المسؤولية التقصيرية
يعتبر مفهوم المسؤولية من أهم المفاهيم والمصطلحات التي يبنى عليها قواعد قانونية، لما لها من مداخيل في مختلف المواقع من السلوك الفردي والجماعي، فالطبيعة الإنسانية تميل للتفرد والحرية وممارسة الحياة بكل أبعادها لكن يقف أمامها حاجز الآخر لذلك قيل (تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين) أي مسؤولية الفرد بامتناعه عن إلحاق الأذى والضرر بالآخرين، وهذا يقودنا إلى تعريف المسؤولية.
المسؤولية: هي قدرة الفرد على الالتزام وتحمل نتائج أعماله إيجابية كانت أم سلبية، يتضمن هذا التعريف جوانب المسؤولية الإيجابية منها وهي احترام الذات والثقة بالنفس وتنمية القدرات وكسب احترام الغير والمساهمة في تطوير المجتمع، وبناء على ذلك فالمسؤولية تصنف إلى أنوع منها المسؤولية الأخلاقية والقانونية والاجتماعية، وساهمت دراسات واجتهادات لمفكرين عصريين نتيجة التطور التكنولوجي والصناعي والتجاري لإيجاد نوع آخر من المسؤولية وهو المسؤولية الموضوعية. فنحن أمام توضيح لتلك الأنواع من المسؤولية.
– المسؤولية الأخلاقية التي يلتزم بها الفرد بموجب أخلاقه وضميره مراعياً قواعد المجتمع والأهداف الإنسانية العامة ومنها، الإحساس بالمحتاجين والوقوف مع المظلومين والتضامن مع القضايا العامة
– المسؤولية المجتمعية: وهي التزام منظمات المجتمع المدني والمجتمع المحلي بقضايا العامة والمساهمة في تنمية المجتمع وتطوره.
– المسؤولية القانونية: وهي المسؤولية التي يفرضها القانون على من يرتكب مخالفات للنصوص القانونية، قد تكون مسؤولية جزائية (جريمة)، ومسؤولية مدنية (تعويض) وتسمى في الحالتين مسؤولية تقصيرية يعني أنها تقصير من قبل من يحمله القانون مسؤولية عن فعل غير مشروع سبب ضرراً للغير، عبر عن تلك المسؤولية المشرع السوري بالقانون المدني مادة /164/ “كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض” مادة /165/ “يكون الشخص مسؤولاً عن أعماله غير المشروعة متى صدرت منه وهو مميز”. والمميز من وجهة نظر القانون السوري من بلغ /15/ عاماً، وحتى من كان غير مميز ألزمه القانون بالتعويض في حال ارتكابه عملاً غير مشروع سبب ضرراً للغير، فنصت الفقرة الثانية من المادة /165/مدني سوري “ومع ذلك إذا وقع الضرر من شخص غير مميز ولم يكن هناك من مسؤول عنه، أو تعذر الحصول من مسؤول، جاز للقاضي أن يلزم من وقع ضرر منه بتعويض عادل، مراعياً في ذلك مركز الخصوم”.
والفعل غير المشروع قد يترتب عليه مسؤولية جزائية ومسؤولية مدنية في الوقت نفسه. وللإحاطة بكل جوانب المسؤولية للأفراد، رتب المشرع السوري المسؤولية عن عمل الغير: مادة /174/ وهي التي تترتب “كل من يجب عليه قانوناً أو اتفاقاً رقابة شخص بحاجة إلى رقابة، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية، يكون ملزماً بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمل غير مشروع الشخص المكلف قانوناً بالرعاية مثل الاب على أولاده القصر”.
ومن المسؤولية عن أعمال الغير، مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه الناجمة عن تأديته لعمله فنص القانون المدني السوري بالمادة /175/ “1- يكون المتبوع مسؤولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمل غير مشروع، متى كان واقعاً منه في حال تأديته وظيفة أو بسببها.
2- تقوم رابطة التبعية، ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه، متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته وفي توجيهه.”
ويعتبر الشخص مسؤولاً بالتعويض عن الأضرار التي يحدثها الحيوان الذي يكون تحت حراسته مادة /177/ وعن الأشياء التي يحرسها، حتى ولو لم يكن مالكاً لها /178/ (حارس البناء).
جاء في المادة /179/ مدني سوري “كل من تولى أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية يكون مسؤولاً عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر، مالم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه، هذا مع عدم الإخلال بما يرد على ذلك من أحكام خاصة”
المادة السابقة منسجمة مع تطورات العمل التي رافقت التكنولوجيا وتعقد العلاقات التجارية والاجتماعية و… فإذا أسقطناها على جريمة تفجير مرفأ بيروت فإن من كان بعهدته المواد المتفجرة ومن كان مسؤولاً عن المكان أمنياً وإدارياً هو من يتحمل المسؤولية عن تلك الجريمة.
قلنا إن المسؤولية التقصيرية تشتمل على جانبين للمساءلة القانونية، جانب مدني يلزم المقصر والمسبب للضرر بالتعويض والجانب الآخر هو الجزائي والذي يحمل المسؤولية الجزائية عن الأفعال المخالفة لنصوص قانون العقوبات السوري وتقتضي بموجبها إلقاء العقاب الجزائي على المرتكب للمخالفة القانونية (الجرم) ولابد من توضيح أن المسؤولية عن الجرم الجزائي تحمل مرتكبها المسؤولية بالعقوبة المانعة أو المقيدة للحرية وأيضاً التعويض عن الضرر المادي والمعنوي مادياً، سواء كان الفاعل متوقع لحدوث الضرر، أم غير متوقع فهو مسؤول عن أفعاله غير المشروعة التي ارتكبها، وسببت الضرر للغير.
والمسؤولية الجزائية لا تتحقق قانوناً حتى لو نتج عن الفعل ضرر للغير إذا لم ينص القانون على أن الفعل المرتكب مخالف للقانون لذلك، أي أن عناصر الجريمة والمساءلة عنها يوجب توفر عناصر لها، أولاً النص القانوني وثانياً الفعل المادي وثالثاً النية الجرمية ولذلك فإن القانون السوري ميز بين الفعل الناتج عن نية جرمية وبين الفعل غير المقصود فكلاهما يلزمان مرتكبهما بالتعويض عن الضرر لكن العقوبة تختلف في حال وجود النية الجرمية. مثال (حادث سير عقوبته بسيطة لمخالفة أنظمة السير أو حبس بسيط في حال كان الضرر يجاوز عشرة أيام عطالة) بينما ارتكاب (جريمة السرقة يتلقى المرتكب عقوبة المنع من الحرية).
والفرق الرئيسي بين المسؤولية التقصيرية المدنية والجزائية بالاختلاف بأحقية من كل من المضرور بالتنازل عنها فالتعويض المدني يستطيع المضرور التنازل عنه وعن الادعاء الشخصي بحق المسؤول لكنه لا يستطيع التنازل عن المساءلة الجزائية لأنها حق للمجتمع تمثله النيابة العامة في ذلك كون الفعل أضر بالمجتمع (سرقة، اغتصاب، إساءة استعمال سلطة).
المساءلة القانونية من وجهة نظر المشرع هي شخصية اسمية أي أن المرتكب وحده من يتحمل نتيجة فعله وليس سواه من أهله وذويه وتلك قاعدة عامة في حقوق الإنسان والشرائع السماوية (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
هنالك فارق بين الواقع والنص، فكم من مواطن تحمل وعانى العقوبات حتى الموت نتيجة تعبير لقريبه عن رأي، أي بالأصل لا توجد جريمة ورغم ذلك تحمل صاحب الرأي المصير المشؤوم وأفراد عائلته لم ينجوا من مضاعفات ذلك.
العدالة هي الهدف من أي تشريع أو قانون ولا نكتفي بسن القوانين بل بجب علينا الالتزام بها وتلك مسؤولية السلطة القضائية والتشريعية ومن ثم التنفيذية، في الحالة السورية ترأست السلطة التنفيذية السلطتين التشريعية والقضائية وسطت عليهما فضاع القانون وتشرد في كنفها وتدهورت حالة البلاد وتاهت في الفساد فالطريق إلى العدالة يبدأ من فصل السلطات واستقلالية القضاء.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”