fbpx

لغاتنا: هل هي مهددة بالانقراض حقاً؟

0 277

يستغرب بعضهم، تلك المخاوف التي يبديها الغيارى على لغاتهم، فيما إذا كانت تواجه أخطاراً ما، وذلك نتيجة أسباب متعددة، في طليعتها وجود سطوة لغة أو لغات أخرى على حساب لغاتهم الأم، وهي مخاوف حقيقية أثبتتها التجربة العملية عبر خط سير الزمن، حيث أن اللغة هي روح الناطقين بها، وهي إحدى أهم العلامات الفارقة في حيواتهم، بل إن حياتها، تعني حياة أبنائها، وإن مواتها يعني زوال هذه الحياة. فكم من أمة من أمم الأرض بسطت حضورها الحضاري من خلال لغتها!، بل وكم من أمة منها غابت عن مسرح التاريخ، وامَّحت، واندثرت، بمجرد غياب لغتها!، وفي هذا ما ينمُّ عن أن اللغة – بحق – هي من أقوى الوشائج التي تربط أفراد الأمم ببعضهم بعضاً.
ومن خلال استعراض اللغات القديمة المندثرة، تؤكد الدراسات التاريخية، أن خمسة الآلاف لغة المتبقية الآن – بحسب ما تشير إلى ذلك منظمة اليونسكو العالمية – إنما استطاعت أن تستمر حتى اللحظة، نتيجة توفر شروط ديموتها، وصمودها، ونتيجة ارتباط أبنائها بها، وحرصهم عليها، وإن هناك أضعاف أضعاف هذا الرقم من اللغات التي رصدتها مدونة التاريخ، بيد أنها انقرضت، ولم يعد لها من أثر، وفي هذا ما يؤكد أن اللغة إكسير وروح أية حضارة، أو شعب، وإن الحفاظ عليها، ينبغي أن يكون في مستوى الحرص على الذات، أمام أي تهديد يستهدف الحياة، وفي هذا ما يرفع من شأن اللغة إلى أطم وجود صاحبها، بل إنه يمكن وبشيء من المبالغة، أو حتى التطرف، اعتبار أن من شأن اللغة أن تعيد أمتها إلى الحياة، حتى بعد زوالها، بيد أن وجود أية أمة، في معزل عن لغتها، لا يعوض عن اللغة، ولا يستعيدها، في حال مواتها.
وإذا كان الخطر على اللغات قائماً، منذ بداية التاريخ، وحتى الآن، فإنه في عصر ثورة المعلوماتية والاتصالات بات الأمر على نحو أشدّ خطورة، لاسيما أن هناك لغات محددة، وفي طليعتها الإنكليزية، قد غدت في مقدمة اللغات الأكثر شيوعاً، وانتشاراً، وسيطرة، وذلك لأنها صارت لغة الإعلام المفتوح، وبات الإقبال عليها – لاسيما من قبل أبناء الجيل الجديد – يكاد يكون على حساب اللغة الأم لهؤلاء، وقد رأينا أنه منذ استهلالة ثورة التقانة والمعلوماتية، هذه، وبروز كوننة المعلومة، بعد هيمنتها، عملياً، وأخذ أدواتها المتكاثرة، بألباب الأجيال الجديدة، بل وتحولها إلى عصب الحياة، وروح الحياة، وقلب الحياة، أن كل المجريات الجديدة، تمت على حساب اللغة الأم، خارج لغة المعلوماتية “الرسمية”، إلى الدرجة التي باتت تحل مكانها، تدريجياً، وهو ما انتبهت إليه فرنسا، في وقت مبكر، بل منذ أواخر الألفية الماضية، حيث اتخذت المزيد من التدابير، من خلال تخصيص ميزانية عالية جداً، كل ذلك لحماية لغتها، وثقافتها، وحضارتها.
إن ربط اللغة بالوجود – إذاً – على ضوء كل ما سبق هو أمر مسلم به، ومن هنا، فإن تخصيص منظمة اليونسكو يوماً في العام لكل لغة، إنما له دلالات هائلة، وفي مطلعها أن اللغة، بوصفها خزان الحضارة، والثقافة، فإنها صورة عن مسيرة أي أمة عبر التاريخ، بل إنها ثمرة حراكها عبر دورة الزمن، وهي بوصلة الحاضر، ومفتاح المستقبل، بل يكاد المرء أن يقول: اللغة الإنسان، اللغة الشخصية، اللغة التاريخ، اللغة الحضارة، اللغة الماضي، والحاضر، والمستقبل، وإن حماية اللغة لا يقل قدراً وأهمية عن حماية الإنسان نفسه!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني