كيف هزمت الثورة السورية الربيع العربي
أزمة العقل السوري هي تماماً أزمة العقل العربي اليوم لكنها الآن مسؤولية سورية بامتياز، لأن السوريين هم من يقود مأساة العرب الكبرى غير أنهم لا يتركون مجالاً للتغيير، فبدلاً من هزيمة فكرة الاستبداد التي أرساها النظام السوري طوال عقود، فهي أعادت الزمن للسير بعكس المطلوب، فالثورات الفاشلة لا تقل خطورتها عن الأنظمة المستبدة، لأن خيار الشعب لم يعد في التخلص من طرف مستبد واحد، وهو ما ينتج عنه تحطيم الحلم، وهكذا ذهبت الثورة السورية نحو هزيمة الحلم العربي “بمجمله” في التغيير، وأصبحت فكرة الثورة والرعب والفوضى قرائن متشابهة.
فالسوريون الذين حملوا السلاح قطعوا الطريق على الشبان الصغار الذين كان يمكن أن يرسموا حلماً كبيراً لو تركوهم بمفردهم، غير أن تلك النخب التي دخلت على خط الخطيئة وبحثت عن حصتها، وتسلقت الحلم السوري، انتهى بها المطاف نحو شراكة مصلحية مع النظام، فقد استنفذت الثورة المسلحة فكرتها، وتلاشت حصص اللاعبين، وبذلك ضاعت الورقة السياسية، التي لم تعد موجودة على الطاولة الآن.
انتهت القضية (السياسية) السورية للشعب السوري، ولم يبق على طاولة السياسة سوى الأخبار الهامشية، التي لا تصلح حتى لتعبئة الكلمات المتقاطعة في الصحف والمجلات، أمام حضور قوي ومختلف للمشهد السوري، وهو القضية الإنسانية، وبذلك سقطت القضية السورية كقضية سياسية، وتحولت إلى ملف إنساني إغاثي يعالج مخيمات اللجوء من زاوية التبرعات التي تقدمها الدول من هنا وهناك، ما يعني أن عمر الأزمة السورية طويل فوق المعقول، وأما عمر السياسة فهو عالق إلى أجل غير مسمى، تماماً على شاكلة الأزمة الصومالية وغيرها من الملفات التي يتركها السياسيون للدوائر الإنسانية لأنه ليس ثمة صوت سياسي يمكن أن يسمع من داخل أصحاب المشكلة، بقدر ما هي صراعات حول النفوذ والحصص.
من المهم أن يدرك السوريون أن القضية السياسية الأولى اليوم هي قضية النووي الإيراني، وقد كان يمكن للسوريين أن يديروا اللعبة بشكل صحيح، لو أنهم وجهوا اللعبة نحو مسارها المناسب، ولكنهم لم يفعلوا، وبذلك أصبحت اللعبة خارج سوريا، وهو ما اقتضى التسريع في خطة انسحاب الناتو من أفغانستان، ومن لا يفهم اللعبة السياسية، لا يفهم كيف تجري الأمور، فإذا كانت الأزمة الإيرانية هي العقدة الأولى في ملفات السياسة العالمية، فلابدّ من تعميق الأزمة الإيرانية (داخلياً) بما يتجاوز فكرة العقوبات، نحو مرحلة جديدة من تغيير خارطة التحالفات المحيطة بالجغرافيا السياسية الإيرانية، وهذا سبب كاف لانتقال السياسة الإيرانية من لعبة الإدارة الإقليمية إلى صراع المصالح الإقليمي، وهو صراع طويل.. طويل، لكنه كفيل بكبح جماح التمدد الإيراني، ودفعه نحو مرحلة الصراع مع الذات.
في هذا المشهد الدولي القادم، الذي سيزداد تعقيداً خلال الأشهر القليلة القادمة، سوف يبقى المشهد السوري كما هو داخل المخيمات، والذي سوف يستمر لسنوات طويلة، ريثما تولد حالة سورية غير مسلحة، تستطيع طرح برامج واقعية، قادرة على تكوين شبه دولة في المرحلة الأولى، وهذا غير متاح الآن، حيث يشترك كل من النظام والمعارضة في صياغة منهجية واحدة، وهي منع قيام نخب قيادية جديدة بأفكار، لأن الشعب هو آخر العناصر المهمة للطامعين في كرسي السلطة.