تدخين الأطفال.. ظاهرة شائعة في إدلب دون رقيب
تنتشر ظاهرة تدخين السجائر والنرجيلة بين الأطفال والمراهقين في إدلب وريفها بشكل ملفت، وخاصةً أن أغلب الأطفال تأثروا بتداعيات الحرب السورية التي انعكست سلباً عليهم، وجعلت معظمهم يفقدون المعيل، إضافة لغياب التوعية وتراجع دور المدرسة، وتسربهم من المدارس بأعداد كبيرة، فضلاً عن رفاق السوء وضعف الرقابة من الأهل، ما يفضي لانحراف الأطفال وسلوكهم لنهج غير سوي في الحياة.
الطفل ماجد المصطفى (13عاماً) من مدينة إدلب، يذهب إلى عمله في الصباح، ويعود مساء حاملاً بيده سيجارة، في محاولة منه للفت الأنظار وإثبات أنه قد أصبح رجلاً يعيل أسرته، ويحق له أن يدخن كالرجال، وعن ذلك يتحدث لنينار بقوله: “بعد وفاة والدي أصبحت أؤمن مصروف أمي وإخوتي الثلاثة من عملي في ورشة لصيانة السيارات.”
لا يشعر الطفل ماجد بأنه يقوم بسلوك خاطئ يجب عليه أن يخجل منه، ويؤكد أنه واحد من ثلاثة أطفال يعملون في الورشة، ويدمنون على التدخين.
أم ماجد تبين لـ نينار برس أنها حاولت منع ولدها مراراً من التدخين، لكن يردد على مسامعها بأنه لم يعد صغيراً، ومن حقه أن يفعل ما يشاء وعن ذلك تقول: “أشعر بالعجز في تربية أبنائي بعد وفاة والدهم.”
كما يلجأ الأطفال للتدخين عادة هرباً من واقعهم القاسي الذي عاشوه نتيجة الحرب، ولشعورهم بالإحباط واليأس وعدم قدرتهم على تغيير واقعهم، فيلجأ بعضهم إلى السيجارة في أوقات الغضب وكأنها متنفس له يهرب بها من الضغوط والمشاكل الأسرية.
تيم العمر (15 عاماً) نازح من ريف سراقب إلى قرية كفريحمول الواقعة بريف إدلب الشمالي، يتعرض للتعنيف والضرب من قبل والده، لذلك لجأ إلى تدخين السجائر والنرجيلة تقليداً لوالده، ليثبت أنه أصبح رجلاً، ولا يمكن لأحد التحكم بحياته، وعن ذلك تتحدث والدته لنينار: “رغم رفضي الشديد لسلوك ولدي إلا أنني مضطرة لإعطائه ثمن السجائر، وأخاف أن يفعل مع مرور الوقت أي شيء للحصول عليها إذا اعتاد على التدخين، ما يدفعه لارتكاب جرائم أخرى كالسرقة.”
المرشدة النفسية نور البلان من مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي تتحدث لـ نينار برس عن الآثار التدميرية للتدخين على الأطفال بقولها: “ينجذب الأطفال لهذه الظاهرة من باب التقليد لأقرانهم أو أحد أفراد أسرهم، فالبيئة الحاضنة للطفل لها الذنب الأكبر، فضلاً عن رغبة آخرين بالتمرد على الأهل، وأحياناً على العادات والتقاليد لجذب الانتباه مثلاً أو الإحساس بأنهم قد كبروا، ولا يجب عليهم الاستماع إلى توجيهات الآخرين.”
وتؤكد البلان أن من واجب الآباء والأمهات متابعة أطفالهم بشكل مستمر في المدارس والشوارع والبيوت، ومعرفة أصدقائهم، لأن التدخين حلقة من سلسلة يمكن أن تنتهي بالمخدرات والسرقة أو القتل، إلى جانب آثاره المدمّرة على صحة الطفل، وتزيد خطر الإصابة بالربو وأمراض الجهاز التنفسي، إضافة لتعرضهم للأمراض التي يسببها التدخين في سن مبكرة، ومن هذه الأمراض السرطانات والتهاب القصبات الهوائية.
وتتابع البلان: “الحل يكون من خلال السعي للحد من الظاهرة من خلال حملات التوعية والإرشاد، لا سيّما في المدارس، للتعريف بخطورة التدخين ومضاره الصحية، فضلاً عن توفير النوادي الرياضية والمرافق الترفيهية ليتمكن الأطفال من تفريغ طاقاتهم الجسدية والنفسية، واللهو واللعب مع أقرانهم.” مؤكدة على أهمية التوعية في المدارس عن طريق الندوات والجلسات الحوارية التفاعلية، بالإضافة إلى تفعيل دور الأسرة في التربية والتنشئة الصحيحة للأطفال.
تزداد المخاطر التي تهدد صحة الأطفال السوريون في ظل الحرب، ومنها التدخين الذي أصبح شائعاً ومألوفاً نتيجة غياب الوعي، وضعف دور المدرسة وفقدان الكثير من الأطفال لآبائهم، وازدياد الضغوطات النفسية وسط ما تعيشه البلاد من حرب مدمرة.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”