fbpx

احتجاجات عام2011 بين الواقع والأخونة

2 340

احتجاجات عام2011 بين الواقع والأخونة 

(رؤية الحزب الشيوعي السوري) 

لا تزال أسباب الاحتجاجات الشعبية السورية عام 2011 محط جدال ونقاش، فهل جاءت عفوية أم إنها أتت بدفع من أطراف خارجية أو داخلية بفعل بعض الأحزاب التي لها مظلومية محددة لهذا الحزب السياسي أو ذاك؟! وفي هذا المجال يمكن العودة إلى سياسة الحزب الشيوعي السوري قبيل أحداث العام 2011 وخلال بداياتها وهو الحزب المتحالف مع النظام السوري تحالفاً له رسوخ الأبدية..! ولا يتسع المجال الآن للدخول في تفاصيل بقائه كل ذلك الزمن الطويل..! ومع ذلك فقد دعم الاحتجاجات مباشرة، وعرض أسبابها الاقتصادية، والاجتماعية ومجمل السياسيات الداخلية وقدم مقترحات موضوعية لتجاوزها، إضافة إلى تأييده السابق لانتفاضات تونس ومصر وليبيا التي فلسف أسبابها ودعمها بقوة، ومما كتَبَتْه جريدة النور عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان التي جرت فيها هبات شعبية ملمحة إلى سورية بأن “لا أحد فوق رأسه خيمة في المنطقة العربية” وكذلك: “لا نريد لهذا الوطن أن يكون مزرعة لأحد” و(العبارتان لكاتب هذه الأسطر في زاويته الأسبوعية “أبيض على أسود” أوائل نيسان 2011) فمعظم تلك البلدان لديها من الأسباب ما يستدعي قيام ثورات عميقة منذ زمن بعيد، لو أنّ لديها هامشاً ديمقراطياً يسمح بذلك، إنَّ تلك الاحتجاجات وبحسب سياسية الحزب الشيوعي السوري يفترض أن تكون متوقعة وفق طروحاته.. فما كان يقوله ويناقشه في تحليله للوقائع الاقتصادية والمعيشية اليومية يشي بذلك.. صحيح أنه لم يكن ليقترب من النواحي السياسية التي يؤيدها بالمطلق إلى درجة أنَّ عبارة خالد بكداش صارت على لسان كوادر الحزب الرئيسة دفعاً لروح التململ التي أخذت تظهر لدى قواعد الحزب، منذ بداية التحالف، وأخذت تتحول مع الزمن إلى تذمر واضح من الواقع السوري شديد السوء في عمومه: “لو كنا ننطلق من الأوضاع الداخلية لكنَّا في المعارضة حتماً” صحيح أن هذه العبارة قد تحمل في طياتها نوعاً من الضغط على النظام لمراجعة سياسته الداخلية ومعالجة ظواهر التخريب الذي تقوم به البرجوازيتان: الطفيلية والبيروقراطية، وتضافرهما في نهب الدولة والشعب معاً بحسب أدبيات الحزب نفسه، لكن عبارة خالد بكداش في الجوهر تطمئن النظام إذ يقول مضمونها إن الحزب لن يقوم بأية حركة غير الكلام احتجاجاً على الأوضاع الداخلية..!

ورغم ذلك أقول قد لا تكون الاحتجاجات التي حصلت عفوية فقد كان المناخ العام في المنطقة العربية يطالب بالتغيير الذي غدا ضرورة ملحة، ولا شك في أن بعض الأحزاب (الإخوان المسلمين مثلاً) لديهم مظلومية في رقبة النظام إذ أُخِذوا كحزب ثم كمجتمع بجريرة ما عرف بالطليعة المقاتلة (جماعة مروان حديد) التي ارتكبت أفعال عنف دونما أسباب وطنية توجب تلك الأفعال إذ لم يكن ثمة تضييق على نشاطهم غير المحظور أصلاً.. وخصوصاً أنَّ منابرهم (المساجد) مفتوحة دائماً للعامة، فلا أحد يستطيع التمييز بدقة بين دعاويهم “للجماعة” وبين تلك التي تخص الدين! وقد تكون تلك الطليعة قد تشكلت انتقاماً لحادثة جامع السلطان عام 1965 الذي اقتحمه الجيش بقيادة أمين الحافظ رئيس الدولة آنذاك.. وعادت تلك المجموعة لترتكب اغتيالات عشوائية على أساس طائفي في أواخر السبعينيات اختتمت بجريمة مدرسة المدفعية في أكتوبر 1979 التي راح ضحيتها عشرات طلاب الضباط من الطائفة العلوية.. وجاء رد السلطة الوحشي بعد ثلاث سنوات في شباط 1982 متجاوزاً الإخوان إلى المجتمع السوري ككل، فجرى قتل على الهوية في عدد من المدن السورية (حلب وإدلب…) وكانت مجزرة حماه الأبشع في توحشها وإجرامها إذ ذهب الآلاف من أبنائها..!

ما أريد قوله إن جوهر المشكلة لم يكن في عفوية الاحتجاجات الشعبية أو في غيرها بل في وجود الأرضية الموضوعية للتمرد والاحتجاج.. ويمكن إيجازها بعناوين رئيسة: إفشال القطاع العام ونهبه، توقف التنمية بسبب طغيان نفوذ البرجوازيتين الطفيلية والبيروقراطية، وتفشي الفساد في الدوائر العليا للنظام.. وهذا ما أظهرته صراعات الأسد/مخلوف في الفترة الأخيرة، إضافة إلى التوغل الأمني، وإرهابه المواطنين وابتزازه لهم، والتمييز بين السوريين الذي تجاوز الحال الطائفية وصولاً إلى ابن الريف وابن المدينة، (وهذه مسألة خطيرة وتمس جوهر بناء الدولة) إضافة إلى رفع شعارات فضفاضة دون توفير شروطها الموضوعية.. 

وإذا كان الحزب الشيوعي السوري نموذجنا في هذا المجال فلابد من الإشارة إلى أنه كان دائم الحديث عن تلك السلبيات بل إنه كان يربط بين استفحالها والموقف الوطني لسورية.. ولدى وقوع الفأس بالرأس كما يقال.

اقترح الحزب عقد مؤتمر وطني يساهم فيه السوريون كافة لمناقشة أوضاعهم والأسباب الحقيقية للانتفاضة، وسبل حلها دون إراقة قطرة دم.. وتحدثت كلمة لشاب شيوعي من منظمة اتحاد الشباب الديمقراطي ألقيت في لجنة الحوار العليا بهذه الأمور وكان لها وقعها المخيف لصراحتها وحرارتها ووضعها النقاط على الحروف بما لا يسر النظام وأزلامه المتطفلين على فضلاته.. فكانت مع غيرها من بعض كلمات أعضاء اللجنة الأخرين سبباً لتجعل بعض أزلام النظام كـ: عمار ساعاتي عميل الأجهزة ورئيس اتحاد الطلبة، وبثينة شعبان التي قالت منذ فترة ليست بعيدة بأن الاقتصاد السوري اليوم أفضل مما كان عليه قبل العام 2011 وآخرين يقلبون طاولة الحوار التي يقودها نائب رئيس الجمهورية وزير الخارجية آنذاك.. واللجوء إلى الحل الأمني الذي كان قد حُضِّر له مسبقاً وهكذا جاء قتل المتظاهرين حلاً وحيداً ليقود في النهاية إلى تدمير سورية بالكامل ولعل سرَّ تصفية خلية الأزمة يكمن في هذا الجانب، إذ كان أفرادها قد زاروا العديد من المحافظات السورية والتقوا بنخب من المواطنين ومنهم رفاق شيوعيون ليؤكدوا أن الخلاف في معالجة الأزمة السورية يعود إلى ما يعانيه الشعب السوري.. لكن الحزب في النهاية ورغم كل ما قاله وعبأ به قواعده على مدى أربعين عاماً عاد وربط الاحتجاجات كلها بحزب الإخوان المسلمين متناسياً موقفه عام 1980 في بيانه الشهير الذي حُرِمَ بموجبه من الوجود في الهيئات الجبهوية. إذ تعدى التصدي لفصيل الإخوان المسلح بالتجاوز على المجتمع كله..! ومما قاله الحزب في ذلك البيان: قد “تيتمت أطفال وترملت نساء وكان يمكن أن تعالج الأمور بأسلوب آخر..” وفي الأشهر الأخيرة يتضح من خلال صراع الأسد ومخلوف أن البرجوزيتين: البيروقراطية والطفيلية هما اللتان تحكمان سورية لا العمال ولا الفلاحين ولا الجبهة الوطنية التقدمية ولا النظام الوطني الذي وضع الحزب الشيوعي مسيرته الوطنية والاجتماعية على مذبح هزائم العسكر الوطنية ولصوص البعث ومرتزقته..! 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

2 التعليقات
  1. جبر الشزفي says

    صديقي ورفيق الأمس البعيد كل ما كتبته صحيح ولكن المشكلة كانت دائماً بتمرير الطغمة البيروقراطية الفاسدة والمستبدة بحجة الخارج ولم وكان يجب تحليل بنية النظام وربط الفساد والاستبداد باللاوطنية بدلاً من الممالئة والنفاق السياسي الذي كنا نمارس في النقد لنعطي شهادة حسن سلوك وطنية للنظام

    1. محمود الوهب says

      نعم صحيح وربما غاية المقالة ما ذكرته حين الإشارة إلى مقولة خالد بكداش وتحديد مضمونها.. شكراً لمرورك أبو برهان..

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني