fbpx

الإنصاف الحقّ الضائع بين الوهم والخذلان

0 214

انتشر بالأمس واسعاً خبر قيام منظمّات التّحالف الأميركي لأجل سورية بدعم طرح مشروع قرار من قبل مجلسِ النوّاب الأميركيّ ٍ يدعو إلى إنشاءِ محكمةٍ دوليّةٍ خاصّة لمحاكمة نظام ‫الأسد على جرائم الحربِ والجرائمِ ضدَّ الإنسانيّة التي اقترفها بحقّ الشّعبِ السوري، وذلك عن طريقِ إنشاء آليّةٍ قضائيّةٍ دوليّةٍ مختصّةٍ بسورية عن طريق الجمعيّةِ العموميّةِ للأممِ المتّحدة للتحايل على روسيا والصين باستخدامهما حقّ.

بداية لا يسعنا إلّا أن نُقدِّر ونُثمِّن أي جهد يصبّ في صالح الثورة السوريّة وإنصاف الشعب السوري وعليه فإننا نتقدم بالتحيّة للسادة في التحالف الأمريكي لأجل سورية على جهودهم.

ولأهميّة هذا الموضوع وحساسيّته بالنسبة للسوريين وخاصة أولياء الدم والحقوق الذين أرهقتهم السنين وأثقل كاهلهم التخاذل الدوليّ الأمر الذي جعلهم غارقون في دوّامة الإحباط واليأس لتأتي مثل هذه الأخبار لتشكِّل بارقة أمل لتحقيق العدالة وإنصافهم، وخطورة هذه الأخبار تأتي من خلال عدم معرفة طبيعتها ولا مدلولاتها ولا أهدافها ولا حجمها الحقيقي، فتُبنى الآمال على الوهم، وينفخها الجاهلون أو المُضلِّلون بقصدٍ أو بغير قصد فيعيش هؤلاء الضحايا على آمال كبيرة قد لا تتحقق مما يجعل الخيبات قاسية ومدمِّرة، فكان لِزاماً علينا توضيح بعض الأمور الغائبة عن البعض وتفنيد المغالطات التي استنبطها البعض الآخر وعمّمها وبيان حقيقة أحكام العدالة الدوليّة، وأنواع وطرق تشكيل المحاكم الجنائيّة الدوليّة.

إن حق التمتّع بحماية القانون وحق التقاضي والوصول للعدالة والإنصاف الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون من أهم الحقوق التي ضمِنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، وعند انتهاك هذه الحقوق على نطاق واسع من قبل الحكومات ينتقل واجب حمايتها وتعزيزها للأمم المتحدة باعتبارها المؤتمنة على حقوق الإنسان وحمايته.

لمحة تاريخيّة عن المحاكم الجنائيّة الدوليّة: كانت العدالة الجنائيّة الدوليّة فيما قبل سنة 1998 تقوم على تشكيل محاكم عسكريّة خاصة وهي محكمة” نورنمبرغ” التي أنشئت في سنة 1945 لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان، ومحكمة” طوكيو” التي أنشئت أيضاً في نفس العام لمحاكمة مجرمي الحرب في الشرق الأقصى.

ثم تطوّرت من خلال إنشاء المحاكم الجنائية الدولية الخاصة بناًءا على قرارات مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع لتُحاكم مجرمي الحرب والمجرمين ضد الإنسانيّة في مناطق محدّدة ومنها: محكمة يوغسلافيا في سنة 1993 ومحكمة رواندا في سنة 1994.

ثم ظهرت المحاكم الجنائية الخاصة ذات الطابع الدولي والتي تُنشأ بقرار من مجلس الأمن الدوليّ بناءً على اتفاق بين حكومات الدول وبين الأمم المتحدة ومنها: محكمة تيمور الشرقية سنة 1999 ومحكمة سيراليون سنة 2000 ومحكمة كمبوديا سنة 2003، محكمة لبنان سنة 2007

وفي سنة 1998 كان الاتفاق بين عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على إنشاء محكمة جنائيّة دوليّة “دائمة ” مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره فكانت “المحكمة الجنائيّة الدوليّة” التي تم إنشاؤها بموجب نظام روما الأساسي لها الذي دخل حيّز النفاذ بتاريخ /01/06/ 2001/ وفقا للمادة “126”منه والتي أصبحت المرجع القضائي الجنائي الوحيد للأمم المتحدة لتحقيق العدالة الجنائيّة الدوليّة بدليل النصوص التالية من نظام المحكمة:

•       في الديباجة : إذ تضع في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة وإذ تسلم بأن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم وإذ تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي وقد عقدت العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم وإذ تذكر بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية وإذ تؤكد من جديد مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.. وقد عقدت العزم، من أجل بلوغ هذه الغايات ولصالح الأجيال الحالية والمقبلة على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره وإذ تؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية وتصميما منها على ضمان الاحترام الدائم لتحقيق العدالة الدولية.

•       الفقرة “ب” من المادة “13” منه التي تنصّ: إذا أحال مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.

•       مشاركة الأمم المتحدة في نفقات المحكمة التي نصّت عليها الفقرة “ب” من المادة “115” تغطى نفقات المحكمة وجمعية الدول الأطراف، بما في ذلك مكتبها وهيئاتها الفرعية، المحددة في الميزانية التي تقررها جمعية الدول الأطراف، من المصادر التالية: “….. الأموال المقدمة من الأمم المتحدة رهنا بموافقة الجمعية العامة وبخاصة فيما يتصل بالنفقات المتكبدة نتيجة للإحالات من مجلس الأمن”.

•       اعتماد محكمة العدل الدوليّة مرجعيّة قانونيّة لتسويّة النزاعات حول تفسير وتطبيق نظام المحكمة كما نصّت المادة 119 منه: “……. ويجوز للجمعية “جمعية الدول الأطراف” أن تسعى هي ذاتها إلى تسوية النزاع أو أن تتخذ توصيات بشأن أية وسائل أخرى لتسوية النزاع، بما في ذلك إحالته إلى محكمة العدل الدولية وفقا للنظام الأساسي لتلك المحكمة.

•       الأمم المتحدة هي مرجع إيداع صكوك التصديق أو الموافقة أو القبول على/بـ نظام المحكمة وفقاً لنص المادة 125 منه: يخضع هذا النظام الأساسي للتصديق أو القبول أو الموافقة من جانب الدول الموقعة. وتودع صكوك التصديق أو القبول أو الموافقة لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

المبادئ الأساسيّة للعدالة الدوليّة:

•       لا جريمة إلا بنص: لا يسأل الشخص جنائيا بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يشكل السلوك المعنى، وقت وقوعه، جريمة تدخل في اختصاص المحكمة.

•       لا عقوبة إلا بنص: أي شخص يرتكب عملاً يشكل جريمة بموجب القانون الدولي يكون مسئولاً عن ذلك ويكون عرضة للعقوبة.

•       المسؤولية لا تتوقّف على “ازدواجية التجريم” أي أن عدم تجريم الفعل في القانون الوطني لا يعفي الفاعل من المسؤوليّة عنه إذا كان هذا الفعل يشكل جريمة بموجب القانون الدولي.

•       عدم رجعية الأثر على الأشخاص: لا يسأل الشخص جنائيا بموجب هذا النظام الأساسي عن سلوك سابق لبدء نفاذ النظام.

•       المسؤولية الجنائية الفردية: يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين “حكومات، تنظيمات، مؤسسات…” الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسؤولا عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقا لهذا النظام الأساسي.

•       عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين.

•       عدم الاعتداد بالصفة الرسمية: يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية. وبوجه خاص، فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسا لدولة أو حكومة أو عضوا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبا أو موظفا حكوميا، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل، في حد ذاتها، سببا لتخفيف العقوبة.

•       لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي، دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.

•       مسؤولية القادة والرؤساء الآخرين: يكون القائد العسكري أو الشخص القائم فعلا بأعمال القائد العسكري مسؤولا مسؤولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين، أو تخضع لسلطته وسيطرته الفعليتين، حسب الحالة، نتيجة لعدم ممارسة القائد العسكري أو الشخص سيطرته على هذه القوات ممارسة سليمة.

•       عدم سقوط الجرائم بالتقادم: لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أيا كانت أحكامه.

بناءً على ما سبق يمكننا القول:

الأصل في العدالة الجنائيّة الدوليّة بعد إنشاء المحكمة الجنائيّة الدوليّة محصور بها إذا كانت الإحالة من قِبل مجلس الأمن أو من قِبل الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في حال تم تعطيل عمل “مجلس الأمن” وتكون سلطة الجمعيّة العامة في هذه الحالة استناداً الى القرار”377 ” لسنة 1950 المعروف بقرار الإتحاد من أجل السلام.

المحاكم الجنائيّة الدوليّة المختلطة: وهي المحاكم التي تنشئها الأمم المتحدة بموجب اتفاقيات تبرمها مع الدول التي يحصل فيها.

وبما أنّ خيار تشكيل محكمة جنائيّة مُختلطة مستحيل لأنّه يحتاج لإبرام الاتفاقيّة وجود حكومة شرعيّة وهذه الشرعيّة للأسف لم ينزعها المجتمع الدوليّ عن نظام أسد المجرم حتى اليوم الأمر الذي يُمكن معه فهم أبعاد مشروع قرار مجلس النواب الأمريكي بأنه محاولة لإلزام الإدارة الامريكيّة باتخاذ الإجراءات القانونيّة الدوليّة المُتاحة لتطبيق العدالة الدوليّة والدعوة لإحالة ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة التي يرتكبها نظام أسد وحلفاؤه في سوريّة إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة عبر استخدام نفوذها وسطوتها على دول العالم لحشد الأغلبيّة المطلوبة لتفعيل قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدّة “متحدّون من أجل السلام ” واستخدام صلاحيات مجلس الأمن تحت الفصل السابع في فرض الإجراءات المشار إليها في قراري مجلس الأمن الدوليّين رقم “2118” لسنة 2013 و”2209″ لسنة 2015 وإحالة ملف استخدام السلاح الكيميائي الذي ثبت استخدامه من قبل نظام أسد بموجب تقارير فريق تحديد الهويّة التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائيّة، هذا الملف الذي يُمكن أن يكون البوابّة الأكثر جديّة في بدء التحقيق في جرائم الحرب الأخرى ما إن يتم قبول الإحالة والزام المُدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدولية بفتح التحقيق بها.

وأعتقد وهذا رأيي الذي يحتمل الصحة والخطأ بأنه يُمكن الاستفادة من الدعوى التي أقامتها كلّا من كندا وهولاندا على النظام السوريّ أمام محكمة العدل الدوليّة بتقديم الولايات المتحدة الأمريكيّة أو أية دولة أخرى طلب تدخّل في الدعوى استناداً للمادة “81” من اللائحة التنظيميّة للمحكمة تطلب منها إصدار قرار أوليّ أو فتوى من المحكمة باعتبار أنّ روسيا طرف في نزاع داخليّ مُسلّح وشريك أساسي في انتهاك الاتفاقيّات والمعاهدات الدوليّة وشريك في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة في سورية وأنّ تدخلّها من قبيل العدوان تأسيسياً على قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدّة رقم “3314” لسنة 1974 الذي يعتبر التدخّل في حرب أهليّة أو نزاع داخليّ من قبيل العدوان حتى لو كان بطلب من السلطة الحاكمة إذا كان التدخل عبر تقديم السلاح والعتاد والتدريب أو ارسال المرتزقة أو تشكيل ميليشيات شبه عسكريّة في منظفة النزاع. مع العلم أن غزوها لسورية يشبه العزو السوفياتي لدولة المجر في سنة 1956 لإنقاذ النظام الشيوعي الحليف من انتفاضة الطلاب الوطنيّين التي نجحت بتنصيب “”ناجي إيمري” رئيساُ للحكومة والتي تمكن الاتحاد السوفياتي بالقضاء عليها بالقوة وتنصيب ” يانوسي كادرا” خلفاً له.

وهذه الفتوى أو القرار يمكن البناء عليهما في تعطيل حق روسيا في التصويت على كل قضيّة تمسّ الشأن السوري سواءً في الجمعيّة العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان وباقي المنظمات الدوليّة تفعيلا لنصّ الفقرة “3” من المادة “27” من ميثاق الأمم المتحدّة التي تنصّ على : تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني