ما وراء ما يجري في الأراضي الفلسطينية.. من يُسقط من؟
دفاع المقدسيين عن حي الشيخ جراح، وعن المسجد الأقصى، ليس مجرد رد فعلٍ على محاولة تدنيس الأقصى فحسب، بل هو فعل يرتبط أيضاً بالذاكرة الجمعية الفلسطينية، التي عجزت إسرائيل عن محوها، أو تذويبها، طوال سبعين عاماً من اغتصاب الصهيونية لفلسطين.
القدس والأقصى رمزان ثابتان للهوية الوطنية الفلسطينية، وهما أيضاً رمزان لقداسة مدينة بقيت في حالة تعايش طبيعية بين مكوناتها، إلى أن سقطت بيد إسرائيل في عدوان عام 1967.
مظاهرات الفلسطينيين في القدس عبّرت عن خيبة أمل عميقة بدور القيادة التي يمثلها محمود عباس، فهذه القيادة لم تستطع ابتكار مقاومة ضد قرار إسرائيل برفض شمول الانتخابات لمدينة القدس العربية.
هذه المظاهرات المسلحة بالهتاف وبذل الدم، استجابت لها مناطق فلسطينية في الضفة والقطاع ومناطق عام 1948.
الاستجابة في المناطق الفلسطينية المختلفة، تختلف من حالتها الشعبية إلى حالتها السياسية، فدوافع المقدسيين تتركز على منع إسرائيل من تهويد القدس القديمة بصورة مباشرة، لأن من سيخرج من هذه المناطق هم المقدسيون أصحاب هذه البيوت، قبل أن يتم اغتصاب فلسطين.
السلطة الفلسطينية في حالة انحدار سياسي متواصل، نتيجة استنفادها لدورها السياسي، فهي عجزت بصورة قيادتها الحالية، على إتمام إنجاز قيام الدولة الفلسطينية، على أراضي عام 1967 وعاصمتها القدس.
لهذا لم نسمع عن دور سياسي أو نضالي شعبي تتصدى له قيادة محمود عباس، هذا الدور يدخل في حسابات الربح والخسارة السياسيين مع معركة انتخابية مؤجلة مع حماس.
بالنسبة لحماس، وخارج بروباغندا الشعارات الوطنية، فانخراطها العسكري في معركة ضد إسرائيل من أجل القدس، يخلط أوراقاً عديدة، فهي سواء قالت أم لم تقل، تريد من نقل المعركة من مستواها السلمي إلى مستواها الحربي تحقيق أهدافٍ عديدة، أول هذه الأهداف إظهار فشل وعجز قيادة فتح جماعة عباس، وهذا يعني أن هذه القيادة باتت غير مؤتمنة على الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، سواء في القدس أم في غيرها.
وثاني هذه الأهداف هو إظهار نفسها بأنها الأقدر فلسطينياً على مواجهة إسرائيل وعلى الدفاع عن الفلسطينيين، وهذا يعني حقها بالحلول محل فتح في قيادة مشروع إنجاز الدولة الفلسطينية وفق الاتفاقات مع إسرائيل.
أما ثالث هذه الأهداف فهو غير معلن، ويتمثل بتبرير كل تعاونٍ، مع أي طرف خارجي، بحجة مقاومة إسرائيل ومشروعها، كما يحدث بعلاقتها مع إيران، وتبرير هذه العلاقة من منطلق بروباغندا أن إيران بلد ضد الصهيونية وضد الشيطان الأكبر، ومع ذلك لم يفعل ما يسمى (فيلق القدس) الإيراني أي شيء حيال نصرة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للوحشية الإسرائيلية.
أما فلسطينيو الخط الأخضر، فهم بالطبع من محتدٍ فلسطيني، ولكنهم يحسون باعتبارهم إسرائيليين، أنهم مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة، سيما وأن اليمين الإسرائيلي يطرح مسألة يهودية الدولة، وهذا يدفعهم إلى تأييد الحراك المقدسي والفلسطيني الحالي من منطلق تغيير قواعد اللعبة في داخل الدولة الإسرائيلية.
اليمين اليهودي، وفي مقدمته نتنياهو والليكود والأحزاب الدينية، لم يستطيعوا بعد انتخابات متعددة رأب الصدع الانتخابي لمصلحتهم، ولهذا هم يذهبون إلى تصعيد عسكري، يتلاقى مع تصعيد عسكري فلسطيني، بأهداف تخدم توجه كل منهما على حدة.
الطرفان لا يريدان انتفاضة سلمية في أراضي عام 1967 أو في الخط الأخضر أو في قطاع غزة، لأن هذه الانتفاضة ستفسح في المجال إلى بروز قيادة فلسطينية أكثر وطنية من عباس وحماس، وتشبه بصورة ما قيادة مروان البرغوثي للانتفاضة، وهذا يهدد الوجود الإسرائيلي واستمراره في مناطق الضفة على الأقل.
استمرار الاحتجاجات السلمية، كان سيطيح بكل مشاريع تأييد إسرائيل، أو التقارب معها، كما حدث من بعض الدول العربية، وتحديداً مشيخة الإمارات. وهذا يعني انكشاف كل الادعاءات السابقة، سواء في معسكر من يطلقون على أنفسهم (معسكر المقاومة والممانعة)، أم في ضفاف سياسية أخرى.
لهذا يمكن فهم المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحماس وفق مصالح كلٍ منهما سياسياً، فهي بالمحصلة لا تخدم تفكيك إسرائيل من الداخل، وتعميق تناقضاتها الداخلية، التي كان من الممكن لاستمرار الاحتجاجات السلمية أن توسّع من مساحتها، لتشمل كل أراضي فلسطين التاريخية.
الاحتجاجات الفلسطينية أظهرت بجلاء وحدة نضال الفلسطينيين والسوريين، ولهذا رفع المتظاهرون في القدس وغيرها من المناطق أعلام الثورة السورية، هذا الأمر يرعب كل أعداء الثورتين والشعبين.
بقي أن نقول إن الفلسطينيين يراكمون من تجذير وعيهم، لوحدة نضالهم مع نضالات شعوب المنطقة، ويساهمون في تعميق الشرخ الصهيوني، وبنائه السياسي، الذي يستحوذ عليه اليمين غير القادر على خلق فرصة السلام، وفق القرارات الدولية أو مشروع السلام العربي.
إن مشاريع اليمين الصهيوني، والمشاريع الأبعد من الوطنية فلسطينياً، يمكنها الاستمرار في المرحلة الحالية، لغياب عوامل حسم وجودها، فالأرضية التي تحتاجها عوامل تفكيك هذين الاتجاهين، لم تولد بعد، وكان من الممكن أن تولد بعد انتصار الثورة السورية، التي يدرك أعداؤها خطرها الوجودي عليهم وعلى كياناتهم الهزيلة، ولهذا تباروا في السباق على إجهاضها بطرق مختلفة.
ما حدث كانه القطرة التي ملأت الكاس وصواريخ حماس تحظى بإهتمام واحتضان من كل الأطراف الفلسطينية واستطيع القول أن القرار الفلسطيني انتقل من رام الله الى غزة
المنتصر حتى الان نتنياهو واسماعيل هنية