fbpx

ائتلاف قوى الثورة والمعارضة.. وأكذوبة الإصلاح البنيوي

1 830

الحديث عن الإصلاح البنيوي يقود بالضرورة إلى الحديث عن مفهوم البنية، فهذا المفهوم له تعريفات عديدة ومختلفة باختلاف المنهج الذي يتناولها، ولعل مفهوم البنية عند “ليفي شتراوس” هو الأقرب إلى تحديد ماهية البنيوية وطرق مقاربتها.

لكننا هنا سنلجأ إلى القول، إن الإصلاح البنيوي يقوم على اتحاد مفهومين لتحقيق دلالة جديدة تختلف عن تعريفين يضمهما هذا المفهوم، فالإصلاح، يعني أن ثمة مساراً خاطئاً، لا يخدم الهدف المحدد، الذي نشأت على قاعدته البنية المعنية، أما البنيوي، فالمقصود هنا هو البنية التي يقصدها الإصلاح وهي بالتالي ذات أنساقٍ تعطّل مسار البنية الصحيح، نتيجة عدم اتساقها مع أجزاء البنية الأخرى.

وفق هذه المقدمة، يمكننا قياس مدى صحة إطلاق مفهوم الإصلاح على إجراءاتٍ، لا يبدو أنها ستغيّر من نتائج عمل البنية القائمة، فحين تتحدث عن الإصلاح، فالمقصود من ذلك تصحيح الأخطاء الواقعة، لضمان عمل البنية المقصودة.

فهل ما جرى في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة من تغييرات، يمكن أن نسميها “إصلاحاً”؟ وهل ستظهر نتائج هذه التغييرات على صعيد عمل البنية وأنساقها، بما يخدم الهدف من وجودها الحقيقي؟.

إن تجربة الائتلاف الممتدة لعشرة أعوام لا تنبئ بهذا الاتجاه، فالائتلاف كبنية سياسية، تم تسميتها فرضاً بأنها التمثيل السياسي لقوى الثورة والمعارضة من قبل قوى إقليمية ودولية، كانت تريد أقلمة حراك قوى الثورة، بما يتناسب مع مصالحها وأجنداتها، من خلال الدفع نحو حلٍ سياسي، لا يتوافق جدياً مع مطالب الثورة، ولا يمكن موازنته حيال حجم التضحيات، التي قدمها الشعب السوري على مذبح إزالة النظام الاستبدادي، وبناء دولة المؤسسات الديمقراطية، دولة المواطنة الحقيقية.

فلو عدنا إلى بنية الائتلاف، هل يمكننا القول، إن بنية هذه المؤسسة تمثّل المكونات الوطنية والسياسية السورية؟ وهل هناك من يثبت أن بنية مغلقة على نفسها، تعمد من حين إلى آخر إلى نقل طرابيش أعضائها فيما بينهم، دون تقييم فعاليتهم، وفعالية المؤسسة ككل، وتكون قادرة على قيادة عمل قوى الثورة والمعارضة؟ وهل يوجد قيادة تنهض بدورين لا يمكن الجمع بينهما من خلال مؤسسة ديمقراطية، ونقصد التشريع وقيادة العمل السياسي باسم الثورة وهل حقاً أن هناك آليات عمل ديمقراطية، تتعلق ببناء هذه البنية، وطريقة عملها والحصاد المرتجى منها؟.

الإجابة واضحة، ولا تحتاج إلى كبير جهد لإثبات فشل عمل هذه المؤسسة، وفق بنيتها القائمة، فهذه البنية، لا تستند على أرضية شعبية هي من أنتجتها، بل على توافقات إقليمية ودولية، صمّمت هذه البنية ذات التعطيل الذاتي لنفسها ومن تمثّله.

هناك من يقول ويجاهر ويدافع عن بنية هذه المؤسسة وكأنها قدر فرضه الله على الناس، في وقت هي مؤسسة غير فاعلة على صعيد الحشد الشعبي خلفها، وغير فاعلة على صعيد قيادة الفصائل العسكرية سياسياً، التي تشكلت وفق ظروف كل فصيل ومنطقته الجغرافية والجهة الممولة له.

لهذا فالإصلاح بمفهومه الحقيقي هو بعيد كل البعد عن الإجراءات التي تمت، هذه الإجراءات تحاول أن تتلاقى مع التغيرات المستمرة في دور وفعالية القوى المنخرطة بالصراع على سوريا وفيها.

وكي يتحقق هذا الإصلاح المنشود، ينبغي التفكير جدياً بوضع مرجعية فوق كل مؤسسات المعارضة، تكون على صورة برلمان وطني مؤقت، له صلاحيات محاسبة مؤسسة الائتلاف والحكومة المؤقتة والفصائل العسكرية المنضوية تحت مسمى الجيش الوطني، هذا البرلمان الوطني المؤقت، يجب بالضرورة، أن يشمل كل مكونات السوريين الاجتماعية والسياسية، ويكون هو المسؤول عن مراقبة دفة إدارة الصراع مع النظام الاستبدادي وحلفه، وهو المسؤول عن تثبيت الحكومة المؤقتة وعزلها ومحاسبة أي انتهاك يرتكبه أحد أعضائها.

إن توزيع بيانات باسم ائتلاف قوى الثورة والمعارضة تحت مسمى تيار الإصلاح، إنما هو ذر للرماد في العيون، فهؤلاء الذين يدعون أنهم تيار إصلاح، هم ذاتهم من عطّل تطوير بنية الائتلاف دفاعاً عن مصالحهم الضيقة، وتشبهاً بأسلوب نظام الاستبداد بتدوير المراكز القيادية بين الولاءات وليس بين الكفاءات.

ما جرى في الائتلاف لا يمكن تسميته إصلاحاً، يمكن تسميته تغييراً في أجزاء هامشية من بنية مؤسسة الائتلاف، وهذا الذي جرى هو صراع بين تكتلات تريد تقوية مراكزها من خلال فرصة ذهبية سمحت بها الظروف الإقليمية والدولية، وتحديداً انشغال العالم بالعدوان الروسي على أوكرانيا، وما أحدثه من تعطيل سياسي للملف السوري.

إن مؤسسة الائتلاف صرفت كثيراً من الأموال، كرواتب لمكتبها الإعلامي المشكل من محاصصات بين أعضائها الفاعلين وكتلهم السياسية، دون أن تجد لدى هذا المكتب استراتيجية عمل إعلامي احترافية، يستطيع من خلالها التأثير الحقيقي على حاضنة الثورة وحشدها، وعلى حاضنة النظام وبث الشكوك فيها، حيال سلوك النظام الفاشل في إخراجها من مأزق جوعها وعوزها وامتهان كرامتها، كذلك، عدم وجود خطاب إعلامي، يؤثر على من يطلقون على أنفسهم أصدقاء سوريا.

هذه المؤسسة، كي يصطلح أمرها، وتحتل موقع قيادة حراك الثورة سياسياً أو اجتماعياً، عليها أن تجدد نفسها، وتطيح وفق نظام أساسي جديد وديمقراطي فاعل بشخصياتها الفاشلة، احتلت مشهد الصدارة فيها منذ تأسيس الائتلاف كخلف للمجلس الوطني.

هذه المؤسسة، وبكل أسف، تحولت لدى أعضاء كثيرين فيها إلى مصدر ارتزاق وظيفي، فهم عالة على العمل الثوري والسياسي، والدليل القاطع نتاجهم الفاشل خلال عشرة أعوام انقضت.

إذا لم تلتغ من مؤسسة الائتلاف حالة التعطيل والارتزاق وعدم المحاسبة، فالمنتظر من الشعب السوري صاحب الثورة والتضحيات أن يجد طريقة سلمية ديمقراطية في عزل هذه الشخصيات المعيقة وتطوير عمل إطار الائتلاف وعدم نسفه، ووضع آلية تجديده بشكل مستمر.

فهل سيكتشف السوريون وسائل لتغيير هذا الفشل السياسي المريع؟ ننتظر لعل ذلك يحدث وتنتهي حالات التفشيل والفشل.

1 تعليق
  1. محاسن الكبيسي says

    )وماظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون )
    مع في كل كلمة قلتها 👍👍👍

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني