fbpx

إعدام مبكّر للفتيات في سوريا

0 290

واحدة من أسوأ العادات الاجتماعية في سوريا باتت تنتشر بشكل واسع بعد الحرب، وهي ظاهرة التخلص من الفتيات في سن مبكرة، هي ظاهرة ارتبط تصنيفها في المناطق الريفية ظلماً، لأن المدن كانت تمارسها بشكل واسع. فالمجتمع الدمشقي تاريخياً كان يتباهى بهذه الظاهرة، ولعل مسلسل باب الحارة (سيء التأثير) كان واحداً من الشواهد التي عكست قصصاً كثيرة في هذا الجانب، بقيت صورة المرأة واحدة من القصص الإشكالية التي هي مجرد خادمة مطيعة، ذات وعي محدود لا يتجاوز باب المنزل وفي بعض الأحيان زقاق الحارة، وبقيت أفضل النساء في سوق الرجال أصغرهن عمراً، ولا يكترث الرجل أن يعدد ثلاث ورباع بحسب الهواية والرغبة، وبحسب عامل المال، الذي يستطيع أن يهيمن به رجل كبير في السن على أسرة غاية في الفقر، وبالتالي تنساق بين يديه بدواعي العوز.

ظاهرة تستند للمجهول:

هو العوز أولاً، أو هكذا قيل، ما يدفع العائلة للتخلص من الفتيات في سن مبكرة، أمام أول طارق للباب، لكن ما وراء الأكمة، يشير أن ذلك غير مقترن في العوز، فثمة ثقافة تستند إلى عامل الهوس المرتبط بمسألة الشرف هو عامل أساس، ويعتبر جزءاً مكوناً في ثقافة المجتمع الشرقي، وهي ثقافة هجينة أثرت فيها ثقافات الجوار في القرون الوسطى، والتي ترجمت ظاهرة الهوس آنذاك من خلال إنزال العقاب الشرس بحق الأنثى خشية افتعال ما يمس الشرف، فابتكرت ما يعرف بختان الأنثى، وأما ما يوازيه في مجتمعاتنا الشرقية التي رفضت مبدأ الختان، فهو إدخال الفتيات الصغيرات إلى نوع من الاستعباد تحت مسمى الزواج المبكر، بحيث باتت تلعب القراءة الخاطئة للثقافة الدينية دوراً رئيساً، لتكون تلك ذريعة لتمرير صفقات التخلص من عبء الفتيات.

ما لا يريد أن يدركه كثير من رجال الدين، أن الزواج في القرون الوسطى كان غاية المرأة الأولى، بينما نحن في زمن تختلف فيه الحاجة، وتتبدل فيه الطباع بين وقت وآخر، فما كان آمناً قبل زمن، بات اليوم غاية في الخطورة، فقبل الحديث عن ولادة جيل غير متعلم، لأن الأم الصغيرة ستفقد قدرة التعليم لنفسها ولغيرها، فثمة حديث آخر، يتعلق بالحقوق من جانب، وبطبيعة المتغيرات من جانب آخر، فلم تعد المرأة المطلقة في حالة من الأمان بحيث تأمن على نفسها، لأنها في أغلب المجتمعات الشرقية تتحول إلى مجرد امرأة غادرت بيت الزوجية، إلى معتقل غاية في التعقيد، لأن العائلة والأسرة والمجتمع يلومون الضحية إذا كانت امرأة، ولا أحد يحاسب أو يقدر على استرداد حق الأنثى فقط لأنها انثى.

سوريا ما قبل الحرب لم تكن تمنح المرأة حقوقاً سوى على الورق، لأن العائلة والقبيلة والمجتمع لهم قوانينهم الخاصة، وبالتالي كانت المرأة السورية هي الأكثر ظلماً في المجتمع. فهي في بيئة دمشقية أو ريفية كانت تذهب الى بيت الزوجية بلا رأي، وهي في بعض القرى السورية كانت تحت وطأة أمر مختلف تماماً، فهناك مجتمعات قروية مغلقة ترفض زواج البنات حتى سن متأخرة، لهدف مادي بحت، وهو أن النساء هناك كنّ عاملات، حيث تستثمر بعض العائلات بناتها حتى آخر نفس، قبل إرسالها الى المستثمر الجديد، الزوج، ولكنه يريد امرأة تجيد الفلاحة وتقف إلى جواره كرجل في قدراتها.

غياب الحس الإنساني:

سلطة الرجل على المرأة الشرقية بالعموم هي سلطة مبنية على حالة من الهوس، فالمرأة هي ليست الشق الآخر من التكوين الجنسي للكائن البشري، إنما هي الآلة المخصصة للإنجاب والمحرم عليها أن تدرك مشاعرها الإنسانية، أو حتى مجرد التفكير فيها.

فنحن أمام رجل يعشق ويحب ويتزوج ويعدد، وبالمقابل نحن أمام مجتمع نسوي ملحق بهذا الرجل، يعيش مثل حياة الجواري في القرون الوسطى، مع الفارق، أن الجواري في العصور الوسطى كنّ ذوات ثمن باهظ، بينما لا يمنح الرجل الشرقي هذه القيمة للفتاة، والتي بمجرد أن تكشفت ملامحها العاطفية ولو بالكلمات، فقد تصبح هدفاً للكبير والصغير وحتى الجيران في القبيلة والعائلة، والتي ترى في مشاعر البنات وصمة عار، بينما ترى في مشاعر الرجل سمات الرجولة.

يبقى أن نشير، أن ثمة وهم كبير يسيطر على العقل الشرقي، مفاده أن الزواج المبكر يحول دون ظهور هذه العواطف، وهو منطق لا يعلمه كثير من الشرقيين، والأفضل أن لا يعلموه، لأن الفتاة التي لا تختبر عواطفها وهي في بدء مراهقتها، سوف تختبرها عندما تكبر، وهذا هو المحزن في المعادلة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني