fbpx

نوال السعداوي بين حدي التطرف

0 305

قامت ثورات الشعوب في السياق التاريخي للحضارة الإنسانية بفعل المفكرين الثائرين على واقع مبني على الظلم، والقهر، والاستعباد، وحنق، وغضب للشعوب، يغلي في قاع النفوس دون بزوغ وسطوع للخارج فيبقى طي الكتمان، وغالباً ما ينتج عنه سلوك عدواني عشوائي مضاد ينعكس على أصحابه أولاً، وعلى محيطهم ثانياً، دون أن يكسر، أو يخترق، أو يلحق الضرر بالمسبب الحقيقي لهذا الغضب، فكانت أصوات المفكرين وأقلامهم هي المنارة والشعلة المضيئة لظلام الشعوب.
تلك الشعلة من العقل المفكر الذي يتبنى طرق التحليل العلمي والإنساني لتبني القضايا الإنسانية وتحرير العقول من واقعها المريض، غالباً ما كانت تحارب من أصحاب المصالح في الإبقاء على الظلام خشية نور الفكر الذي يشكل عائقاً في سبيل استمراريتها في خداع الشعوب وتضليلها.
تعرض المفكرون الثائرون لحرب ظالمة بالأذى الجسدي لحد الإزالة من الوجود وبالأذى المعنوي بتشويه الصورة الحقيقية لهؤلاء ومقصدهم الحقيقي في خدمة الإنسانية فنرى في التاريخ البشري كيف قتل العالم غاليليو لأنه اكتشف وأقر بكروية الأرض فاعتبرته الكنيسة في ذلك الوقت بقيادة رجالها زنديقاً وكافراً بتعاليم الرب، وغيره كثيرون وما أكثرهم في المجتمعات الإسلامية كالحلاج وابن رشد والفارابي والمعري الذين مورست عليهم أبشع أنواع القتل والأذى والتشهير بشخوصهم وأفكارهم النيرة واعتبروا كفرة وزناديق خارجين على دين الإسلام، والمشكلة ليست فقط في صورة تكفيرهم وقتلهم بل بقتل كل فكرة قد تبزغ لدى غيرهم فكانوا كبش الفداء لحرية الفكر والتعبير والمعتقد.
تلك النزعة التطرفية من جانب السلطات عادة الدينية والسياسية في محاربة المفكرين وقطع الطريق عليهم وعلى المجتمع في السير على خطاهم، أيضاً في الطرف المقابل من مؤيدي هؤلاء المفكرين والمقتنعين والمعجبين بأفكارهم وشخوصهم كان لهم دور سلبي أحياناً في حماية هذا الفكر والغلط في نشره بالتحيز والتطرف متأثرين بالواقع المتطرف الذي يلغي الآخر ليقول أنا الوحيد المحق والباقي مخطئ، ونؤيد ما سبق بالحرب المستعرة حول شخصية المفكرة الثائرة نوال السعداوي بين شامت بموتها ومقدس لها وغياب للوسطية من ساحة هذا المعترك الإعلامي (الفيس بوكي).
لا شك أن الراحلة نوال السعداوي شمعة أضاءت طرقاً مظلمة لواقع المرأة العربية المرير.
امرأة ثائرة وأول نسوية في المجتمع العربي الإسلامي، لكن لا تصل لدرجة التقديس، وشخصية جدلية أثيرت حولها مئات وآلاف القصص من التشويه والافتراء والتكفير.
هذه علتنا في هذه المجتمعات المغلقة التي يخنقها ويتحكم بها الاستبداد الديني المدعوم من دكتاتورية عفنة ليس لها مصلحة في تنوير مجتمعاتها، هذا الوسط لن يخرج منه من يتقبل الآخر المختلف عنه فنكون أمام تضاد يقضي على ما تبقى من بذور فكر يمنع حتى المبادرة في التفكير، إما مع أو ضد، ولماذا لا نكتفي بشرح وتوضيح مواقفنا بل نفرضها فرضاً، فأنا من المؤيدين لأفكار الراحلة نوال السعداوي ومعجبة بفكرها وشخصيتها، لكن لا أقدسها ولا أعادي من يختلف معها، بالمقابل من الجهة الأخرى، هناك من يختلف معها بالفكر والرأي لكنه يحترم هذا الفكر رغم الاختلاف معه.
لغة التقديس الأفراد لا تختلف عن لغة التخوين والتكفير كلاهما إقصاء وقيد على الفكر الحر فعهود الظلام التي عاشتها مجتمعاتنا من الاستبداد الديني حرمتنا من التطور ومسايرة الحضارة الإنسانية، والاستبداد السياسي أكمل المهمة بنجاح فالإبقاء على لغة ونهج إقصاء الآخر يبقينا ويقصينا عن ثروات الفكر التي نمتلكها بل يهدر هذه الثروات التي نحن بأمس الحاجة لها.
النمطية نوع من إقصاء العقل وتحجيم لدوره الحقيقي بالبحث دون قيد المقدس، وبالتقليد الساذج الذي أصبح في طيات الزمن بالنسبة للشعوب التي تعيش الديمقراطية وثمارها الحضارية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني