الائتلاف الوطني: “نظريات غريبة وخطيرة”
لبعض سياسيي الائتلاف الوطني نظريات غريبة، وخطيرة أحياناً، لم يأت أحد بها من قبل، مبنية على فهم خاطئ للسياسة وعلومها، نتيجة عملهم التقليدي قبل انطلاق ثورة الربيع العربي، إذ بني على سرية المعلومة، وتداولها على أضيق نطاق، وهذا ما تشربه منهم سياسيو المعارضة الجدد، ما خلق أزمة ثقة بين جمهور الثورة والمعارضة السياسية، لاسيما أنّ حصول جمهور الثورة على المعلومات لم يكن من خلال المؤسسة السياسية، بل عن طريق مصادر أخرى، ما أحرج الائتلاف الوطني، وشكّل فجوة أصبح من الصعب تجسيرها، فالحاضنة الشعبية تطمح بممثلين عنهم، يختلفون مع نظام الأسد وعنه، لا معه فقط.
لا تتعامل قيادة المعارضة مع الوضع السوري من خلال التقاط الفكرة والمعلومة ووضعها في سياقها الصحيح لاستشراف المستقبل، بل من خلال ما يقال لهم بالمباشر، في اجتماعات رسمية، أو لقاءات ودية، مع السياسيين على المستوى الدولي، وعلى رأس تلك المعلومات “لن يتم حسم المشكلة السورية، لن ينتصر الأسد ولا المعارضة على المدى المنظور” وهنا يكمن جوهر المشكلة، ففي ظل تعطيل المسار السياسي، وعلى رأسه التفاوض على السلال الأربع، وعدم رغبة المجتمع الدولي بإنتاج دستور من خلال اللجنة الدستورية، وهذا ما دفع سياسيي المعارضة إلى الانشغال بالبحث عن سبل تعزيز نفوذهم لأطول فترة ممكنة، نتج عنها تغيير النظام الداخلي، ورفع مدة دورة رئاسة الائتلاف من ستة أشهر إلى سنة، وبالتالي أصبح بإمكان رئيس الائتلاف الوطني البقاء في منصبه لعامين متتاليين.
غير أنّ لانتخاب أي رئيس للائتلاف الوطني أثمان، ووعود عليه الوفاء بها، فثلثي أعضاء الهيئة العامة لا يعطون أصواتهم بالمجّان، والتوافق الدولي عليه لا يكون دون ثمن، وهذا ما حصل مع الرئيس الحالي “سالم المسلط” إذ قطع وعوداً نحو إصلاح هيكلية الائتلاف، لم يكن بمقدوره الوفاء بها، لاسيما أن خصومه وحلفاء خصومه يمسكون بمفاصل مهمة داخل المؤسسة السياسية، ما دفعه للهروب إلى الأمام من خلال إصدار القرار 13 معدل في الخامس عشر من الشهر الماضي، مرضياً بذلك خصومه من جهة، ومتنصلاً من وعوده فيما يخص إعادة هيكلة الائتلاف الوطني وإنهاء الكتل التي لم يعد لها مرجعية – مثل كتلة الحراك الثوري – من جهة ثانية بحجة عدم وجود لجنة عضوية.
قرار إنهاء تكليف أعضاء لجنة العضوية صحيح بناء على قرار الهيئة العامة رقم 3/52 الصادر بتاريخ 13 أيلول 2020 بأن يكون الأعضاء من الهيئة العامة وليس السياسية، بيد أن مضمون المادة الأولى من القرار استهدف اللجنة وليس أعضاءها عندما جاء فيها “تحل لجنة العضوية، ويسلم أرشيفها وما تسلمته من أرشيف اللجان السابقة إلى الأمانة العامة للائتلاف أصولاً” وفي مثل تلك الحالات يجب تعيين لجنة تسيير أعمال أو تكليف اللجنة السابقة بتسيير أعمالها ريثما يتم انتخاب لجنة جديدة، وليس التعطيل التام لتلك اللجنة، وبالتالي تعطيل أي عملية إصلاحية، وهذا غيض من فيض، قرارات تصب في خانة إرضاء الخصوم واللعب على حبال الاستقطابات.
خيبة أمل أبناء الثورة في ممثليهم السياسيين لم تولد من فراغ، بل كانت نتيجة تراكمات لمثل تلك الأفعال، فضلاً عن غياب الشفافية التي أدّت لانعدام الثقة، فخلال لقاء جمع بين المنسق العام لهيئة التنسيق “حسن عبد العظيم” ورئيس الائتلاف الوطني السوري “سالم المسلط” في برنامج منتدى دمشق على شاشة تلفزيون سوريا، لم يصارح المسلط شعبه بوجود مشكلة عميقة داخل هيئة المفاوضات، واعتبر مشكلة بهذا الحجم أدت إلى تعطيل المسار السياسي “مشكلة ثانوية” بينما كان حسن عبد العظيم أكثر وضوحاً وشفافية عندما قال: إنّ كتلة المستقلين تعطي كامل أصواتها للائتلاف الوطني وهذا ما خلق مشكلة كبيرة أدّت إلى تعطيل عمل الهيئة.
ماذا لو قال المسلط: توجد أطراف تريد الاستحواذ على كتلة المستقلين لتحقق الثلثين في التصويت على أي قرار، والائتلاف لا يريد تمرير قرارات تتنافى مع ثوابت الثورة، ألم يكن هذا سينعكس إيجاباً على العلاقة بين المؤسسة السياسية والحاضنة الشعبية؟
أخشى ما أخشاه، أن تنهار مؤسسة الائتلاف الوطني نتيجة طريقة تعاطي قيادته مع الملف السوري، ففي الوقت الذي يسعى فيه المجتمع الدولي لتغيير سلوك النظام بدل تغييره شخوصه، على مرأى ومسمع وعلم رأس هرم المؤسسة السياسية للمعارضة السورية، أصبح السوريون ينظرون إلى أنّ الحل السياسي لن يسير بالاتجاه الذي يريدون، إلّا بتغيير المتنفذين في تلك المؤسسة، واستبدالهم بمعارضين غير تقليديين خرجوا من رحم الثورة ويدركون معاناة ثوارها، أو إسقاطها – على الأقل شعبياً – إن لم يتم ذلك.