fbpx

عندما تموت الإنسانية

0 51

منذ عقود، يواجه الشعب السوري مأساة متواصلة تحت حكم آل الأسد، الذي طالما حكم البلاد بقبضة من حديد وقمع الحريات وتقييد الأصوات الحرة. لم تبدأ معاناة السوريين اليوم، بل تمتد إلى حقبة طويلة من القمع والاستبداد، حيث تلاشت كل مظاهر العدالة والكرامة تحت وطأة نظامٍ جعل من سوريا سجناً كبيراً لشعبها، ومرتعاً للفساد واستغلال النفوذ.

معاناة طويلة تحت حكم آل الأسد

كان وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 بداية عهدٍ من القمع الذي ترسّخ في وجدان الشعب السوري وتجلّت أوجاعه في عدة محطات مأساوية، أبرزها أحداث حماة عام 1982. قُتِل حينها الآلاف من المدنيين السوريين في مدينة حماة، ولم يُسْمَح لشهادات الأهالي الذين شهدوا القصف والانتهاكات أن تُسمع في أي محفل دولي. أما بشار الأسد، فقد سار على نهج والده في تكميم الأفواه وزجّ المعارضين في السجون تحت ذرائع واهية.

بدأت شرارة الثورة السورية في عام 2011، وكان حلم السوريين في تغيير واقعهم أكبر من كل الحسابات السياسية المعقدة. واجهوا القمع والاعتقالات والتعذيب بصدور مفتوحة، مطالبين بحقوقهم في حياة كريمة وحرية عادلة، لكن استجابة النظام كانت أكثر قسوة من أي تصوّر. فاق عدد الضحايا ملايين المواطنيين السوريين، وتشرد الملايين أيضاً، حتى أصبح الشعب السوري من أكثر شعوب العالم تهجيراً.

سوريا اليوم: حياة اللاجئين في لبنان

لبنان، الدولة المجاورة، كان الوجهة الأولى للملايين من السوريين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم هرباً من الموت ودمار الحرب. في بداية الأزمة، استقبل الشعب اللبناني السوريين بترحاب، لكن مع مرور السنوات، بدأت الظروف الاقتصادية والأمنية تتدهور بسبب سياسة حزب الله اللبناني الإرهابي، حتى أصبح السوريون يعانون ظروفاً قاسية في لبنان، تفوق ما تحمّلوه خلال الثورة في سوريا.

يشهد لبنان اليوم أزمة اقتصادية خانقة أثّرت بشدة على معيشة السوريين هناك، فلم يعد بمقدورهم إيجاد فرص عمل بسهولة، كما أنهم يعانون من تمييز يتجلّى في قيود صارمة تمنعهم من الحركة أو العمل، وغالباً ما يتعرضون لحملات ملاحقة أمنية بحجة التنظيم الأمني، في ظل غياب تام لأي دعم حقيقي من المجتمع الدولي. أضحت آلاف العائلات السورية بدون مأوى، تتعرض للتشريد والإذلال، وازدادت نسبة البطالة بينهم بشكل غير مسبوق بسبب ظروف الحرب الإسرائيلية الأخيرة على حزب الله اللبناني الإرهابي.

بالإضافة إلى ذلك، تعرّض كثير من اللاجئين السوريين في لبنان لحملات كراهية وعداء تزداد كلما اشتدّت الضغوط على الاقتصاد اللبناني، مع تحميلهم مسؤولية الأزمة، مما زاد من عزلتهم ودفعهم نحو العيش في ظروف غير إنسانية، أحياناً تحت خيامٍ لا تقيهم حر الصيف أو برد الشتاء.

العودة إلى سوريا… حلم ممنوع

باتت العودة إلى سوريا حلماً بعيد المنال بالنسبة لكثيرٍ من السوريين، إذ يخشون الملاحقة الأمنية التي تطالهم بتهم “الخيانة” و”الإرهاب”، خاصةً أولئك الذين شاركوا في الثورة أو دعموها بأي شكل. وقد وثّقت منظمات حقوقية عدة حالات لسوريين عادوا إلى بلادهم ليواجهوا الاعتقال والتعذيب، في ظل غياب أي ضمانات دولية تحميهم.

المشكلة تكمن في أن النظام السوري ما زال يرى في كل من غادر البلاد عدواً محتملاً، فحتى العائلات التي نزحت رغماً عنها تجد نفسها محاصرة بالتهم والتهديدات إذا فكّرت بالعودة إلى بلادها، مما يجعل آلاف العائلات السورية عالقة في لبنان، لا تستطيع البقاء ولا المغادرة.

موت الإنسانية وصمت العالم

أصبح وضع السوريين في لبنان أحد أوجه موت الإنسانية، حينما صمت العالم عن محنتهم، واكتفى بتقديم مساعدات هزيلة لا تسد حاجاتهم الأساسية. بات السوريون يشعرون أنهم مجرد أرقام في تقارير المنظمات الدولية، وأن العالم يغض الطرف عن معاناتهم، ويتركهم تحت رحمة الظروف.

حينما تموت الإنسانية، لا يبقى للإنسان كرامة، ولا يُترك للطفل مستقبل، وتصبح الأحلام مجرد ذكريات.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني