fbpx

أوَ تكذِبُ دولة الله؟!

0 222

“أمريكا… دولة الله” عنوان دراسة للكاتب الأمريكي وولتر راسيل ميد، يُبيّن فيها دور الدين في السياسة الأمريكية، وبيّن فيها أيُّ المذاهب المسيحية التي سيطرت على السياسة الخارجية الأمريكية.

قال الكاتب وولتر راسيل ميد: “لطالما كان للدين دور أساسي ومؤثر في توجيه السياسة الأمريكية، ولكن ارتفاع عدد الكنائس الإنجيليـة مـؤخراً وازدياد قوتها ونفوذها كان له الأثر المباشر على المشهد السياسي في الولايات المتحدة، وعلى الأخـص وبـشكل دراماتيكي على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وليس هناك داعٍ للذعر أو للقلق من هـذا الواقـع، كـون الإنجيليين مرتبطين بشغف بمبادئ العدالة، وبالرغبة في تحسين الواقع العالمي المتردي، يطمحون لتحقيق هذه الرغبـة من خلال اتباع سياسة حساسة ودقيقة للغاية”.

لقد أطلقت السفارة الأمريكية بدمشق في الأول من شهر آذار من هذا العام حملة ضد النظام السوري بعنوان “شهر المحاسبة” على صفحتها على منصة فيس بوك وانتهت الحملة مع حلول شهر نيسان.

المحاسبة أداة من أدوات الحوكمة الرشيدة في بناء المؤسسات والحكومات والمنظمات، كما أنها أداة من أدوات الوصول لتحقيق العدالة في القضايا الجنائية، وحيث أن العدالة تعني في إحدى صورها عدم الانحياز في محاكمة أي إنسان لأي أمر، من خلال الإنصاف والمساواة والتوازن وعدم التعدي وحماية المصالح الفردية والعامة.

والعدالة أيضاً هي مفهوم أخلاقي يقوم على الحق والأخلاق، والعقلانية، والقانون، والإنصاف، ولا تختلف مفاهيم العدالة بين مجتمع وآخر أو بين دين ودين آخر، إلا في بعض طرق تنظيم الأصول والإجراءات القانونية.

المجرم بحسب النظريات الأولى لعلم الإجرام هو نمط بيولوجي معين يختلف عن غبره من الناس فهو يتصف ببعض الخصائص البيولوجية تؤثر في شخصيته وتحدد سلوكه الإجرامي، ومنها انطلق علماء الإجرام في تصنيف المجرمين فكان المجرمون، مجرمون إما بالغريزة، ومنها غرائز الدنيا، كحب المال والتملك، التي تقابلها جرائم السرقة والاحتيال، والغريزة الجنسية التي تقابلها جرائم الاغتصاب وهتك العرض، وغريزة حب السلطة والسيادة التي تقابلها جرائم القتل والإيذاء والتدمير والسلب والنهب والتهجير.

وبحسب نظرية لومبروزو هناك المجرمون بالفطرة أو بالولادة وهم الذين تتوفر فيهم علامات الارتداد والرجعة من الناحية العضوية، ومنها عدم انتظام شكل الجمجمة وضيق تجويف عظام الرأس وبروز عظمتي الخدين وعدم انتظام شكل الأذن والطول المفرط في الذراعين وغيرها.

وهناك المجرمون بالعادة وهم الذين اكتسبوا الإجرام منذ حداثتهم، وهناك المجرم بالصدفة، والمجرمون بالعاطفة، والمجرمون المجانين.

وهناك المجرم بالوراثة – وهو موضوع مقالنا – الذي يتم إثباته من خلال فحص شجرة عائلة المجرم ومقارنتها بأشجار العائلات التي ينتمي إليها غير المجرمين، وعليه فإذا قارنّا سلوك شجرة عائلة آل الأسد حالياً، الوحش سابقاً، مع سلوك عائلة آل الخيّر مثلاً، وكلاهما من سكان منطقة القرداحة لوجدنا أن هذه العائلة مقطوعة النسب عند “علي الوحش” فلا يُعرف لها أصل قبله وأن كل أفراد عائلة الأسد مجرمون، مولعون، بحب السلطة، دفعتهم الغريزة للاستيلاء على مفاصل الدولة السورية ومقدرات سورية وثرواتها والتحكم بالشعب السوري، حيث أن هناك أكثر من خمسين فرداً نساءً وذكوراً من الطبقة الأولى من هذه العائلة، امتهنوا الجريمة المنظمة في التهريب وتجارة المخدرات وتجارة الأسلحة وتجارة الرقيق الأبيض وتجارة الأعضاء البشرية، والقتل والاغتصاب والاحتيال والنصب واستغلال النفوذ وإساءة استعمال السلطة، لدرجة أنهم حولوا سورية إلى مزرعة أو مقاطعة للعائلة.

وقد ورثت الطبقات الثانية والثالثة والرابعة من هذه العائلة هذا الإجرام وهذه الوحشية، وهناك آلاف الدعاوى والملفات القضائية التي تثبت ذلك والتي انتهت إما بمنع المحاكمة أو بالعفو الخاص أو بالعفو العام.

بينما نجد أن عائلة الخيّر عائلة ذات تاريخ عريق في محافظة اللاذقية وسورية فمنها رجال الدين الموقّرين عند أتباعهم ومنهم الكتّاب والشعراء والأدباء ومنهم الضباط المحترمون، اللاطائفيون وغير الحاقدين ومنهم الموظفون من أهل الكفاءة والنزاهة، ولم يسمع السوريون أنهم قتلوا أو اغتصبوا أو نهبوا أو احتالوا أو سرقوا أو تاجروا بالمخدرات أو السلاح أو البغاء، أو أي من الأعمال القذرة، حتى في زمن الثورة كان لهم موقف داعم لمطالب الشعب فمنهم من صرّح بذلك وكان مصيره الاعتقال ومنهم من آثر الحياد.

من هنا نجد أن عائلة الأسد من جذورها حتى آخر فروعها هي عائلة إجرامية لا تقل إجراماً عن عائلة “جوكس” الأمريكية الشهيرة في عالم الإجرام في بدايات القرن العشرين.

وحيث أن هناك فرق بين العقوبات المسلكية وبين العقوبات الجنائية، فالأولى عقوبات إدارية خفيفة تتراوح بين التنبيه والإنذار وقد تنتهي بالفصل أو الطرد وتهدف بالنهاية إلى تقويم سلوك الموظفين والعمال والمستخدمين وهي إحدى أدوات الحوكمة الرشيدة للمؤسسات والمنظمات.

أما العقوبات الجنائية فهي جزاء جنائي يتضمن إيلاماً مقصوداً يقرره المشرع لمصلحة المجتمع من أجل ضمان أمنه واستقراره، وبناء على ذلك فالمجتمع هو صاحب الحق في العقاب، وهو وحده دون سواه الذي يملك التنازل.

وعليه فإن مجموعة العقوبات التي “فرضتها” الولايات المتحدة بحق عدد من مسؤولي النظام، وحتى قانون قيصر، لا ترقى لأن تكون عقوبة رادعة أو أداة من أدوات المحاسبة والملاحقة الجنائية، إذ إن تصريحات المسؤولين الأمريكان كلها تقول إن الهدف من العقوبات هو تغيير سلوك النظام السوري ويتجاهلون الطبيعة الإجرامية المتأصّلة في هذه العائلة، وفي كل من يلوذ بها ولا ينفع معها أية تدابير إصلاحية لتغيير هذه الطبيعة، فهذه العائلة عصيّة على الاستقامة والإصلاح ولا ينفع معها إلا اقتلاعها من جذورها.

إن حصر هدف هذه العقوبات بتغيير سلوك النظام يدلّ دلالة واضحة، إما على قصور في معرفة طبيعة النظام الإجرامية المتأصلة فيه، وإما على عدم جديّة الولايات المتحدة في محاسبة هذا النظام المجرم المارق.

وهذا ما يفسره التناقض في تصريح ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة للأمم المتحدة التي قالت فيه “لدينا التزام بالعمل، لا تعتبر المساءلة ضرورية لتحقيق العدالة التي طال انتظارها للضحايا وعائلاتهم فحسب، ولكنها أيضاً أساسية لبناء الثقة في العملية السياسية الأوسع، على النحو الذي دعا إليه القرار 2254″. وإن سياستنا تجاه بشار الأسد لم تتغير، فقد قام بذبح شعبه، كما انخرط بأعمال عنف لا تمييزية باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وهو لم يقم بفعل أي شيء لاسترداد تلك الشرعية التي فقدها منذ زمن طويل”.

فكيف لعاقل أن يتصوّر قبول شراكة مجرمي الحرب والمجرمين ضد الإنسانية في عملية سياسية تهدف إلى تحقيق تقاسم السلطة أو محاصصة بينه وبين المعارضة السورية المنخرطة في عملية التفاوض، والأعجب من ذلك هو رعاية الولايات المتحدة التي تدّعي حرصها على المحاسبة وتحقيق العدالة لتلك العملية السياسية وهي القادرة على محاسبته وتقديمه للعدالة في أقصر وقت متى أرادت ذلك، وقد رأينا قدرتها وإمكانياتها الفائقة في تفعيل كل السبل القانونية المتاحة في القانون الدولي ضد روسيا الاتحادية ورئيسها فلاديمير بوتين، فكان قرار الجمعية العامة متحدون من أجل السلام ضد العدوان الروسي على أوكرانيا، ثم تلاه قرار محكمة العدل الدولية ثم تلاهما تحرّك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وأخير تحرك الجمعية العامة للأمم المتحدة واتخاذها قراراً بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، بينما لم نشهد أي تحركٍ جدّي ضد النظام السوري وحلفائه.

الأسد ليس أقوى من فلاديمير بوتين، ولا سورية أقوى من الاتحاد الروسي، وجرائم الحرب التي ارتكبها الروس في أوكرانيا هي جزء بسيط يكاد لا يذكر بالمقارنة مع حجم الجرائم التي ارتكبها هذان النظامان في سورية.

الكيل بمكيالين نفاق، والتخاذل عن نصرة الحق جبن، والسكوت عن المجرمين شراكة في الإثم، لذا فإنه من المعيب جداً جداً، أن دولةً تعتبر نفسها دولة الله، تكذب وتنافق وتتخاذل عن تحقيق العدالة التي تتشدّق بأنها حاميتها وراعيتها.

وانتهى آذار وأصبح صباح الأول من نيسان، والديك صاح وصمت المغردون عن الكلام المباح، ومع طلوع الشمس بدأ الكذّابون تبادل التهاني بالعيد وكل “April Fools’ Day” وأنتم كذاّبون.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني