، وتوصلهم إلى ضفاف الانتقال السياسي الصريح، بعيداً عن منظومة حكم الأسد، فهل يتجشم رئيس الائتلاف نصر الحريري، ومعه أعضاء الهيئة السياسية في الائتلاف، وباقي أذرع المعارضة، عناء العمل وفق هذه الرؤية، بعيداً عن حساباتٍ أكل الدهر عليها وشرب، تخصّ إرضاء نزعات ذات بعد إقليمي أو دولي لا تفيد السوريين.
إنه موقف وطني واضح الملامح والهوية، ويبعد كل شبهات بالتكاسل أو عدم الجدوى أو محاولة القفز فوق حقوق السوريين وثورتهم، فهل ينزل الائتلاف من وهم المراهنة على الأصدقاء الإقليميين والدوليين إلى حقيقة الاعتماد على الشعب والحاضنة الثورية العظيمة؟. سؤال ينتظر الجواب من الائتلاف ومؤسساته.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”