حق الشعب في تقرير مصيره
الانتخابات السورية برؤية مختلفة
نحن اليوم أمام منظومة قانونية دولية ضخمة، أثقّلت كاهلنا بقضايا حقوق الإنسان، وما زال الإنسان في سوريا يعيشُ جميع انتهاكات هذه الحقوق، وما زلنا نرفلُ بكمٍ هائلٍ من القوانين الداخلية، التي تتغيرُ أو تُستبدلُ أو تُبتكرُ ابتكاراً بين يوم وليلة، دون أن تحققَ أدّنى مقومات الاستقرار، فما فائدة المواثيق والقوانين الدولية، التي تتناول قضايا حقوق الإنسان، في ظلِّ صمتٍ وقبول للقتل الممنهج في سوريا للناس الأبرياء؟.
إن سر نجاح الحضارات يكمن بحضارة قوانينها، التي تضم القواعد التي تحكم سلوك البشر في المجتمع، لتحقق حفظ النظام والأمن، فلا تعم الفوضى ولا يسود الاضطراب، وفي سبيل تحقيق ذلك يحددُ القانون الحقوق والواجبات المقررة للأفراد، حتى يعرفوا مقدماً ما يترتب على أعمالهم من نتائج، فالعلاقة وثيقة بين القانون والناس كأفراد، وبين القانون والمجتمع كجماعة، فنمو العلاقة وتطورها ونضجها ينهض بالمجتمع على جميع الأصعدة، مع مراعاة احترام القانون بمواده التي تحكم سلوك البشر، ضمن منظومة تنفيذ العقاب الرادع في حال ثبوت انتهاك النص القانوني.
وحيث من المُسَلّمِ به، أنّ القانون يُساهم في الحالة النفسية للشعوب، وقد كتبَ العديدُ من الفلاسفة والمفكرين في هذا الجانب الذي لنّ نغوص به، بل نتابعُ الوقائع على أرض الواقع، وطالما أنّ القانون يمهد للأمان والاستقرار النفسي، وأنّه العنصر الممهد لبناء الحضارات، نفترض أنّ السلطة الحاكمة تمنح مساحة من حرية التعبير، لممارسة حق تقرير المصير في اختيار الحاكم.
من القانون الدولي، نتناول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي جرى اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، كمرجعية عالمية لحق الشعوب في تقرير مصيرها، أقرّ الإعلان بما للانتخابات النزيهة والشفافة، من دور في ضمان إعمال الحق، في المشاركة في الشؤون العامة.
وقد نصت المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن:
– لكل شخصٍ حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون بحرية.
– لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده.
– إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة، تُجرى دورياً بالاقتراع العام، وعلى قدم المساواة بين الناخبين، وبالتصويت السري، أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.
وقد جرى التأكيد على ما لإجراء انتخابات دورية ونزيهة، من دور في احترام الحقوق السياسية، في العديد من الصكوك الدولية، والإقليمية، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وميثاق منظمة الدول الأمريكية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان، وغيره.
وتوالت البيانات والمعاهدات والصكوك الدولية لتأكيد حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ومرت بنضال استمر لسنواتٍ عديدة، ولسنا بصدد مرحلة النضال تلك، ولكن نأخذ من الفكرة التي نحن بصددها، في ظل الترويج للانتخابات غير الشرعية، التي يستعد لها النظام السوري، في ظل تجاهله لأكثر من نصف شعبه، الذي بات مهجّراً ونازحاً ولاجئاً، وهو يعتبر أن دستور 2012 هو الناظم للانتخابات.
ولو نظرنا إلى الدستور نظرةً موضوعيةً، لأنه القانون الأسمى في الدولة، يرتقي فوق جميع القوانين الداخلية، ويمتاز عليها بالرقابة، وعلى إرادة السلطة العامة أيضاً، وعلى جميع القوانين والمراسيم التشريعية، والقرارات، بكنفِ قاعدة كل ما يخالف الدستور باطل بطلاناً مطلقاً.
يحق لنا كأي شعب من شعوب العالم أن نتطلع إلى (الدولة التي يكون فيها المجتمع والمواطن هدفاً وغاية، يُكرَّس من أجلهما كل جهد وطني، ويُعد الحفاظ على كرامتهما مؤشراً لحضارة الوطن وهيبة الدولة.).
نحن الشعبُ الجبارُ المبتكرُ الذي بهرَ العالم بصموده تحت نير حكم الأسد الأب والابن، ولنقف قليلاً عند مضمون مادة من الدستور السوري، ليس لعام 2012 فحسب، بل ودستور 1973 وما تلاه، إنها جميعاً تؤكد بأن السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب. يمارس الشعب السيادة ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور.
تلك القواعد تفيض بالمنطق القانوني والأساسيات المثبتة كقاعدة (الشعب مصدر السلطة) وحكم الشعب للشعب وبالشعب، (لكن يا حسرة لا أكاد أحملها أولها مزعج وآخرها) عندما ننظر إلى الواقع المأساوي الذي يعيشه شعبنا، فأين هو من روح النص الذي لا يُطبق، وما فائدة النص المُجمّد؟.
الشعوبُ تصنعُ دساتيرها بما يحققُ ازدهارها واستقرارها، لتمنحَ السلطة لمن يستحق قيادة الوطن والدولة، واليوم يصنعُ الحكام دساتيراً لخدمة مصالحهم، وها هي أيضاً اللجنة الدستورية ستصنعُ دستوراً تحت إشرافٍ دوليٍّ، وبما أنّنا نعرف الأسباب والمبررات، لن ندخل بأسباب وجود اللجنة الدستورية، نحن الآن دولة مُحّتلة بامتيازٍ وبقبولٍ ومساهمةٍ من النظام، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تستطع اللجنة الدستورية تحريك دفة الانتخابات، بما يشفي غليل الشعب السوري المقهور؟
وهل تستطيع اللجنة الدستورية مواجهة المجتمع الدولي عامة، والدول المشرفة عليها خاصة، بقول حقيقة ما يجول في أعماق السوريين؟، وبأن الشعب السوري لن يمنح السلطة للحاكم، الذي استخدم كل وسائل القتل واستعان بالشيطان، ليستمر في منصبه، الحاكم الذي قتلَ مليون إنسان سوري، خلال السنوات العشر الماضية، وتسبب بتمزيق أوصال شعبه، وأنتج مليون معاق، وهجّرَ أكثر من سبعة ملايين مواطن، وشرّد بالداخل 5 مليون نازح، ثم دمّر أكثرَ من 70 بالمائة من البنية التحتية لسوريا، والحديث عن السجون وأماكن الاعتقال حدّثْ ولا حرج!!
في أي عصر أو زمن من الأزمنة الماضية، لن تقبل الشعوب بمنح السلطة لحاكمٍ قتل شعبه، وإن حصل ذلك سيكون انتزاع السلطة من يد الشعب بالقوة.
لننظر بالقسم الدستوري للرئيس أمام شعبه، والذي بموجبه استلم السلطة.
«أقسم بالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته، وأحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة أرضه، وأن أعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية.»
إنه لم يلتزم بكل ما ورد في القَسم، بل حنث به أمام ملايين الشعب، وهذا يكفي لإسقاط الشرعية عنه، فكيف بموجب هذا الدستور الذي خانه يرشح نفسه لرئاسة جديدة؟.
حتماً يحدث مثل هذا التنمر على القوانين، في ظل انعدام استقلالية السلطة القضائية، إن الدستور تمّ تعديله بعد الثورة في سنة 2012، والشعب السوري الثائر، لا يعترف بشرعيته لأسباب كثيرة، أهمها عدم مشاركته بالاستفتاء الشعبي.
وقد تناوله المفكرون والباحثون في القانون وفي الإعلام بكل أنواعه بمناقشة الثغرات التي وردت في هذا الدستور، وهي منتشرة على وسائل الإعلام الإلكتروني، لن نخوض إلا ما يخدم فِكرتنا، فالدستور اشترط أن يكون طالب الترشح مقيماً إقامة دائمة متصلة لا تقل عن عشر سنوات في سوريا عند تقديم طلب الترشح، إنه عنف قانوني تمارسه السلطة لتحرم الشعب من حقه في تقرير مصيره، ويشترط الراغب بالترشح، الحصول على تأييد خطي من 35 عضواً من أعضاء مجلس الشعب، فهل يجرؤ عضو مجلس الشعب أن يزكي مواطناً وقف إلى جانب الثورة؟؟
ورغم أن الدستور أجاز أن يُنتخب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة دون تحديد الأرض التي هو عليها، سواء كان في دول المهجر واللجوء، أم كان على الأراضي السورية، فهو يريد أن يضمن أصوات مؤيديه في الخارج، لكن من يضمن أنه سيأخذ بأصوات المعارضة بنزاهة، وهو يعرف بأن ملايين الأصوات ستقول له: ارحل.
ننظرُ إلى تلك الانتخابات التي يستعدُ لها النظام باستياءٍ، إنها إهانة للملايين من الشعب السوريّ، الذي انتُهكت حقوقه على جميع الأصعدة، وهي مهزلة حقيقية أمام التاريخ، وأمام نضال الأمم المتحدة في مسيرة حقوق الإنسان، وسوف تفرز نسخة أكثر تعقيداً من النظام، وتساهم في إكمال عملية إلحاق سوريا بإيران، رغم أن سوريا ستظل عربية، ولنّ ينجحَ الإيرانيّون في البقاء بسوريا، مهما كانت وثائق ملكياتهم للعقارات مُثبتةً، وإن فرحوا بمرحلة الأسد، فلن تدوم تلك الحال، لكن تلك المرحلة حرجة لظروفها، التي يدركها المجتمع الدولي قبل المجتمع العربيّ، أين نحن من تحضّرِ الشعوب، ومن حقها في تقرير مصيرها؟
وهل الموالون في مناطق النظام يملكون الحرية في اختيار الرئيس؟؟ رغم كثرة المرشحين!!
إنّ المخططَ الذي يُمهد له النظام للانتخابات، يهدّد مصير ملايين السوريين اللاجئين في جميع أنحاء العالم، لأنهم لن يجرؤوا على العودة، وكذلك النازحين في الداخل، ويضربُ عرض الحائطِ
بجميع حقوق الشعب السوريّ المنكوب.
الانتخابات وإن حصلت فهي باطلة، وأسباب بطلانها كثيرة فشرعية بشار الأسد ساقطة منذ أنّ صار مجرم حرب، ولا بد من التدخل الدولي لمراقبة العملية الانتخابية، التي أوشكت على البداية في الأشهر القليلة القادمة، والإشراف عليها إعمالاً لجميع الصكوك والمواثيق الدولية التي تصون كرامة وحقوق البشر، وإعمالاً لعشرات المواد القانونية الدولية التي تصون حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وهذا واجب أخلاقي منهم تجاه الشعب السوري الذي تذوق كل ألوان التهميش والتهجير وانتهاك الحقوق، شعبٌ حرٌ كريمٌ يستحقُ الحياةَ بسلامٍ.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”