fbpx

الائتلاف الوطني السوري واستحقاقات المرحلة الجديدة

0 258

لا يمكن للمرء أن يرتدي ذات الثوب في كل الفصول، فلكل فصل من فصول السنة ما يناسبه من ألبسة تتناسب مع طبيعته.

هذا الكلام ينطبق بالضرورة ودون ميكانيكية على بنية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، فليس التغيير بالوجوه والشخصيات كافٍ للقول بتغيّر بنية الائتلاف وطرق تصديه للقضايا التي تخصّ النضال والعمل لتحقيق الانتقال السياسي في البلاد وفق القرارات الدولية ذات الصلة.

لقد طرح الائتلاف الوطني السوري برنامجه الإصلاحي الشامل، وهذا يعني في علم السياسة، إعادة إنتاج بنية الائتلاف منتهية الصلاحية التاريخية، ومنقضية القدرة على التغيير المنشود، هذا البرنامج يحتمل بالضرورة إعادة إنتاج أولى لنظامه الأساسي، الذي ينظم حياته وتفاعله الداخلي، بحيث تتكون البنية الجديدة من قوى فاعلة على الساحتين الشعبية والثورية، وهذا يعني ضخ قوة تفاعل وتغيير كبرى في هذه المؤسسة المعنية بقيادة نضالات وكفاح السوريين من أجل بناء دولة ديمقراطية تعددية عادلة.

وفي موضع آخر، وهذا صار معروفاً للقاصي والداني، أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة محشوٌ ببطالة مقنعة، تسبب هدراً في الأموال، وإعاقة في تنفيذ مهام المكاتب، سيما وأن كثيراً ممن يعملون في كثير من المكاتب الهامة للائتلاف، يمكن أن نسميهم دون إساءة على أنهم قليلو خبرة في عملهم، وهذا شكل من أشكال التعطيل والإعاقة في عمل مؤسسة قيادة الشعب السوري.

كذلك هناك بطالة سياسية في الائتلاف تمثلها شخصيات وقوى ضعيفة التأثير السياسي على الصراع السوري بين قوى الثورة والمعارضة وبين نظام الاستبداد الأسدي، هذه البطالة السياسية تستنزف وقت الائتلاف وتتسبب في هدر أموال لا تخدم سياسة الائتلاف الأساسية، ولهذا ينبغي أن يشمل برنامج الإصلاح الشامل إزاحة هذه المعرقلات السياسية غير ذات الجدوى من الائتلاف.

هذا يتطلب قرارات جريئة ذات محتوى ثوري ولا تقبل التردد أو التمهل، فمثل هؤلاء فرحوا وهللوا لإشعال المظاهرات في الداخل السوري على أساس قراءة تصريحات سياسية لمسؤولين أتراك لم تكن تذهب إلى ما ادعوه هؤلاء المتعيشون على استمرار النزيف السوري وجمود العملية السياسية وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بسوريا.

أمام هذه الحالة، وأمام حالة الانعطاف السياسي، التي ستشهدها القضية السورية، نتيجة أوضاع دولية لا تخدم حتى اللحظة تحقيق الانتقال السياسي في البلاد، يجب وبسرعة وضع أسس تقييم علمية صارمة لعمل موظفي الائتلاف وأعضائه، فالأمر لا يتعلق بأشخاص المقصود استهدافهم، بل يتعلق بتدوير عجلة عمل الائتلاف بصورة ديناميكية فعالة خارج حسابات التصيّد من شخصيات فاشلة، لا تريد نجاح خطط الإصلاح الشامل.

لقد لاحظ مراقبون كثيرون، أن اتخاذ قرارات التغيير على قاعدة الإصلاح لا يزال يشوبها التردد، وسبب هذا التردد هو فعل العطالة، التي يمارسها المتضررون من عملية عودة الائتلاف إلى حاضنتيه الشعبية والثورية، ولذلك ينبغي امتطاء متن اتخاذ قرارات جريئة ومدروسة، تؤدي أهدافاً تخدم السوريين ولا تطيل من عذاباتهم أكثر.

ولنقل بصراحة وشفافية، إن الدعوة إلى هدم مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، ومحاولة بناء مؤسسات جديدة يدعي دعاتها أنها ستلعب دوراً ثورياً ينتصر للثورة وأهدافها، هي دعوة مشبوهة، لأنها ستحرم الشعب السوري الثائر من أطر مؤسساته، التي من المفترض أن تحافظ على ثوابت حقوقه، وهذا ما تفعله قيادات هذه المؤسسات، وفق اتكائها على قرار دولي لا تفرضه القوى الدولية التي أصدرته، ووفق بذلها جهوداً كبيرة لتغيير اتجاه تطور الأحداث لصالح الشعب السوري.

المطلوب إذاً المحافظة بقوة على مؤسسات الثورة (الائتلاف الوطني – هيئة المفاوضات – اللجنة الدستورية – الحكومة المؤقتة) والمقصود بهذا ليس المحافظة على شخصيات أثبتت عبر وجودها في الائتلاف لسنوات طويلة أنها غير قادرة على دفع عملية الحل السياسي عبر حشد الشعب السوري بكل قواها خلف قيادتها، بل المطلوب تجديد بنية الائتلاف وفعاليته وإنهاء البطالة المقنعة فيه، لتتناسب مع المنعطفات السياسية الدولية الحالية، ومع تبدلات موازين القوى للدول المنخرطة بالصراع السوري.

إنها دعوة لاختصار زمن عذابات السوريين وتشردهم، والتضييق عليهم في كل مكان، إنها ضرورة تاريخية لا مفر منها، وهذه الدعوة معنية بها قيادة الائتلاف التي تتسنّم قيادته شخصيات منتخبة وفق أنظمة المؤسسة الأساسية.

السوريون وعُدوا بالإصلاح الشامل لبنية وسياسة وطرق عمل الائتلاف، وهذا يحتاج برنامجاً زمنياً، لا ينبغي أن تستطيل أرجله وأذرعه، سيما وأن في الائتلاف قيادات شابة، وأخرى ذات خبرات في اختصاصاتها، ولكن وللأسف الشديد لا تزال مكاتب الائتلاف تعمل وفق نسق عمل قديم لا يستجيب لتطورات المرحلة.

السوريون يطالبون رئيس الائتلاف ونوابه وفريقه الإصلاحي، بتنفيذ برنامج الإصلاح بصورة ديناميكية فعّالة، وهذه العملية إذا ما تمّت سُتخرس كثيراً من أبواق التشكيك والتآمر على إنجاز تنفيذ القرار الدولي رقم 2254 بواسطة ضغط شعبي وثوري يكون الائتلاف قد استعاده عبر علاقات ثقة متبادلة، وليس عبر علاقات وصاية وفوقية لا تنتج سوى الخيبات.

الإصلاح الشامل يقتضي غربلة الائتلاف من العطالة والبطالة المقنعة، التي استخدمتها شخصيات من قبل، من أجل بقاء سيطرتها وهيمنتها على مؤسسة قيادة الشعب السوري.

هذه مهام للتنفيذ العاجل يقول السوريون، ويتظاهرون ويعتصمون من أجل تحقيق هذه الأهداف، ولا نشك للحظة، بأن فريق الإصلاح يملك خارطة طريقة تذهب بالائتلاف إلى غاياته الوطنية بالخلاص من نظام الاستبداد والقهر وبؤر الفساد في كل الاتجاهات.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني