fbpx

إنها الساعة

0 1٬061

كتب أحد العلماء والباحثين السوريين، على صفحته عبارة مقتضبة “إنها الساعة!؟”، إلا أن العبارة سرعان اختفت فيما بعد، كما علمت من صفحته ذاتها، ويبدو أن سبب ذلك – من وجهة نظري مع أن بيني والرجل علاقة ولم أسأله – هو أن هناك من وجه إليه ملاحظة، سواء أكان شخصاً أم جهة، ليختفي ذلك المنشور الذي جاء بمثابة جرس الإنذار المفزع، من لدن رجل دين، وازن، في هذه اللحظة التاريخية المرعبة التي يعيشها العالم أجمع، ولأول مرة في تاريخ البشرية كاملة. وإذا كان لِما يصدر عن رجل الدين العالم حضوره المؤثر، في نفوس من حوله، ومتابعيه، لاسيما إذا كان ممن يمتازون بالعقلانية، ولا يصدرون أحكامهم عبثاً، فإن الاستشعار بخطورة ما وصلنا إليه، يبلغ مداه الأقصى، في ظل وجود أدوات الخوف الحقيقي.

لقد وصل العالم، بسبب سياسات أنظمة الشر والفساد إلى حافة الهاوية الأخلاقية، بل إلى عمقها السحيق، قبل أن يكاد يصل كما هو الآن – إلى حافة هاوية الوجود على مسرح الحياة – في ظل إعياء العلم. إعياء العقل الإنساني، إلى الآن، في إيجاد عامل الطمأنينة. عامل التوازن. التوازن الذي يكفل ديمومة الحياة، وسط كل ما يتهددها، بعد أن أصبحت حياة البشر كلهم تحت رحمة ضغطة زر لضابط، أو قائد متهورين، وهوما كتبت – بدوري عنه – قبل ربع قرن، وأزيد، وبهذه اللغة تحديداً.

لم يبلغ الإنسان حالة القنوط واليأس، وانعدام الأمل، كما هو حاله الآن، وهو كلام لم نأت به من خيالنا، أو من شاعرية أو أوهام أحد، وإنما استسلام رئيس حكومة بلد عرف بعمقه الحضاري منذ آلاف السنين، بأنه قال وفي عينيه الدموع: انتهت حلول الأرض والأمر متروك لإرادة السماء، أو قول آخر: عليكم أن تتعلموا اعتياد فقد أحبتكم، أو مقولة أخرى لرئيس آخر: سيصاب كذا مليون في بلدنا بداء كورونا، بل خضوع رؤساء وقادة دول عظمى: أمريكا – ألمانيا – بابا الفاتيكان.. إلخ، لاختبارات هذا الداء، وانتظارهم ساعات القلق لمعرفة حالاتهم. إنه أمر يدعو إلى الرعب، حتى وإن كان من بيننا من يروج لمقولات كـ:

أرقام ضحايا الكورونا المعلنة هي أرقام الموتى يومياً في هذا البلد أو ذاك وهي ضمن معدلها الطبيعي، ليجعلوا من أنفسهم خلفاء عزرائيل، وعلماء وباحثو ومدراء مراكز الإحصاءات والبحوث عالمياً!!!

إن البلدان التي تعلن مثل هذه الأرقام لا تفعل ذلك، تحت أي دافع آخر، لأنه ما من حالة مثل هذه الحالات إلا وتخضع، قبل وبعد وفاتها، للفحوص، والتحاليل، والكشوف اللازمة، والتي توثق في مصنفات ما، تحت طائلة المسؤولية العظمى، وفي هذا ما يدحض أي تشكيك في هذا السياق، بل إن ترويج مقولات من هذا القبيل: التقليل من شأن هذه الجائحة الكونية يلحق الضرر بالآخرين من حولنا، إذ بات بعضهم يكرر هذه المقولة غير المسؤولة، والتي هي نتاج تفكير متسطح، ينطلق من فكرة: أنا لا أرى الفيروس، إذا الفيروس كذبة!

لما يكتبه الكاتب علاقة وثيقة بالزمن، بالساعة، الحبر الذي يتاح له أن يتفاعل مع قرائه: أبيض كان، أم أزرق، أو أسود، أم أخضر.. أم أحمر وسواه، يتاح له أن يحقق لنفسه – بروفايله – في سجل إبداء الرأي، قبل أن يمحى، بعد أن تتوالد أشباهه التالية التي تتناوله، وتجعل التالي مكرراً. هذه النقطة، تحديداً، يدركها العامل في حقول الكتابة والنشر، والمتابع الدقيق، أكثر من سواهما، وهو ما عزز لجوئي للانطلاق من هذا العنوان، لأكثر من غرض بثثته في هذا الشريط اللغوي.

انسداد آفاق النشر، في مواقع مقروءة، على رحابتها، أمام حملة الأقلام الأبية – وإن كان في الإمكان أن ننشر ما نريد في صفحاتنا على (الفيس بوك) أو حتى إطلاق أحدنا موقعاً إلكترونياً خاصاً به اليوم لا غداً – بل إن لي – مثلاً – صفحتي الفرعية في موقع الحوار المتمدن، جعلني أحسُّ بخيبة أمل، أحياناً، تجاه تهافت الناس تحت وطأة حاجاتهم، وسقوط كثيرين، إذ أشرت في مقالات لي إلى بعض الظواهر في عالم هذه الطفرة الآفية، قبل أسابيع، وها هي تفقد جدواها، وقد كتب لي صديق محرر موقع ممول: أخي إبراهيم، بعض الأفكار التي يتضمنها مقالك غدت قديمة، ليتك تحذفها، وتعيد إرسالها إلي، فرددت عليه: انظر إلى تاريخ استلامك للمقال!

 

ولربما مقالي ذاك ذهب في اتجاه آخر، أو ركز في اتجاه آخر – وهو فكرة توجهت إليها في عمل لي – بين يدي – و هو تصوير العالم في نقطة صفر مقبلة وهي خالية من الناس، أو مستضيفة لكائنات أخرى، بما يشبه الخيال العلمي، بعد استعراض قصص وحكايات يومية: الحب، العنف، الحلم إلخ، وإن كنت أريد الإشارة في هذا السياق إلى أمر مهم، وهو: كيف نحافظ على حياتنا؟ بل لأمضي أبعد من ذلك، وأنطلق من أفكار مهمة من خلال وجهة نظري، منها: هذا التبلد، الذي بتنا جميعاً نعاني منه تجاه آلام سوانا، متى تتم إزالته من أجل إعداد ثقافة كائن بشري سوي يدرك العلاقة بينه والآخر، من منظور دقيق، بما يحقق التوازن البشري الذي بتنا نفتقده، وجاءت هذه الآفة كي تؤكد لنا أن مصيرنا – ولا أقول مصائرنا – واحد، لاسيما في ظل واقع العزلة التي باتت تُفاقم، على صعيد آخر، ثقافة الخلاص الفردي، حتى وإن كان الآخر: أباً، ابناً، أخاً، أماً، أختاً، شريكة، أو شريكاً.

كشخص، وككاتب، موقن أن الحياة ستستمر، وأن ما نمر به، الآن، ليس إلا عبارة عن معبر صعب. عن امتحان عصيب، ولست ممن يعنون، على الصعيد العام، بإمضاء الوقت في نشر ثقافة مقاومة هذه الآفة فلها أهلها، وإن كنت أستعين برؤوس الأقلام اللازمة، بعد أن اجتهدت في استقرائها لما يلزم لي ولمحيطي، وإنما أعنى بها للاتعاظ من هذا الدرس العظيم، وأقول: الجلل، لاسيما أن دائرة الاهتمام، وأكاد أقول الوعي لدينا باتت تعمل على نحو آني، إذ إنني تابعت كثيرين ممن سخروا وتهكموا من الصين، وباتوا يفكرون باللجوء إليها، بعد انتشار أخبار وضع حد لكورونا، بل إن بعض هؤلاء الذين حولوا الآفة إلى مادة للتندر، والسخرية، باتوا في حالة رعب وخوف عظيمين، بل في حالة افتقاد السيطرة على الذات، مع أول ظهور لإحصاءات الضحايا والمصابين بهذا الوباء الكوني!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني