fbpx

فشل آخر في إغلاق الصفحة

0 630

لا دخل لفيروس كورونا بالقصة أبداً، ولا خوفاً على اختراق صفحتي الشخصية من قبل فيروسات إلكترونية أو بشرية؛ ومحتواها عموماً لا يغري لاختراقها.

ولا يرتبط الأمر بالأوقات الطويلة التي أقضيها أمام شاشة (اللابتوب) أو الهاتف النقّال، وإضاعة الساعات في التصفّح، طمعاً في التقاط خبر هنا أو قصة هناك أتعكّز عليهما لكتابة تقرير أو تحقيق أو مقالة صحفية، يكفل استكتابها لي ولعائلتي جزءاً من مصروف الشهر المقبل.

ناهيك أن ذلك الوقت الضائع لم يعد مهماً بالنسبة لي، كلاجئ سوري، بالقدر الذي تؤثّر فيه متابعة منشورات “الفايسبوك” أو تغريدات “التويتر”.

وأقرّ بأن “مشروع” قراري بمقاطعة مواقع التواصل الاجتماعي الذي أدرسه حالياً، لا علاقة له مطلقاً برغبة زوجتي وتهديداتها المتكررة، بالقول: “الفيسبوك مثل الضرّة، دائماً يخطر ببالي رمي اللابتوب خارج البيت، ويمنعني من ذلك اعتماد عملك عليه”.

على أية حال، سبق وقمت بالعديد من المحاولات الفاشلة بهدف إغلاق صفحاتي على التواصل الاجتماعي.  أذكر أن إحداها تزامنت مع ظهور تنظيم “داعش” على الساحة السورية نهاية العام 2013، نتيجة صدمتي بمجموعة من أصدقاء الصفحة آنذاك ودفاعهم الغريب عن التنظيم، لدرجة وصلت ببعضهم إلى التهديد بـ “القصاص” سواء على العلن أو عبر الرسائل الخاصة متذرّعين بحجج واتهامات ما أنزل الله بها من سلطان.

اليوم يصل حجم الكوارث (المنشوراتية) إلى أوجِهِ لتغدو غالبية صفحات تواصل السوريين عبارة عن بؤرة من الحزن والتشاؤم والانهزامية، أو حلبات لصراع افتراضي، أو مساحات مخصصة للاستعراض والدعاية والإعلان في أحسن الحالات.

وهاكم الآن أهم مضامين الصفحات:

–      نعوات الوفيات الثابتة، مع تغيّر الأسماء كل ساعة.

–      منشورات التهديد والوعيد لدرجة تشعرك بالتحوّل مع الوقت إلى دجاجة أو أرنب قابل للتدجين. وإلا فالاختلاف مع أحدهم بالرأي سيدفعه للغضب منك، ووضعك في قائمته السوداء.

–      “مشايخ” يحمّلون خسارة الثورة للمعاصي التي ارتكبها “أهل الشام”، وأن الله يعاقبهم جراء تلك المعاصي!

–      أطرافٌ تدّعي بأن الثورة كانت تتويجاً لنضالها العقائدي، وأخرى انتقاماً لمظلوميتها، وثالثة نتيجةً لأسبقيتها في الحراك.

–      إسلاميون يتهمون العلمانيين بالكفر والإلحاد وموالاة النظام، وعلمانيون يهاجمون الإسلاميين ويتهمونهم بالتطرّف و(الدعشنة) وحرف مسار الثورة.

–      صور لموظفي منظمات وجمعيات يناولون النازحين والمهجّرين ربطات الخبز وصناديق البرغل وقطعتين من فئة 2000 ليرة سورية، لتغطية أنشطتهم الإغاثية.

–      أخبار القتل التي حوّلت قلوبنا لكومةٍ من حديد صدئ.

–      صور ومشاهد التعذيب وانعكاساتها السلبية على أنفسنا وإنسانيتنا، وأعصابنا.

–      منشورات (أدباء الغفلة) الذين جعلوا من الشعر والنثر، والأدب بصورة عامة، عبارة عن مهزلة لغوية.

–      القصص الملحمية والبطولية لأصحاب المنشورات، وخاصة جماعة “أول 30 واحد طلعوا بالمظاهرة”.

–      (الشحاذة) والنصب والتشكّي.

–      منشورات الأزمات العاطفية، التي لا نقرأ لأصحابها منشوراً إلا عندما يتعرّض لـ (كريك) عاطفي، ليوضّح من خلاله بأن الطرف الآخر صاحب الكريك –المخادع والمخاتل- سيندم لاحقاً على فعلته وسيعترف بالخسارة ولكن بعد فوات الأوان.

–      منشورات الـ “مقصودة”، وهي عشوائية بالأصل، وغالباً ما يكون المقصود منها كل مشتركي (الفيسبوك)!

–      مراقبة زلّات الآخرين، ونشر صور الـ “سكرين شوت”، التي تُشعر ناشرها بأنه “علي مملوك” أو (إدغار هوفر).

–      منشورات الهزائم اليومية، والانسحابات، والخرائط الملونة بالأحمر والأخضر والأصفر، وتموضع الطريقين الدوليين.

–      القدح والذم، والذمة الواسعة، والتخوين الذي انتزع الوطنية الأخلاق والإنسانية من جميع أطراف وأطياف الثورة والمعارضة وشخصياتها.

–      كثرة امنشورات الـ(دونكشوتية).

–      تقلّب الآراء مع تغيّر الأحداث وموازين القوى.

–      المعايدات الخلّبية والسابقة لأوانها. وفي حال جاءت بعض المعايدات في وقتها ومكانها سنقضي اليوم بقراءة منشورات منتقديها، أو محرّميها ومحلّليهاـ أو شاتمي أصحابها ومادحيهم.

–      مشاهد البث المباشر التي راحت تكثر هذه الأيام، وما أدراك ما هو البث المباشر!

–      انقسام معشر (الفسابكة) والمغرّدين من السوريين في ميولهم وتحليلاتهم إلى مدارس دوليّة مختلفة بحسب الاصطفافات السياسية والدعم والتوجّه الأيديولوجي. 

–      سوء النية المبيّتة لدى البعض في قراءة المنشورات والتعليقات. وغالباً ما تساهم في خسارة السوريين لأصدقائهم الواقعيين قبل أصدقاء الصفحة الافتراضيين، وبدون مبرر.

أظنّها ستكون محاولة إغلاق فاشلة ستضاف إلى المحاولات السابقة، ويبدو أننا صرنا نتلذّذ بقراءة تلك المنشورات.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني