fbpx

انفجار بيروت والعودة للموقف الوطني والإنساني

0 237

أعاد انفجار مرفأ بيروت في الخامس من شهر آب أجواء الانقسام والتباين الشعبي العربي/العربي، التي سادت في أعقاب الثورة السورية منذ العام 2011 وحتى اللحظة. ذلك الانقسام الذي انطلق من تقديس نظام الأسد من قبل بعض العرب على خلفية خطابه المعلن بخصوص القضية الفلسطينية؛ وطبيعة العلاقة مع الدولة الصهيونية؛ والولايات المتحدة الأمريكية. تقديس يتجاهل جميع جرائم الأسد بحق قوى المقاومة وحركة التحرر العربية في ثمانينيات القرن المنصرم، كما يتجاهل إجرام الأسد المتواصل بحق الشعب السوري منذ سيطرته العسكرية على حكم سورية وصولاً إلى مجازره العديدة في أعقاب الثورة السورية بحق أطفال ونساء ومدنيي سورية.

فقد ساهم تدويل القضية السورية، وتحويلها من صراع ثورة شعبية تواجه مافيا استبدادية إجرامية حاكمة وناهبة لخيرات سورية والسوريين، إلى صراع دولي على ومن أجل أرض سورية، في طمس الحقائق، وحرفها إلى تحزبات إقليمية ودولية تتناقض مع مصالحنا الوطنية الأساسية. وهو ما بتنا نلمس آثاره وتداعياته بصورة يومية إعلامياً وسياسياً وميدانياً وللأسف اجتماعياً أيضاً. إذ تم تغييب المسار الوطني لصالح دعم مسار هذا الطرف الدولي أم ذلك، بذرائع عديدة تنطلق غالبيتها من مقولة “الرمد أحسن من العمى”. وهو ما طمس أهدافنا الوطنية ورؤانا المستقبلية لصالح أهداف ومصالح دولية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، تقريبا منذ الـ 2014 وحتى اللحظة.

إلا أن حدث انفجار بيروت الكارثي الذي أودى بحياة العديد من المدنيين، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وسواهما من جنسيات أخرى، والذي امتدت تداعياته لتطال البنية الثقافية والسياسية العربية السائدة، لنستعيد مجدداً أجواء الاستقطاب التي أفرزتها الثورة السورية، انطلاقاً من تقديس حزب الله من قبل بعضهم، ورفضهم الاعتراف بمسؤوليته السياسية والإدارية والأخلاقية” بحدها الأدنى”، أسوة بسائر مركبات النظام اللبناني الطائفي والفاسد. فلبنان اليوم وفق تحليل مقدسي الحزب ممن يخونون معارضيه، هو الحزب والطرف المهيمن والمسيطر على النظام اللبناني، وعليه فإن الاحتجاج الشعبي اليوم بأي شعار كان، ولو كان الشعار “كلن يعني كلن؛ وما حدا مستثنى منهم”، بمثابة مؤامرة تستهدف الحزب مباشرة.

وهو ما دفعهم مرة أخرى للبحث طويلاً وكثيراً في أي ملمح أو تسريب أو حادثة مهما صغر حجمها، أو حجم منفذيها لاتهام الثورة اللبنانية بالطائفية أحياناً والعمالة الخارجية في أحيان أخرى، فرنسية كانت أم صهيونية. وهي ذات العقلية الخبيثة التي ناصرت نظام الأسد وخوّنت الثورة السورية قبل حوالي تسع سنوات. لكن مع تغير بسيط في المشهد الشعبي العربي العام، قد يسفر عن تحولات نوعية في وعي منطقتنا العربية وطنياً وإنسانياً، ناتج عن خصوصية لبنان عربياً، ولا أقصد خصوصيتها المفروضة من قبل المنظومة الطائفية السائدة في لبنان، أي خصوصيتها الطائفية، بقدر ما أقصد خصوصيتها الثقافية والإعلامية والترفيهية. التي جعلت من لبنان محط أنظار غالبية الشعوب العربية، قبل انتفاضة 17 تشرين وبعدها، وهو ما يساهم في فضح أكاذيب جميع السياسيين اللبنانيين، وجميع القوى الطائفية اللبنانية، ومنهم بلا أدنى شك الطرف المهيمن، حزب الله، الذي لم يدع مناسبة خطابية لأمينه العام تحديداً، إلا وهدد فيها الثورة واللبنانيين، محذراً إياهم من مغبة استهداف العهد والحكومة والبرلمان، فجميعهم في منطق حسن منظومة واحدة تحت راية الحزب وبالتالي راية إيران.

وعليه فقد تساهم خصوصية لبنان في تحقيق ما عجزت عنه الثورة السورية العادلة في تحقيقه، بحكم انفضاح أو على الأقل سهولة تتبع فضائح القوى الطائفية اللبنانية، مقارنة مع طبيعة النظام السوري المغلقة، التي حالت دون إطلاع العديد من الفئات العربية على جرائمه الاقتصادية والسياسية والمدنية بحق سورية والسوريين قبل الـ 2011 من ناحية. وبسبب سوء أداء الجسم المعارض السوري الرسمي ثانياً، ممثلاً بالمجلس الوطني أولاً، والائتلاف لاحقاً، الذين ساهما في إنجاح مخططات الأسد الرامية إلى تحويل مسار الثورة السورية، من مسار ثورة/نظام، إلى مسار طائفي أحياناً ودولي لاحقاً، والذي تخلله تقصير فادح في فضح ممارسات الأسد السابقة واللاحقة والراهنة، وصولاً إلى الفشل في التحريض عليه أولاً وفي استقطاب الشارع السوري ثانياً، وفي استقطاب مزيد من الدعم الشعبي العربي والدولي ثالثاً.

بمعنى آخر أجد أن معركتنا الأساسية اليوم، تتمثل في فرض موقف وأجندة وبرنامج وطني وإنساني حقيقي وواضح، لبناني؛ سوري؛ فلسطيني… إلخ، فهذا هو سبيلنا الوحيد للخلاص من قوى الاستبداد والإجرام والطائفية، ولو تأخر قليلاً. في حين أن البناء على التفجير لضعضعة هيمنة الحزب في لبنان، أو لكبح دوره في سورية، أو لتحجيمه في العراق أو اليمن فقط، دون أن يترافق ذلك مع تحقيق تقدم ملحوظ على صعيد الموقف والبرنامج الوطني، بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر، حتى لو نجحت مرحلياً. أي لن تصمد طويلاً، كونها لم تعالج جذر المشكلة الأساسي، الكامن في غياب البرنامج والموقف والأجندة الوطنية والتقدمية والإنسانية، لصالح أجندات دولية متباينة ظاهرياً ذات امتدادات طائفية وعرقية وإثنية وقومية في منطقتنا، تفسح المجال أمام حزب الله وغيره من القوى الرجعية والطائفية والعنصرية للتوغل والتمدد.

لذا فإن معركة السوريين واللبنانيين اليوم هي هدم مجمل المنظومة الطائفية الفاسدة والمجرمة، سواء المهيمنة على الدولة أو تلك المهيمنة على الأجسام المعارضة المصطنعة خارجياً. فرغم إجرامية حزب الله داخل وخارج لبنان، إلا أنه جزء من كل إجرام ينطلق من إثارة نعرات وانقسامات دون وطنية، مدعومة بخطاب عنصري مقيت يرفض الآخر ويدعو إلى نفيه وإلغائه جسدياً ومعنوياً. فبديل حزب الله في لبنان هو أمل أو المستقبل أو أي قوى طائفية أخرى، وبديله في سورية اليوم هو مليشيات وكتائب طائفية إيرانية؛ عراقية؛ أفغانية أو سنية كالنصرة وداعش، أو سواهم من قوى رجعية وعنصرية. في حين أن بديل المنظومة الاستبدادية والاستعمارية والطائفية والعنصرية الإجرامية والفاسدة في كل من لبنان وسورية تتمثل في نظام ديمقراطي علماني أو مدني؛ بالحد الأدنى؛ يفصل الدين عن الدولة ويعيد تحديد دور الدولة الاجتماعي والسياسي والوطني على أساس يضمن المساواة والعدالة والحرية والرخاء لجميع مواطنيها دون أي تميز يذكر.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني