المفكر إبراهيم محمود أحد أغزر الكتاب المعاصرين
يصدر ثلاثين كتاباً في سنة واحدة!
إذا كان المفكر الكردي السوري إبراهيم محمود قد لفت نظر كثيرين، في ربيع هذه السنة، وبعد مرور ما يقارب شهراً ونصف الشهر – فحسب – من قرع جرس حالة الحذر والحظر الكوني، بسبب جائحة كورونا، أنه ألف كتاباً بعنوان” كورونا- كورنر” في حوالي ستمئة صفحة، فإنه بعد شهر آخر فقط، من إعلان هذا الكتاب، أعلن عن إصدار ستة كتب أخرى في وبائية “كورونا” ذاتها، ما بين تأليف وترجمة، وهو الذي يترجم عن الفرنسية ولغته الأم الكردية!
وكمحاولة تعريف أولى بعالم الباحث والإنتربولوجي إبراهيم محمود – وهو من مواليد قرية خربة عنز/قامشلي 1956 – أذكر أنه عندما كان يزورني في صباحات أيام الوطن، قبل هجرتي، ومن ثم هجرته، فيقول لي: استيقظت في الخامسة صباحاً، كتبت فصلاً من كتابي الفلاني، وآخر في الكتاب الفلاني، وأرسلت مقالي السياسي إلى الموقع الإلكتروني، وها أنا عندك – وينضد كتاباته بإصبع واحدة على حاسوبه – ثم يحدثني عن كتاب ليلة البارحة الذي انتهى من قراءته، ولا أستطيع قراءته، من جهتي، في أربعة أيام أو أكثر، وأكون قد استيقظت للتو، بعد أن نمت فجراً بسبب سهرة ما، أو نشاط سياسي!
ينوف عدد كتب مؤلف بعض أمهات الكتب من مثيلات: الشبق المحرم – المتعة المحظورة – الضلع الأعوج – المرأة وهويتها الضائعة – الجنس في القرآن – جماليات الصمت في أصل المخفي والمكبوت – الفتنة المقدسة – أئمة وسحرة – القبيلة الضائعة… إلخ عن ثلاثمئة كتاب: ورقي وإلكتروني، إذ إن قائمة الإصدارات الورقية بلغت مئة وعشرين كتاباً كما أن قائمة ماهو منشور إلكترونياً بلغت مئة وثلاثة عشر كتاباً، عدا المجزآت، ومالم يعلن عنه بعد!
ما دفعني للكتابة عنه، هذه المرة، هو أنه بعد تسريب شريط فيديو أرسله إلى بعض أصدقائه وهو واقف أمام – بيدر عال في قبو منزله الدهوكي – من كتاب في ثلاثة أجزاء ضمن علبة تجليد فني صادرة عن دار الزمان. أحد أجزائه يقارب الألف وخمسمئة صفحة، إلى جانب كتابين آخرين، عن الشخصية الكردية المعروفة “عليكي بطي” الذي بدت بطولاته التي قام بها أشبه بالأساطير، وهو اسم ذائع الصيت بين الكرد، وراح بعضهم يسأل:
ترى كم استغرق الكاتب في تأليف هذه الثلاثية التي ضمتها – علبة بديعة واحدة إطاراً ومحتوى – وهي دراسة معمَّقة، وثائقية – كما كتابه “دولة حاجو آغا – وفي جزأين منها، كما أن الجزء الثالث عبارة عن نصوص مترجمة بمشاركة آخرين، وكان الجواب يبدو صادماً حين يكون: لقد أصدر هذا الكاتب خلال هذه السنة عشرين كتاباً ورقياً مطبوعاً، عدا حوالي سبعة عشر كتاباً إلكترونياً منشوراً على موقع “شركة أمازون الدولية”.
قد يبدو هذا الحديث، من لدن من لم يقرأ إبراهيم محمود بعد، محض تسويق متهافت للرجل الذي لا يحتاج إلى الأضواء التي لا تظهر البتة أمام إشراقات مشروعه التنويري الإبداعي الهائل والمهم، كأحد أغزر الكتاب المعاصرين، عالمياً، على حد زعمي، بما يدعوني لأسميه – المفكرالمعجزة – ولعلَّ أياً من مفكرينا المعاصرين لو استعرض نتاجاته، وعاين تفاصيل حياته اليومية بالغة المتاعب، على صعيد تأمين اللقمة والمأوى – وهو المهاجر- الذي ألف نصف كتبه خلال سنوات الحرب العشرة – ناهيك عن طبيعة مرضه المزمن، وإحساسه بالظلم وهو بين أهله: كرده وعربه في آن واحد، ما يكاد يفقده الثقة بكثيرين من حوله، فمن مؤلفاته التي صدرت هذا العام، وسأحاول أن أستعرضها لئلا يبدو كلامي تجديفاً:
– جسد العاهرة “دراسة في نصوص السوأة المباحة”، دار سطور، بغداد، ط1، 2020.
– أن نلبس سروالاً قصيراً “نصوص ما فوق الركبة” دراسة، دار سطور، بغداد، ط1، 2020 .
-الهارب إلى التاريخ، ابن خلدون ووعي المجهول “دراسة” دار أمل الجديدة، دمشق،2020 .
– أطياف الصابون: ” فسحة الرغوة والجلد”” دراسة في جماليات الصابون وملابساتها “دار أمل الجديدة، دمشق،2020.
-نحو قراءة معاصرة في الإعجاز القرآني “دراسة”، دار أمل الجديدة، دمشق، ط1، 2020.
-الزعيم الكردي عليكي بطي “بطلاً، تاريخياً، أسطورياً، وشعبياً” في مجلدين، دراسة، دار الزمان، 2020.
-عليكي بطي في الوثائق العثمانية/التركية “إعداد وتقديم” ومشاركة في الترجمة، دار الزمان، 2020.
-الحيوان الذي أنا عليه، لجاك دريدا، نصوص مختارة، ترجمة عن الفرنسية، دار تموز، دمشق، 2020.
– الأرشيف، الأثر، الفن، لجاك دريدا، الترجمة عن الفرنسية، دار الحوار، اللاذقية، 2020.
– أصوات (مقابلات مع جاك دريدا)، الترجمة عن الفرنسية، دار الحوار، اللاذقية، 2020.
– ديكة بمنقارين: عن الصراع بين أقطاب التحليل النفسي، الترجمة عن الفرنسية، دار أمل الجديدة، دمشق،2020.
– مقاومات في التحليل النفسي، لجاك دريدا، الترجمة عن الفرنسية، دار الأمل الجديدة، دمشق، 2020.
– حدوس :البنية – الاختلاف – العمارة – الفصل العنصري، لجاك دريدا، ترجمة عن الفرنسية، دار الأمل الجديدة، دمشق، 2020.
– لا كان نفسه “سيرة حياة، ومقالات موازية ومتممة لفيليب سولرز”، ترجمة عن الفرنسية، دار الأمل الجديدة، دمشق، 2020.
– ميثولوجيا النهايات “مقالات مترجمة حول الأدب والتحليل النفسي” ترجمة عن الفرنسية، دار الأمل الجديدة، دمشق، 2020.
– أطفال التحليل النفسي: “مقالات مترجمة عن الطفل من منظور التحليل النفسي” ترجمة عن الفرنسية، دار الأمل الجديدة، دمشق، 2020.
وإذا كنت قد أوردت أسماء الكتب ودور النشر وتواريخ نشرها، في سنة واحدة، بل ثلاثة أرباع سنة، فذلك لأبين مدى غزارة إنتاج هذا المفكر. العالم، بل عبقري الكتابة – بلا ريب – فمن حق أي منا السؤال: أي كاتب غزير الإنتاج هذا الذي أنتج إلى الآن، كل هذا المنجز. التراث، في مجالات مختلفة، من الشعر والقص والرواية والبحث والفكر والتاريخ والفلسفة والميثولوجيا والنقد ونقد النقد والبنيوية وما بعد الحداثة والترجمة بل والسياسة، وذلك، خلال حوالي أربعين سنة من عمره الكتابي، وحوالي أربع وستين سنة من عمره الطبيعي، وهو لما يزل يعمل، وقد كان معيل أسرته الوحيد، ولا مورد له إلا من عمله كمدرس لمادة الفلسفة في ثانويات ومعاهد مدينته الأم: قامشلي؟
ولعله يخطر في بال بعضنا، وهو يقرأ معلومة – كهذه – أننا إذاً، أمام كتب جدّ عادية، سريعة، اعتمد مؤلفها على ما هو كمي، لا على ما هو نوعي، إلا أن قراءة أعمال المفكر السوري الكردي إبراهيم محمود تدحض مثل هذا الافتراض، بالرغم من أن كتبه – في أكثرها – جد عميقة، استثنائية، فيها رؤاه، بل إن من بينها ما يمكن اعتباره الرائد في مجاله، بارتقائه إلى أمهات الكتب التي تعد مراجع لها، لاسيما في ما يتعلق بالفكر، أو الفكر الفلسفي، وقراءة التراث، وقد صدر بعض منها من دور نشر عربية واسعة الانتشار مثل دار: الريس- الحوار- مركز الإنماء الحضاري- دار الينابيع إلخ… وأن كتبه جميعها تم تبنيها من قبل هاتيك الدور لأن هذا الكاتب – غير المفرغ للكتابة بعد – غير قادر على تأمين متطلبات طباعة كتاب واحد، حتى اللحظة، بالرغم من تعدد طبعات بعض كتبه، ولطالما هو حتى الآن يضطرب في أواخر بعض الأشهر أمام تدبير أجرة بيته الذي استأجره في – دهوك – التي يعمل في أحد أهم مراكز دراساتها – مركز بيشكجي – بصفة “باحث” مقابل راتب ضئيل لا يعادل مكافأة مقال يكتبه في هذا المركز وهو الذي دأب إلى فترة طويلة ينشر كتاباً فيه كل شهر، بل له بضعة كتب في “إسماعيل بيشكجي” 1936 الذي سمي الكتاب باسمه نظراً لاهتمامه بقضية الشعب الكردي في كردستان تركيا وسجن لأجل الكرد حوالي ثماني عشرة سنة، من أصل ست وسبعين سنة من الحكم عليه بسبب هذا الملف؟
إن حالة إبراهيم محمود – وفق تصوري – تعد معجزة في عالم التأليف والفكر والإبداع، وليس من بين من يكتبون بالعربية أو الكردية أحد يستطيع أن يبزَّ ما أنجزه، حتى وإن اعتمد على – و رش – كتابية من قراء، ومساعدين، وموظفي أرشيف وتنضيد وتصفيف وطباعة، بما يشكل مؤسسة كاملة، إلا أن ما يثير الاستغراب أن كاتباً – كهذا – لا منبر كتابياً له شأن الكتاب الكبار، ولا جهة داعمة لضمان حياة كريمة له، ويكاد لا يتم الإعلان عن مؤلفاته إلا عبر موقع إلكتروني ينشر فيه مقاله السياسي شبه اليومي وهو موقع “ولاتي مه”، إلى جانب قراءاته، وتصانيفه، ومؤلفاته، بل وعمله في مركز بحثي!
لم ينتم إبراهيم محمود إلى أي حزب سياسي، خلال حياته، ولعل هذا ما سبب له حالة العزلة، ليس لشخصه وحده، وإنما لمنجزه الهائل، ككاتب موسوعي، شامل، يستحق التكريم، وإن كان لا يقبل التكريم من كثيرين لربما سيذكر التاريخ يوماً ما أنهم عاشوا عصره، كما هو حال غزيري الإنتاج عبر التاريخ الإسلامي، وما أكثرهم، من أمثال: السيوطي وأبي قتيبة الدينوري والطبري وابن تيمية وسواهم بالرغم من أنه يسجل لكل هؤلاء أنهم صناع مكتبات زمانهم، ولم تكن هناك مدونات كافية يستقون منها، وينطلقون منها!
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”