لهام التونسي شاعرة مغربية خريجة كلية الأداب والعلوم الإنسانية ولدت بمدينة الرباط
عشت طفولتي بمدينة سلا ، شاركت في ديوان عربي مشترك بعنوان عزف على أوتار الحروف “بدولة العراق وديوان زجلي مغربي بعنوان” بلابل الحروف ” وشاركت في العديد من الامسيات والملتقيات بالمغرب
يعتبر شعر التفعيلة شكلاً مستحدثاً من أشكال الشعر العربي الذي يعتمد وحدة القصيدة بدل وحدة البيت، إذ تحرر من وحدة القافية والشكل وتميز بحرية التنويع في التفعيلات وفي طول القصيدة مع استخدام الرموز والإيحاءات والتي عادة ما تكون صعبة التحليل مع استخدام الصور الشعرية والتشبيهات، والشاعرة إلهام التونسي واحدة ممن اغترف من هذا البحر وغاص في أعماقه لتخرج لنا بدرر من كلمات. ويعتبر نص (تعذب المجاز بين يديك) تجسيداً لهذا النوع الأدبي المميز في شكله ومضمونه.
تعذب المجاز بين يديك
العالم ضيق لفظ من رحمه
بؤساء بدون لغة
مصير ولادة تلتهم التراب
أخط على حاجبيه اسما من ماء
كي أرفع ما تبقى منك
العالم صفير بلبل
يغزل ظفائر الليل
حتى الهمس يعانق صداه
كي تعذب المجاز بين يديك
العالم آهات محشية بأنياب
الأنين
حتى الصدأ يقتات من مرارته
كي تختبر مذاق الحب في عينيك
العالم يا جنون حرفي
أجساد من نار قد أدركت الخلاص
حجر مهجور إلا من خيال عاشقة
حتى وطأة الهجر قبلت المغيب
كي تظفر بخجلك
العالم
مئذنة فارغة تعلن الانتحار
طيف نبي يستعير لغة الأخلاق
كي ينتشل جسدا من الأوحال
مندبة تائهة بين عروق الطغاة
حتى القدر في عزلته صلى لك.
العنوان عبارة عن جملة فعلية حيث فعل التعذيب متعلق بالمجاز الذي هو الفاعل (تعذب المجاز بين يديك)، والمجاز هو من المحسنات البديعية المتعلقة بالشعر، والشعر هو لغة الروح لتسفر هذه العلائق على تعذب الروح بين يدي ذاك المخاطب المجهول، لتنتقل بنا الشاعرة (إلهام التونسي) من خلال قصيدتها إلى إظهار أوجه العالم المتقلبة والتي توحي بالبؤس والضيق مع الصمت الرهيب حيت تغيب اللغة لكي ترفع ما تبقى من ذاك المخاطب المجهول وتخط اسماً من ماء على اعتبار أن الماء هو نبع الحياة ومصدرها.
فالشاعرة إلهام التونسي تستعمل لغة سلسة موحية لتنقل لنا صوراً تجعل المتلقي يحلق في عالم متخيل حيث البلبل يصفر وهذا الصفير يغزل بدل الصوف ضفائر الليل وحيث نجد أن الهمس الذي لا يكاد يسمع له صدى يعانقه، لتعود بنا إلى العنوان بتكرار جملة (تعذب المجاز بين يديك) لكن بصيغة المضارع المسبوق بكي الناصبة له، حين تقول: (كي تعذب المجاز بين يديك) حيث يصير المخاطب الغائب فاعلاً في الجملة والمجاز مفعولاً به ليكون التعذيب في كلا الحالتين بين يدي المخاطب الغائب نفسه.
فالشاعرة إلهام التونسي أصيب حرفها بالجنون من وطأة الهجر في عالم تحاول فيه أن تختبر مذاق الحب في عيني المخاطب المجهول وتظفر بخجله رغم أن العالم صوته آهات وأنين ومذاقه مر وسكانه في نار.
فالشاعرة إلهام التونسي استعارت من الحقل الديني كلمتي مئذنة ونبي لتصور لنا هذا العالم الموسوم بالبعد عن العبادة وعن الأخلاق، فالأجساد تغرق في الوحل ولا منقذ ليهيمن الطغاة وتقام الصلاة من قبل القدر على ذاك المخاطب الغائب، وتبقى شاعرتنا بحرفها المليء بالرموز والإيحاءات مسترسلة في إلقائها الشعري بإيقاع ملؤه التعذيب بين يدي مخاطب غائب.
فقصيدة (تعذب المجاز بين يديك) هي واحدة من إبداعات إلهام التونسي التي لم تخل كباقي قصائدها من جمالية التعبير وسلاسة الأسلوب والإيحاء المرهف وخفة الانتقال وهذا يجعل شاعرتنا متميزة إذ حرفها يفضي إليها.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”