fbpx

أثر الحرب على الطفل السوري.. واستراتيجية البناء النفسي

0 1٬478

الحرب بصورة عامة هي السياسة التي وصلت إلى جدار مسدود، وتمّ اللجوء إلى القوة المسلّحة من قبل أحد الطرفين المتصارعين سياسياً، أو كليهما من أجل الوصول إلى حلٍ سياسي، يكون إما بهزيمة أحدهما، أو بالاتفاق على حلٍ وسطٍ بينهما، يحدّده ميزان القوى المسلحة على الأرض.
من هذه الرؤية، يمكن النظر إلى ما آلت إليه الثورة السلمية السورية، حيث انتقلت من مربعها السلمي إلى مربع العنف المتبادل مع النظام السوري، والذي التجأ إلى استخدام القوّة العسكرية من أجل سحق الثورة، وتثبيت مصالحه السياسية والاقتصادية وغيرها.
انتقال الثورة السورية إلى مربع (تبادل العنف المسلح)، أدّى إلى تعميم النظام لسياسة تحطيم الحاضنة الشعبية الواسعة للثورة في مناطقها، مما أثّر على استقرار السكّان، واضطرارهم تحت وطأة القصف المدمّر إلى مغادرة مدنهم وبلداتهم وقراهم.
بمعنى آخر، فإن عمليات القصف التي مارسها النظام بحقّ المدنيين العزّل، أدّت إلى تشريد ملايين السوريين خارج مناطقهم وبيوتهم، فصاروا نازحين في بلدهم، أو لاجئين في بلدان أخرى خارج وطنهم.
النزوح واللجوء، وحتى لمن تبقّى في مناطق سيطرة النظام، خضع لمعادلة الحرب ونتائجها، ما ترك آثاراً نفسية وصحية ومعيشية وغيرها من الآثار عليهم.
ولعل نتائج هذه الحرب المدمّرة، كانت أشدّ وطأة على الطفل السوري في كل مناطق سوريا، فمن لم ينزح أو يلجأ إلى دول الجوار، تأثر سلباً بهذه الحرب، حيث بات يعيش أجواءً غير طبيعية نفسياً واجتماعياً ومعيشياً وتعليمياً.
وقد تعرّض أطفال كثيرون إلى القتل والاختطاف، أو إلى الإصابة بإعاقةٍ دائمة، ومنهم من نزحوا، وسكنوا مع أهاليهم في الخيام، عرضةً للبرد والحر وظروف معيشية سيئة من عدم توفر الشروط الصحية للحياة، وعدم الاستقرار، وغياب مدارس حقيقية، كانوا يعانون نفسياً، حيث أصبحوا بوضع نفسي غير سوي، ما جعلهم يحتاجون إلى رعاية نفسية وصحية عبر برامج مستمرة.
ولكن هذه الرعاية بقيت عاجزة عن سدّ الهوة النفسية، التي نشأت لدى الأطفال نتيجة الخوف من القصف، وأصوات الطائرات الحربية المرعبة، التي كانت تغير عليهم، أو من مشاهداتهم لعمليات القتل ورؤية الجثث المحترقة لذويهم أو أقاربهم أو جوارهم. وهو في المحصلة أحدث رعباً عميقاً توغل في نفوسهم الغضّة.
إن آثار الحرب على الطفل السوري هي آثار كبرى، تحتاج إلى وضع برنامج علمي واسع للتصدي لها، هذا البرنامج يحتاج إلى كوادر متخصصة بالترميم النفسي وفق مناهج علمية في علاج ضحايا الحروب من الأطفال.
ويحتاج أيضاً إلى قاعدة عملٍ حقيقية، ترتكز على استقرار الأسرة النازحة أواللاجئة. فهذا الاستقرار يؤمّن للطفل بيئة صالحة لاستعادة العافية النفسية، ولكن البيئة الصالحة تعتمد على تنفيذ حلٍ سياسي للصراع في البلاد. ما يوفّر بيئة آمنة يستطيع الأطفال من خلالها تجاوز محنهم النفسية والحياتية بنسبة كبيرة.
عملية إزالة آثار الحرب عن الطفل السوري، ليست جهداً وطنياً فحسب، بل تحتاج إلى برنامج عمل واسع، تساهم فيه منظمات دولية، ترعى الطفولة وتعمل على حمايتها مثل منظمة اليونيسيف.
البرنامج العملي لإزالة آثار الحرب عن الطفل السوري، يحتاج إلى تطوير أدوات تعليم الطفل، ونوعية المناهج، وتوفير البنية التحتية للعملية التربوية مثل المدارس ومراكز العلاج النفسي والصحي عموماً، من خلال التعاون بين السلطات المحلية والمنظمات الدولية المعنية بالأمر.
ويمكن أن نقول إن آثار الحرب المدمرة في سوريا على نفسيات الأطفال لن تظهر بصورة مباشرة الآن، ولكنها ستظهر بسلوكيات ذات طابع عدواني أو نكوصي، يعبّر عما اختزنته ذاكرتهم من مشاهد رعبٍ وخوفٍ بسبب الحرب.
لذلك يجب التفكير منذ الآن بوضع استراتيجية لإزالة آثار الحرب عن الطفل السوري، باعتباره من سيرث قيادة مجتمعه في المراحل القادمة، هذه الاستراتيجية يجب أن تبنى على تعزيز الدعائم الايجابية لبنية الطفل النفسية، وكذلك على وضع برامج تطبيقية مدروسة، تعيد تشكيل وعي وسلوك هؤلاء الأطفال، الذين هم ضحايا الصراع السياسي في بلادهم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني