fbpx

وماذا بعد؟

0 507

لعل حالة التوصيف والتحليل لم تعد كافية لإشباع آمال ومتطلبات شعب ثار بكل عنفوانه وقدم كل ما يملك، وما يقارب مليون شهيد، ومثلهم من الجرحى وأضعافهم من المهجرين في أصقاع الأرض في سبيل حريته وكرامته. ماذا تفيد التحليلات الأمهات الثكالى واليتامى والمغتصبات والقابعين في معتقلات النظام. كل القوى السياسية الديمقراطية والقومية والعلمانية والدينية بكل أطيافها ساهمت في إضعاف الثورة السورية ولا يستثنى منها أحد. إن كانت أحزاباً أو منظمات أو شخصيات.

لم يقو النظام ولم يحقق انتصاراته بدعم حلفائه فقط، بل أولاً بسبب فرقة الثوار والمعارضين على حد سواء واستغلالهم للمناصب في جمع الثروات وممارسة أفعال تشابه أفعال النظام بل وتزيد عنها أحياناً في الانتقام والحقد، وأيضاً فَقدُ الثقة بهم من قبل داعميهم. وتركهم للشعب يلقى مصيره في القتل والتشرد والاعتقال. وحتى الآن لم يستطع المعارضون تقريب وجهات النظر لتجميع قواهم في جسم واحد قوي يُعتمد عليه في تحقيق أهداف الثورة السورية. وهذا ما أدى إلى تخلي الشعب عنهم، وربما في المستقبل يميل إلى الطرف الآخر أو يلتزم الحياد حيال هذه الحال، فالضغوط الهائلة على الشعب السوري في الداخل والخارج التي أوصلته حد اليأس، سوف تجبره على ما لا يرغبه أحد وخاصة من المعارضين. 

إن الائتلاف ومؤسساته لم تمثل إلا مجموع القوى التي ادعت قيادة الثورة وفُرضت على الثورة بل وساهمت في تشتيت القوى وانقسامها كما فعل ويفعل نظام الأسد. وكذلك خُلقت مئات المنظمات لتشغيل آلاف الثوار وحرفهم عن العمل الثوري الحقيقي وتوجيههم إلى الأعمال المدنية الوهمية وجمع الدولارات.

لم يعمل الائتلاف لصالح الثورة وهذا ما صار واضحاً منذ حلوله مكان المجلس الوطني وإن كل من انضوى معه من قوى أو عمل في مؤسساته يعرف ذلك جيداً. وها نحن نصل إلى مرحلة “الائتلاف لا يمثلني”. 

ما البديل؟ سؤال يدور في أذهان الملايين.. الثورة يجب أن تُمثّل ويكون لها قيادة. لماذا لا يكون هناك قيادة بدلاً من هذا الائتلاف الذي يتخبط ويصدر قرارات تعود عليه بالنقمة أكثر فأكثر، وتؤكد ارتباطه بدول، لا يستطيع أن يخرج عن الخطوط المرسومة له من قبلها، وأكثر من ذلك تماهيه مع النظام في قراره الأخير بإنشاء مفوضية وطنية للانتخابات. 

العديد من المبادرات على الأرض موجودة ولكنها لا تستطيع الالتقاء ببعضها لأن ما رسم لها هو عدم التعاون أو الاتحاد أو الدخول في تحالفات وذلك لأنها مرتبطة بالأجندات الدولية وأيضاً فهي ليست وطنية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنىً، وبالتالي فهي مبادرات مقيدة وميتة قبل أن تولد.

والسؤال الآن لكل من يهاجم الائتلاف ويتهمه بالخيانة وتقديم التنازلات.. أين أنت الآن على الأرض السورية.. أين أنت من الثورة السورية.. ما الذي يمنعك من العمل ضمن قوة واحدة موّحدة.. متى تنزع عدم الثقة بالآخر.. هل تعتقد أن الزمن ينتظرك إلى الأبد؟

إن وجود قيادة موحدة للثورة السورية أمر بات أهم من كل الأحاديث والتحليلات والفرقة والانقسامات ورمي الاتهامات بهذا الاتجاه أو ذاك. وهذه القيادة يجب أن تكون قيادة قوية منتخبة بشفافية عالية تمثل القوى السورية باتجاهاتها، وانتماءاتها كافة، وتذلل كل العقبات للوصول إلى تحقيق أهداف الثورة، وتعمل على التحضير لمرحلة انتقالية حقيقية دون أي رمز من رموز النظام، وتظهر الصدق للشعب والوطن، والشعب هو الأساس الوحيد لبناء دولة المؤسسات، دولة الحريات، دولة المواطنة الحقيقية. نظام الإجرام لم يسقط ولن يسقط وحالنا هكذا. وهنا يجب أن تبرز القوى الديمقراطية التي حاربها نظام الأسد الأب وبعد نظام الابن ومن بعدهما مدّعي الثورة من ائتلاف وغيره من فصائل وتنظيمات، وعملت على تحييدها القوى الدولية والإقليمية. فهذه القوى الديمقراطية باعتقادي هي من تستطيع الدفع بالثورة نحو الأمام والحفاظ على أهدافها.

ها قد مرت عشر سنين ونحن نتراجع حتى وصلنا إلى مرحلة التسليم. لذا يجب أن ننطلق من جديد ونعمل وفق أهداف ثورتنا ولخير الشعب والوطن، وذلك بتوحيد جهود كل الشرفاء، الغيورين المحبين للوطن والمؤمنين بحرية وكرامة الشعب السوري العظيم عاملين على نبذ كل متسلق، مستفيد، خائن في الداخل والخارج. فالثورات لا تقوم إلا لتنتصر.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني