fbpx

الائتلاف، الانتخابات، والبناء على حيوية الشارع السوري

0 264

أعادت أجواء الرفض والغضب الشعبي على قرار الائتلاف تشكيل مفوضية عليا للانتخابات قبل نحو 10 أيام، جزءاً مهماً مما افتقدته القضية السورية في السنوات الماضية، عماده استعادة الفعل والدور الشعبي، ولو تجسد عبر ضغط إعلامي فقط. وهو ما يذكرنا ببدايات الحراك الثوري السوري الذي كان يتفاعل عبر المظاهرات والهتافات والشعارات مع جميع التصريحات والقرارات المتعلقة بالشأن السوري، تأييداً أو رفضاً. والتي امتدت بأشكال أخرى لأشهر عديدة بعد سيطرة المكون العسكري وانحسار المظاهر السلمية، إذ نجح المدنيون السوريون في الحفاظ على تأثيرهم الفاعل لأشهر عديدة، رغم حملة التهجير التي مارسها النظام القمعي، ومن تفكك البنية الاجتماعية السورية وتشرذمها داخل وخارج الوطن، حيث عبر السوريون عن رأيهم المرحب أو الرافض لأي متغير سياسي أو عسكري بالوسائل المتاحة في حينه، استنادا لمدى تعبيره عن رؤيتهم الثورية العفوية.

ثم غاب الدور الشعبي بصورة شبه كلية في السنوات القليلة الماضية نتيجة زيادة حجم التدخلات الخارجية واحتدام التنافس والصراع الدولي على سورية، انعكاساً لقناعة سورية وربما عالمية مفادها أن القضية السورية قد باتت شأناً دولياً بحتاً لا يكترث برغبات السوريين، وبالتالي فإن الحل السوري أو تجاوز العقدة السورية (كما يحلو لبعضهم وصفها) مرهون بطبيعة الحل أو التوافق الدولي فيها وبمدى ديمومته. لذا تحول التعاطي مع القضية السورية من ثنائية شعب – نظام، إلى ثنائية أصدقاء الشعب السوري – حلفاء النظام، حتى وصلت مؤخراً إلى ثنائية تركيا – روسيا. طبعا لا خلاف حول تعاظم الدور الخارجي في سورية، ولا أنوي الخوض في تفاصيله الآن، بقدر ما يعنيني التركيز على الحسنة التي فجرها قرار الائتلاف الخاص بالانتخابات السورية، المتمثلة في تحريضه جمهور الثورة على كسر حاجز الصمت بعد مضي سنوات من اكتفائهم بمتابعة أخبار سورية، دون أي تدخل يذكر.

حيث أعتقد أن عودة المساهمة الشعبية الأخيرة، وعلى الرغم من اقتصارها على عودة إعلامية مهنية أو فردية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تَحول مهم يمكن البناء عليه في المرحلة القادمة، بل يجب البناء عليه، وذلك انطلاقاً مما جسدته هذه العودة على صعيدين مترابطين نفسي وسياسي. فمن ناحية سياسية نجح السوريون في إلزام الائتلاف بمراجعة القرار وربما العدول عنه في الأيام القليلة القادمة. وهو ما يؤسس على الصعيد النفسي تنامياً في مشاعر الثقة بقدرة الشارع السوري على التأثير مجدداً رغم حجم التدخل الخارجي، وانعكاسات التشتت والتشظي الاجتماعي جغرافياً، ورغم الصعوبات الاقتصادية والحياتية التي ترهق كاهل غالبية الأسر السورية داخل وخارج الوطن.

لذا يمكن البناء على هذه التجربة من أجل خلق فضاء سياسي وإعلامي يرصد آراء السوريين، ويسعى إلى تكوين رؤيا وبرنامج سياسي ناظم لهم، كقاعدة أولى في مسار تمثيل الشارع السوري ودمقرطة المؤسسات المعارضة، فنحن اليوم في مرحلة ذات سمات وظروف مختلفة كلياً عن تلك التي كانت سائدة في بداية الثورة السورية. الأمر الذي يفرض على أي طرف معارض يدعي تمثيل السوريين وثورتهم أن يراجع آليات عمله ونظامه الداخلي والتشريعي بما يضمن رصد وتمثيل آراء جميع مكونات الشارع السوري، فمن غير المقبول استمرار ادعاء تمثيل السوريين دون إثبات ذلك من خلال آليات ديمقراطية تعبر عن آراء وتوجهات الشارع السوري مباشرة.

إذ نعلم جميعاً أن أعداد اللاجئين السوريين اليوم أكثر من نظرائهم المقيمين داخل مناطق سيطرة النظام، وهو ما يحررهم نسبياً من مخاطر نظام الأسد الأمنية، وعليه يمكن إيجاد آلية مناسبة وعملية لاستطلاع آرائهم السياسية وحثهم على المشاركة في صنع قرارهم السياسي، وصولاً إلى ممارسة حقهم في اختيار ممثليهم، والأهم حقهم في عزلهم بأي وقت يحيدون به عن مصالح السوريين وأهداف ثورتهم. لأن الذريعة التي تم استخدامها في بدايات الثورة قد اختلفت نسبياً اليوم، حيث لم تسمح ظروف وأوضاع غالبية الشعب السوري في 2011، في بناء جسم سياسي تمثيلي يعبر عنهم حقاً، أو حتى في اختيار قادته وتحديد توجهاته وبرنامجه السياسي. الأمر الذي أفسح المجال أمام بعض القوى السياسية السورية المؤيدة للثورة، لتشكيل جسم ائتلافي يدعي تمثيل مجمل السوريين دولياً وإعلامياً، استناداً إلى مجرد توافق بين بعض المجموعات السياسية، وبدعم خارجي من هذا الطرف أو ذاك، دون أن يرتبط ذلك بمعايير تنظيمية وتمثيلية راسخة وثابته، تجعل من توجهات ورغبات وآراء الشعب السوري ناظماً أساسياً ووحيداً له.

طبعاً يجب التمييز بين الأطر الحزبية أو التنظيمية ذات التوجه السياسي الواضح، التي تعبر عن جزء من الشارع السوري ولا تدعي تمثيل مجمل الشارع السوري المعارض (يسارية، ليبرالية، يمينية)، وبين الأطر ذات الخلفية الوطنية التي تدعي تمثيل السوريين المعارضين وثورتهم وأهدافها، كالائتلاف الوطني وغالبية المنصات السياسية. فمن حق الأحزاب إقرار نظامها الداخلي وآليات عملها داخلياً بعيداً عن تدخلات غير الحزبيين؛ وإن كنت مقتنعاً بضرورة الاتفاق على محددات عامة للعمل السياسي السوري وشروطاً للبناء التنظيمي. في حين يجب على أي إطار سياسي ذو منحى وطني يدعي تمثيل السوريين، الالتزام بمعايير تنظيمية وهيكلية وعملية ديمقراطية تتيح لجميع السوريين هامشاً واسعاً من المشاركة والتأثير والاختيار بل والمحاسبة.

وهو ما يجب علينا عمله من أجل حشد رأي الشارع السوري حوله، بعد النجاح الشعبي في الضغط على الائتلاف لمراجعة قراره الانتخابي الأخير، حيث يمكن نظرياً ترتيب مجموعة من الخطوات الديموقراطية الملموسة داخل وخارج سورية، باستثناء مناطق سيطرة النظام السوري كي لا تؤدي المساهمة الشعبية المفترضة في مناطقه إلى تهديد حياة المشاركين. لأهمية هذه الخطوة على عدة أصعدة، منها تحرير ممثلي الشارع الثوري السوري من الضغوط الخارجية ومن هيمنة القوى الخارجية، وفي حماية مصالح الشعب السوري، والتأكيد على أهداف الثورة وربما تحقيقها، بل قد تساهم هذه الخطوة في تقليل الفجوة الاجتماعية والسياسية بين مختلف التجمعات السورية داخل وخارج الوطن، كإدلب ودرعا ومناطق شرق الفرات وغربه والمخيمات على الحدود التركية والأردنية واللبنانية واللاجئين داخلها وصولاً إلى مختلف التجمعات السورية المبعثرة حول مختلف دول العالم.

في النهاية أود الإشارة إلى ضرورة الانتباه إلى مجموعة من المحددات والشروط الواجب توفرها في أي عملية انتخابية داخل مرجعية الحركة الثورية السورية، فالانتخابات مجرد إجراء سياسي يهدف لسبر رأي المنتخبين وإفساح المجال أمام مساهمتهم في إدارته وتحديد سياساته وتوجهاته، لذا يجب حمايتها بضوابط تحول دون تحولها إلى وسيلة لوأد الثورة وقيمها، أو أداة لتكريس قوى الهيمنة والاحتلال الخارجية، ويحررها من هيمنة رأس المال والسطوة الإعلامية، وهو ما سوف أحاول التحدث عنه بشكل موسع في مقالة الأسبوع القادم.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني