PKK ولعبة تزوير الإرادة
لم يعد جديداً القول إن حزب العمال الكردستاني pkk هو حزب استبدادي، بنى حاضنته الحزبية طوال ثلاثة عقود من التحالف السري مع النظام السوري بالحديد والنار، ثم توّجها بالتحالف العلني الذي دخل عامه التاسع في تموز/يوليو الماضي.
كما لم يعد مثار جدل القول إنه الحاكم الفعلي المباشر في سلطة الأمر الواقع شرقي الفرات، بعد أن حسم ذلك قبل أيام القيادي في pkk دوران كالكان عندما أقر بتنظيم pkk نفسه شرق الفرات، والحق أن الأمر لم يكن بحاجة إلى هذا الإقرار، بل كان على من يريد نفي ذلك أن يقدم دليلاً واحداً على عدم تحكم التنظيم الفعلي بكل النواحي العسكرية والاقتصادية والسياسية، أو أن السوريين هم من ينظمون حياتهم ويتحكمون بمصائرهم بمعزل عن كوادر الحزب.
شكلت مكافحة الإرهاب تبريراً جيداً لتوطيد سلطة pkk وفرصة سانحة تم في سياقها نقل السوريين من استبدادٍ إلى استبدادٍ آخر لم تتح لهم إمكانية رفضه فضلاً عن امتلاك أدوات مقاومته.
يدرك السوريون ذلك بمختلف انتماءاتهم، مثلما تدركه كل القوى الدولية الفاعلة والمتدخلة في الشأن السوري، ولهذا السبب فشلت كل المؤتمرات التي نظمها pkk وساق إليها الحضور بالآلاف وصرف عليها مئات آلاف الدولارات رشىً وضيافةً، وانتهت على شكل زوابع في فناجين “قنديل” الفارغة، وصرخات إعلامية لم تجد لها صدى.
وفي تكرار لذات التجربة باشر مجلس سورية الديمقراطية “مسد” وهو مجرد واجهة إعلامية لـ pkk عقد ندوات وصفت زوراً بـالحوارية، في محاولة لامتصاص نقمة الشارع السوري شرق الفرات وإشغاله عن وضعه الأمني والمعيشي الآخذ بالتردي على الرغم من وجود قوات التحالف الدولي وإنتاج ما يزيد على ثمانين ألف برميل من النفط يومياً علاوةً على استثنائه من تطبيق قانون قيصر، دون أن ينعكس ذلك تحسناً على معيشة السكان، هذا عدا عن المساعدات العسكرية والإنسانية والطبية التي تستلمها سلطة الأمر الواقع من الولايات المتحدة والتحالف الدولي وبعض الدول الأوربية وحتى من إقليم كردستان العراق.
وعلى غرار ندوات حزب البعث تم عقد ندوات “مسد” الثلاثة عشر على مدار شهرين بدءاً من منتصف أيلول /سبتمبر حتى بداية تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، من الحسكة إلى منبج ثم الرقة وأخيراً دير الزور تم انتقاء المدعوين بحذر شديد بمافيهم أولئك الذين وجهوا انتقادات لاذعة لها وامتلكوا شجاعة تسميتها بسلطة الأمر الواقع وجهاً لوجه حيث حرص المنظمون على إبقائهم أقلية غير مؤثرة يستفاد منها في إعطاء شرعية للحوار المزعوم.
منذ تسلمه السلطة من نظام الأسد في صيف 2012 عمد pkk بتمويل منه إلى تشكيل العديد من التنظيمات السياسية الوهمية حتى بات من الصعب الإحاطة بكل الأسماء التي أطلقها، وبات التداخل والازدواجية التنظيمية بين أعضاء هذه التشكيلات أمراً عادياً، حيث يظن pkk أن مجرد صناعة الواجهة الاعلامية لهذه التنظيمات كافٍ لإعطائها الصفة التمثيلية السياسية، وبهذه الطريقة بات الحزب يقود قائمة طويلة من التنظيمات الكردية والعربية والآشورية الفارغة التي ليس لها وجودٌ على أرض الواقع.
كما وزع كوادره وأعضاء فرعه في سورية PYD على الأحزاب التي شكلها بما فيها تلك التي أطلق عليها عناوين سورية توحي بخلفية عربية ومثالها مايسمى بحزب سوريا المستقبل الذي نقل إليه كوادر قيادية من PKK وPYD تقوده بشكلٍ فعلي.
وتمكن الحزب من عقد شراكة زبائنية مع بعض الشخصيات العربية والسريانية الانتهازية، واشترى بعضها الآخر من أجل شرعنة وجوده وتزوير إرادة المكونات الإثنية الموجودة تحت سلطته، وأزجى له النظام هديةً عندما دفع ببعض الشخصيات العميلة المرتبطة به للانخراط في تشكيلاته لقاء اطّلاعه على مايدور فيها عن كثب.
تلك هي حقيقة التمثيل السياسي المزوّر للمكونات التي يحكمها PKK شرقي الفرات ولايشذّ الأكراد السوريون عن هذه القاعدة رغم ادّعاء الحزب تمثيلهم بحكم وحدة الانتماء القومي.
وأسوة بمؤتمر صحارى للحوار الوطني الذي عقده النظام في تموز/يوليو 2011، تعتزم “مسد” عقد مؤتمر للمكونات الموجودة شرقي الفرات خلال الفترة القادمة، تتجاوز من خلاله عقدة الحوار الكردي وتشكيل المرجعية الكردية التي لم تعد بحاجة لها بعد أن أيقنت أن الوجود الأمريكي باقٍ شرقي الفرات ضمن المدى المنظور، وتجدد شرعية استمرارها بالحصول على أصوات عربية وسريانية مؤيدة لها، بدأ بعضها العربي بالإفصاح عن ذلك حتى قبل المؤتمر، في حين تنطع بعضهم الآخر للمطالبة بالفيدرالية بدلاً من PKK التي دأبت أدواتها الإعلامية خلال الشهرين الماضيين على ترويج خطاب وحدوي سوري بدا كحملةٍ تبيضٌ لصفحة الحزب من سبّة تقسيم البلاد التي لصقت به، بعد أن انكشفت مخططاته وبات السوريون بكل مكوناتهم مدركين لتفاصيلها.
لن يكون المؤتمر الموعود مختلفاً عن عشرات المؤتمرات التي نظمها PKK خلال السنوات الماضية ويبدو أنه لم يقتنع بعد بحقيقة أن زمن الأحزاب الشمولية قد ولّى، وأن لعبة صناعة التمثيل السياسي وتزويره لن تنطلي على أحد، وأن المهادنة القائمة حالياً ماهي إلا استراحة باحثين عن الحرية والديمقراطية فرضتها ظروف الحرب على الإرهاب، وأنها حتى وإن طالت فلن تسهم إلا في ترسيخ حقيقة أن الاستبداد واحد وإن تعددت ألوانه القومية والإثنية، وأن ضرورة اقتلاعه من جذوره مسؤولية جماعية يبدو مثالها العراقي قريباً منا في سنجار، ومثلما رفض العراقيون بكل مكوناتهم وجود PKK سوف يرفض السوريون وجوده أيضاً، ولن يتمكن من تزوير إرادتهم والتلظي خلف كيانات مصطنعة تدّعي تمثيلهم في سياق بحثه عن بقعة يحكمها تحت الشمس.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”