fbpx

تحديات الطفولة

0 163

تتصف مرحلة الطفولة بأنها مرحلة البناء والتشييد لشخصية الإنسان، وعليها ترتكز مكنونات الشخصية وهيكليتها النفسية والعقلية وتحدد المسارات السلوكية لكل إنسان، وهذا ما دعا علماء الاجتماع والسلوكيات إلى الاهتمام بدراسة المؤثرات البيئية والاجتماعية المكسبة والمؤثرة بالطفولة التي هي مستقبل المجتمعات، فبقدر امتلاك مقومات المناخ الملائم لعملية البناء الإنساني من حيث البيئة الصحية والنفسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، نحصل على مجتمع سليم متجانس متماسك منفتح متجدد متطور ولذلك قيل (بناء الإنسان قبل بناء الحجر).

من مقومات البناء حماية الطفولة بأسس ومنهجية علمية مؤطرة قانونياً بالقواعد الناظمة لعملية البناء، وأول هذه القوانين ما يخص الأسرة والطفولة حيث خصص المشرع السوري بعض القواعد القانونية، وفرض العقوبات الجزائية بحق المخالف كما جاء بالمادة /487/ من قانون العقوبات السوري المتعلقة بإهمال واجبات الأسرة والمادة /488/ المانعة من إشراك الأطفال بالأعمال القتالية.

نقص تشريعي لا يفي بالغرض من عملية حماية الطفولة وعجز عن الإحاطة بكل المعوقات والتحديات التي تطال الطفولة، ومنها السلوكيات والأفعال الإجرامية الصادرة عن بعض الأطفال المخصصة بقانون الأحداث الجانحين، المتضمن القواعد القانونية التي تنظم وتؤسس لعملية التعاطي مع الحدث المرتكب لفعل إجرامي، والأهم من ذلك معالجة تلك السلوكيات بقواعد لابأس بها، لكنها تبقى حبراً على ورق، لا وجود لها على أرض الواقع.

لا توجد مراكز للأحداث كما نص القانون من مراكز الملاحظة التي تستوعب الحدث في مرحلة التحقيق ولا مؤسسات إصلاحية تستوعبه بعد صدور الحكم بحقه.

هذا في وقت السلم فكيف هي الحال في زمن الحرب؟

الطفولة هي الضحية الأولى في الحرب التي يعيشها الشعب السوري.. هناك فقدان لجميع مقومات الحياة الطبيعة، فقد خسرت الطفولة الحقوق الأساسية لها، (الحياة، الأمان، السلامة الجسدية والنفسية، التعليم والرعاية و………)

فقدان مدن وأحياء بكاملها بفعل الدمار، فقدان للبنية التحتية من مدراس ومستشفيات وأماكن السكن. دمرت المنازل فأين المفر؟ لا بر يستوعب ولا بحر ينجي، فقط قطع القماش التي لا تقي من البرد والمطر والحر والريح.. تكرّم بها العالم على أطفالنا.

عملت الحرب على مدار عشر سنوات خلت على تهجير نصف الشعب السوري وتشتيته وضياعه في أصقاع الأرض. فقدت الطفولة براءتها.. والخوف الآن من قنابل موقوته تشكل خطراً على الأجيال القادمة.

إن الطفل الذي يفقد أسرته ويفقد المأوى والاهتمام والرعاية وتحتضنه الشوارع والأزقة هو حقيقة قنبلة ستنفجر على من حولها، فكم من قنبلة ستدوي وتتشظى..؟ هذا التحدي الأكبر والأخطر الذي يواجه المجتمع السوري.

بالرغم من المساعدات التي قدمتها هيئات دولية لمساعدة أطفال سورية على تخطي المعوقات التعليمية والاقتصادية والنفسية، إلا أنها عاجزة وقاصرة عن استيعاب كل أطفال سورية، في الداخل وفي مخيمات اللجوء، فكم من انتهاك بحق الطفولة، جرائم وعنف تمارس بحقهم وغالباً ما يفلت الجاني من العقاب، ما يشكل خطراً إضافياً وتحد كبير لحماية الطفولة، بالإضافة للتحديات القائمة من نقص تشريعي ونقص موارد، وبيئة متفككة متفسخة، إما بسبب فقدان الوالدين موتاً أو بسبب الانفصال والتفرّق، ما يسبب ضياعاً للأطفال ويؤدي إلى حياة في مهب الريح تتلاقفها الأقدار من سيئ الى أسوأ.

المعالجة الحقيقية لمعاناة الطفولة تكمن في إيجاد الظروف والبيئة المناسبة لتنشئة جيل يستطيع بناء حياته وممارستها كما يجب متمتعاً بكامل حقوقه الإنسانية التي نصت عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وملتزماً في أداء واجباته تجاه نفسه وتجاه الآخرين والوصول إلى تلك المرحلة وتذليل المعوقات والتحديات، يكون بإيجاد حلول جدية للشعب السوري، أولاً الحل السياسي الذي ينهي معاناته، ويمكّن من تغيير سلمي للنظام القائم، وإيجاد نظام يحقق مصلحة الشعب لبناء صحيح للدولة على أسس صحيحة مدروسة بمنهجية علمية وأطر قانونية تصل بنا إلى دولة المؤسسات والقانون فهي الضامن الوحيد لحماية الطفولة وإزالة المعوقات ومواجهة التحديات.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني