fbpx

قراءة في رواية “هندسة العبث” عبث له هندسة وهندسة كلها عبث.. هكذا تحدث علال الراضي

0 1٬019
الروائي علال الراضي

قابلته الحياة بكل ما فيها من عبث، وواجهها بالمزيد من العبث، هكذا تحدث الكاتب علال الراضي في روايته البكر “هندسة العبث”، متنقلاً في سجل ذكرياته بين صباه وشبابه، مسجلاً بسخريته اللاذعة رفضه لكل شيء متفق عليه بين اثنين، فالعلم والتقاليد والمشاعر اليومية والأخلاق العامة والقوانين، كلها أشياء في ذهن علال لا تستحق الاعتداد بها، لأن صانعيها لم يتفقوا بالكاد على شيء فيها.

موجات متتالية من النقد العميق والجريء يصدرها عقل المهندس الذي درس الرياضيات، ثم عمل في مجال هندسة الاتصالات، لكنه لم يغادر نفسه، إذ هو كما يصف نفسه “ابن الجبل”، وبقي على حاله ذاك يراقب العالم من أعلى، كدأب أبناء الجبال، لكنه لا يكل ولا يمل في المراوحة بين صعود القمة ثم العودة إلى أقصى نقطة بين منحنيات الجبال وخوانقها العميقة.

إن علال الراضي في هذه الرواية، التي جاءت في 168 صفحة، من القطع المتوسط، والتي عايشت معظم لحظات كتابتها، بل وعايشت الكثير من الأحداث الملهمة لصاحبها، يقف أمام المرآة عارياً، لا يتدثر سوى بعبثه الذي اختاره فلسفة في الحياة قبل أن يختاره منهجاً في التفكير، متأثراً إلى أقصى حد بالنزوع النتشوي الحاد نحو العبث بكل شيء وتكسير كل الأنساق والقيم قديمها وحديثها، ولذلك لا يكف هذا الأشعث الطويل القامة ذو الصوت بالغ الخشونة، عن تتفيه كل شيء يقابله، في روايته كما في يومه ومسيره.

متعة فائقة هي تلك التي سيجدها كل من يطالع رواية “هندسة العبث”، ذلك أن مجرد قراءة الصفحات الأولى ستجعلك أسيراً لخيوط أحداثها وشخصياتها، وكأن كاتبها يكتب بكاميرا تجول في ذهنه وأذهان من يقابلهم ويتأمل تفاصيل أفعالهم وحكاياتهم، من نادل الحانة التي ليست في نص علال سوى “مسرح” إلى طبيبه النفسي، الذي ما فتئ أن صار “مريضاً” يعالجه “العلال”، إلى والده ورفاقه في الجامعة.

عبث هو تتم هندسته ليصير نظاماً يزعم أنه لا يخادعنا في شيء، وهندسة هي ليست سوى عبث وفوضى برغم أن دارسها وممتهنها علال لطالما ظن أنه يدرس ويعمل في حقل منظم وقصدي وغائي، كما يزعم كهنة معبد العلم، غير أن علال في روايته يريد أن يخبرنا أن كل ذلك محض عبث في عبث. لتذوب كل المزاعم وتختفي ولا يبقى سوى مواقف الطرافة الممتلئة إنسانية وبساطة تتراءى تارة في تناقضات المواقف وتارة في سخرية التخلي عما كان بالأمس حلماً، حينما ينزل الواقع بثقله على أجساد الحالمين.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني