أمريكا في الشرق الأوسط.. دعهم يتحاربون ويُستنزفون ومهمتنا ضبط الصراعات
من يتابع السياسات الأمريكية في العالم بصورة عامة بعد حرب فيتنام، سيكتشف أن الأمريكيين قلما يتدخلون في تغيير أوضاع سياسية في بلدانٍأخرى بصورةتدخلٍ عسكريٍ مباشرٍ، فهم باتوا يعملون على مبدأ يقول “دعهم يتصارعون ويستنزفون قواهم ونحن نضبط هذه الصراعات”
جوهر هذه السياسة الأمريكية يتمّ تطبيقه في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا تدخل عسكرياً مباشراً في صراعات تجري في هذه المنطقة الهامة، فالصراع الأخير الذي لا يزال يستنزف الفلسطينيين والإسرائيليين في قطّاع غزة، لعبت الولايات المتحدة فيه دور تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل، لعلّ حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب تستطيع سحق منظمتي حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والجهاد الإسلامية.
الولايات المتحدة لا تريد الموافقة على كل ما تنوي الحكومة الإسرائيلية تنفيذه، فالأخيرة وضعت مخططاً لتهجير سكّان قطاع غزة نحو مصر أو صحراء النقب بحجة القضاء على حركتي حماس والجهاد، فهذا التهجير رأت فيه السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية بأنه سيقود إلى توسيع هذا الصراع، مما يؤدي إلى تدخل من دول إقليمية، ترى في التهجير واستمرار الحرب على قطاع غزة تهديداً لأمنها القومي، مثلما أعلنت ذلك مصر والأردن بصورة علنية.
الأمر ذاته يجري في الصراع في سورية وعليها، فالولايات المتحدة رغم قناعتها وما أصدرته من قوانين تجرّم الأسد وتعاقبه عبر سياسات الحصار، إلا أنها لا تريد التدخل العسكري المباشر في هذا الصراع، بل تعمل على ضبط إيقاعه، بما لا يدع مجالاً لفوضى وصراعات، تعجز لاحقاً عن الإمساك بخيوطها، لكنها سياسة تُبقي أمد هذه الصراعات مفتوحة، وهو أمرٌ فيه أخطار جمّة على الولايات المتحدة ذاتها.
فنأخذ مثالاً من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فالهجمات التي يشنها الجيش التركي في مناطق ما يسمى “شرق الفرات” على “قوات سوريا الديمقراطية”، الغاية منها الحفاظ على أمن الدولة التركية القومي كما تقول حكومتها، لكنّ الولايات المتحدة لا تقوم بالتصدي العسكري لهذه الهجمات، رغم أنها تجري في منطقة نفوذ أمريكية، بل تحاول منع أي هجوم تركي واسع يجتاح المنطقة، ويستأصل هذه القوات من جذورها.
هذه الصراعات الجارية في الشرق الأوسط بما فيها تدخل أذرع حكومة ملالي طهران الحوثيون” في منطقة باب المندب والبحر الأحمر، وعرقلتهم للملاحة البحرية التجارية، أو تدخل الميليشيات الشيعية العراقية أو اللبنانية التابعة لنفوذ طهران في صراعات سورية وغيرها من الساحات، لا تقوم الولايات المتحدة على اتباع سياسات سحق هذه الميليشيات، أو دعم حاسمٍ للقوى المتضررة من هيمنتها، بل أنها تدع مجرى هذه الصراعات مفتوحاً إلى حدوده النهائية.
هذه السياسة الخارجية الأمريكية تتبع مبادئ عدم الانخراط العسكري المباشر في صراعات منطقة الشرق الأوسط، ولكنها تُبقي خيوط الصراع في قبضتها، إذ أنها في حرب إسرائيل على قطاع غزة سيّرت حاملة طائرات وقوى بحرية، إضافة إلى وضع طائرات استراتيجية مثل طائرات B52 في وضعية الاستعداد القتالي في قواعدها في منطقة الشرق الأوسط.
جوهر هذه السياسات يقوم على استنزاف جدي لقوى الصراع المنخرطة فيه، وبالتالي جعل هذه القوى في حالة تراجع مستمر على القدرة على الاستمرار في الحرب، وبعد أن تصل القوى المتحاربة إلى نقطة عدم الحسم العسكري، تتدخل الولايات المتحدة للدفع بحلول سياسية قريبة أو بعيدة المدى لهذا الصراع.
الولايات المتحدة رفضت أن تقوم إسرائيل بعملية تهجير للفلسطينيين في قطاع غزة نحو مصر أو النقب، لا بل طالبتها رسمياً بالتقليل من الأضرار الواقعة على المدنيين، وهذا الأمر ربما وضع حكومة نتنياهو في إطار حرب محدودة زمنياً، لتنفيذ هدفها الرئيسي المتمثّل بسحق حركتي المقاومة في غزة (حماس والجهاد الإسلامية).
إذاً، يمكن القول في ضوء استعراضنا لإدارة الولايات المتحدة لصراعات الشرق الأوسط، بأن سياسة هذه الإدارة تبدو فاشلة على المدى القريب، فعدم التدخل الأمريكي في الصراع في سورية لصالح الشعب السوري، أدّى إلى تفاقم هذا الصراع وأخذه أشكالاً تهدّد الأمن الدولي، سيما وأن نظام الإبادة الأسدي لم يتوان في أي لحظة عن تهديد دول المنطقة عبر إغراقها بحبوب الكبتاغون المخدرة، أو بتنشيط الجماعات الإرهابية المعادية لهذه الدول.
لو إن الولايات المتحدة تدخّلت منذ بدء الصراع عبر فرض تنفيذ بيان جنيف1، ما كان لحزب الله اللبناني ذراع طهران العسكري أن يتدخل في الصراع في سورية لصالح نظام أسد، وكذلك تدخل ما يسمى “الحرس الثوري الإيراني” فيه، ولكن جوهر سياسة الولايات المتحدة المرحلي بالنسبة للصراع السوري، كان يقوم على مبدأ استمرار الصراع وانخراط قوى إقليمية فيه، لا بل انخراط دولي فيه أيضاً “روسيا”، من أجل أن تقع هذه القوى في مربع استنزاف قواها الاقتصادية والعسكرية في صراعٍ، لا تسمح فيه الإدارة الأمريكية أن يخرج عن إدارتها.
إن البراغماتية السياسية الأمريكية الخاصة بصراعات منطقة الشرق الأوسط، تبدو وكأنها سياسة غير مفيدة للولايات المتحدة على المدى القريب، سيما أن دول المنطقة تتهم الإدارة الأمريكية بأنها لا تقوم بدورها كدولة أعظم في منع توسع الحروب، أو استمرار قوى العدوان في عدوانها، وتحديداً ما تلعبه حكومة ملالي طهران في محيطها الإقليمي العربي.
الولايات المتحدة تستمر في إدارة صراعات الشرق الأوسط عبر مبدأ “يأكل المتصارعون قواهم وأنفسهم”، وهذه السياسة تخدم إيجابياً على المدى المتوسط والبعيد بقاء الولايات المتحدة خارج دائرة استنزاف الحروب المباشرة، وأثر هذه الحروب على المجتمع الأمريكي الداخلي.
لكنّ السؤال الأهم الذي يطرحه المراقبون لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو: هل إدارة الصراعات من الخلف يخدم أهداف الولايات المتحدة؟ أم أن هذه السياسات يجب أن تشتق من ثبات تحالف الولايات المتحدة مع الدول الحليفة لها؟
الجواب قيد تقدير الحكومات الأمريكية المتتالية، فإدارة أوباما منحت إيران القدرة على لعب دورٍ يضرّ بمصالح الأمريكيين حيال مشروعي الأخيرة النووي والبالستي، بينما أتت حكومة خلفه ترامب على نقيضها برفض الاتفاق النووي مع إيران.
هذه السياسات لا يجب ألا تخضع لتقديرات انتخابية أو مصالح ضيقة، بل يجب أن تكون سياسات واضحة وثابتة، تخدم الأهداف الاستراتيجية الأمريكية، وتكون سياسات فوق حزبية أي فوق تقديرات الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين.
فهل سيحدث ذلك؟ أم ستبقى السياسات الأمريكية رهناً لتقديرات اللحظة الراهنة؟
التحليل جيد ولكن إدارة الرئيس باراك أوباما لم تمنح إيران القدرة على الأضرار بالمصالح الأميركية بل هو العكس. عندما عقد الرئيس أوباما الاتفاق النووي مع ايران كان هذا بمشاركة ٥+١ أي العالم كله. وكان الهدف منه الحد من النشاط النووي الايراني. وكان هذا الاتفاق لصالح العرب جميعا. تصور أنه أصبح عند إيران قنبلة نووية ؟ انظر ماذا فعلت إيران بالدول العربية بدون سلاح نووي ؟ فكيف عندما يكون لديها سلاح نووي ؟ هذا وإن الرئيس ترامب كان مخطاء عندما ألغى الاتفاق النووي مع ايران. واليوم إيران على مقربة من صناعة القنبلة النووية!