fbpx

أعمدة الحوار السبعة

0 156

بعيداً، عن أي تشابه، بين أجواء كتاب “أعمدة الحكمة السبعة” للورنس العرب، الذي دون فيه مذكراته، ومشاهداته، أثناء أداء مهمته في منطقة الجزيرة العربية، خلال الحرب العالمية الأولى، ورصد فيه التحولات الهائلة التي تمت، آنذاك، والعنوان الذي تندرج تحته، هذه الزاوية، ولا يتجاوز تناصه حدود عنوان الكتاب، دون مضامينه، وإن كان مؤلف الكتاب، قد انطلق – بحسب فهمي – في عنونة كتابه، من “بيت الشعر” أو “الخيمة” التي كان عاش تحتها، آنذاك، وخلبت أنظاره، بل وجلبت اهتمامه، حيث لا يمكن لهذا البيت أن يصمد دون هاتيك الأعمدة.

وإذا كانت الحكمة، هي خلاصة الإنجاز البشري، لها عالمها، وإرثها التراثي الكبير، منذ بداية تفتح الوعي لدى الإنسان، فإن كتاب الحكمة لمفتوحٌ أبداً، ويتم الاشتغال عليه، وتدوينه، ليصبح حاضر الحكمة، جزءاً من ماضيها، عبر دورة أزلية، تكفي لتكون منطلقاً، وركائز، وروافد، ينهل منها الكائن البشري، على مرِّ العصور، بل أن يسهم بدوره أثناء تفاعله في مداها، عبر إضافة ما يريد، سواء أأدرك ذلك، أم لم يدرك، إلى الدرجة التي يمكن اعتبار هفواته، وأخطائه، التي يرتكبها، داخلة في هذا الإطار ذاته، مادام أن هناك من يستفيد منها، لئلا يكررها..!.

والحكمة، نفسها، لا يمكن وفق هذا التصور، إلا أن تتم إلا عبر الحوار اليومي، وبالتناسب مع صيرورة دورة الزمان، حيث التواصل بين الناس هو حوار، وإن قراءة التجربة الإنسانية هي حوار، كما أن أي إبداع في عالم الأدب والفن، والتقانة، لهو حوار، ليغدو الحوار بذلك ديالكتيك الحياة تماماً.

وفيما إذا صغرنا دائرة الحوار، لتكون طبق الفضاء الثقافي، وحده، وهو الأوسع، العصي، في حقيقته، على الحجر، والتصغير، مادام أنه قرين التفاعل، والتجاور، اللحظيين، وليس اليوميين، فحسب، فإنما يمكن اعتماد سبعة الأعمدة اللازمة، لنهوض الحوار الثقافي، وتطوره، كي يكون في مستوى أسئلة اللحظة الكبرى، التي لابد وأن يتفاعل معها الواقع الثقافي، في كل مرحلة، وإن كان الخطاب الثقافي الذي يحمل ديمومته، غير موقوت، هو الأكثر أهمية وتأثيراً، وأداء لوظيفته الخاصة، بالتساوق مع سائر دعائم الحضارة.

وإذا كان الحوار، هو الضَّالة التي يبحث عنها المثقف، الفاعل، والملتزم، ذو المشروع الحقيقي، والرؤية الواضحة، فإن هذا الحوار، لا يمكن أن يتاح إلا بتوفر شروطه وعناصره التي لابد منها، وهي: الزمان، المكان، وضوح الرؤية، الصدق، توخي الفائدة والأثر، التكافؤ بين طرفي الحوار، أو أطرافه، وعدم التحجر والانغلاق على الذات..!.

إن هذه النقاط في حقيقة الأمر، تشكل العماد الفقري، في تأسيس أي حوار ثقافي، ناضج، وإنه مثلاً، لا يمكن أن تناقش قضية ما في زمن الحرب، تعود حيثياتها إلى مرحلة السلم، كما أن خوض حوار عن قضية ثقافية تتعلق بفضاء جغرافي معين، يجب النظر إليه، ضمن فهمه، وخصوصيته، ناهيك عن الحوار بين أي متحاورين يجب أن يكونا ممتلكين للأدوات المعرفة، على نحو متقارب، في أقل تصور، كما أن انتفاء الصدق، يجعل من الحوار سفسطة، وترَّهة، لا طائل منهما البتة، ناهيك عن أن أي حوار، بين رأيين، يريد صاحب أحدهما، إلغاء الآخر، ونسفه، لا توخي الفائدة المتبادلة، فإنما لا يمكن أن يسمى حواراً.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني